Skip to Content

مقالة سر التوبة و المصالحة - المطران يوسف أنيس أبي عاد



المطران يوسف أنيس أبي عاد

سر التوبة والمصالحة

Click to view full size image

 

 

1- سر التوبة والمصالحة: نظرة لاهوتية

2- الصعوبات التي تعترض هذا السر

  • العقلية السائدة التي تقول بإمكانية الحصول على المغفرة من الله رأساً.

  • الاكتفاء بأعمال التوبة دون قبول السر.

  • الاكتفاء بالمشاركة بسر الافخارستيا للحصول على المغفرة.

  • تشويه مفهوم الندامة.

  • تشويه معنى الكفارة.

  • صعوبات نفسية.

3- دور الكاهن خادم السر

أولاً- سر التوبة والمصالحة

 

نظرة لاهوتية

 

السؤال: ما هو المهم في سر التوبة والمصالحة وفي ممارسته الصحيحة؟

 

الجواب: يعرض الإرشاد الرسولي وسيلتين مهمتين لبلوغ هذه الغاية وهما التعليم المسيحي، والحوار . فالتعليم المسيحي هو من أجل أن يكون المؤمن عالماً بأهمية هذا السر و قدسيته ومفاعيله ،أما الحوار ،فلكي يستطيع كل إنسان انطلاقاً من وضعه الخاص، أن يتفهّم هذا التعليم ويأتي بلهفة إلى قبول هذا السر.

 

- يتم هذا التعليم المسيحي من خلال مبادرات عديدة في الوعظ والمحاضرات والمناقشات والمباحثات ودورات الثقافة الدينية ... وفي إقامة الرسالات الشعبية والرياضات الروحية على مستوى المجموعات المنظمة أو التجمعات التلقائية.

 

- أما الحوار فيمكن أن يتم في أي وقت ومكان، لكن الحوار الأهم هو الذي يتم في أجواء سر التوبة بالذات حيث نعمة السر تُلهِم المرشد والتائب إلهاماً خاصاً.

 

- وإلى جانب توضيح معنى الخطيئة ومفاعيلها، يركّز التعليم المسيحي على وجهين متكاملين من سر التوبة وهما "عمل" التوبة و "إحلال" المصالحة.

 

أ‌- عمل التوبة :

 

التوبة تعني من خلال الإنجيل المقدس، التغيير الذي يحدث في أعماق القلب تحت تأثير كلام الله و بالنظر إلى الملكوت (متى 4/17)، وتعني أيضاً تغيير الحياة تجاوباً مع تغيير القلب. إنما هذا التغيير لا يكون صحيحاً ما لم يترجم إلى أعمال توبة: "اعملوا أعمالاً تليق بالتوبة" (لوقا 3/8).

 

ومن هذه الأعمال: الجهاد الروحي ascèse أي الجهد اليومي العملي، الرامي بمساندة النعمة، إلى إهلاك الحياة من أجل المسيح، فإن هذه هي الطريقة الوحيدة لإيجادها (متى 16/24)، وقمع ما هو جسدي، وتغليب ما هو روحي و التسامي باستمرار فوق ما هو أرضي سعياً إلى ما هو في العُلى حيث المسيح (كولوسي 3/1).

 

فالتوبة هي ارتداد، وباليوناني (متانويا)، والكلمة تعني حرفياً: انقلاب النفس واتجاهها نحو الله. ولابد من استعدادات لهذا الارتداد، وعلى التعليم المسيحي أن يشرحها بمفاهيم تتوافق ومختلف الأعمار وتنوع الأحوال على الصعيد الثقافي و الأخلاقي و الاجتماعي.

 

ب‌- المصالحة :

 

مصالحة الإنسان مع الله ، مع إخوانه ، مع ذاته و مع الخليقة كلها ... والمصالحة لكي تكون كاملة تستدعي التحرر من الخطيئة التي يجب رفضها في أعماق جذورها. وفيما يحثنا المجمع على السعي إلى المصالحة بكل قوانا، ينبهنا إلى أنها قبل كل شيء، عطية يجود الله بها علينا, فالله هو الذي صالحنا بالمسيح وأعطانا خدمة المصالحة ... (2قور5/18) فبهذه العطية تُفضّ الكثير من الخلافات وتحسم العديد من النزاعات وتمّحي الانقسامات صغيرة كانت أم كبيرة، وتُسترجع الوحدة ... وقد شدّد يسوع على موضوع المصالحة الأخوية عندما تكلم عن تقدمة الخد الآخر، وترك الرداء لمن يطلب الثوب، ووجوب المغفرة حتى للأعداء مرات لا عدّ لها ... (متى 5/38-48)

 

وهناك أيضاً مصالحة على مستوى العائلة البشرية جمعاء، ومن خلال ارتداد قلب كل من الناس، وعودته إلى الله. فَوَحْدة البشر لا يمكن أن تتحقق ما لم يغير كلٌ من الناس ما في نفسه.

 

وباعتقادنا أن المصالحة السرية، التي تُعطى لأبناء الكنيسة, تتحول إلى ينبوع للمصالحة العامة, إذ أن النعمة التي تُوهب لهؤلاء الأبناء تصبح خميرة روحية تُفصح من جرّاء وجودها عن إمكانية تصالح الناس مع بعضهم على غرار ما يقول بولس الرسول :" ذلك فإن الله كان في المسيح يسوع مصالحِاً للعالم وغير محاسب لهم على زلاّتهم، ومستودِعاً إيانا كلمة المصالحة (2قور 5/19)

 

فالغفران المُعطى للمؤمنين من خلال سر التوبة، فيما يكون فيهم منبع سلام وراحة، يشير بالوقت نفسه إلى أنّ الخلاص دخل إلى العالم وبدأ يعمل عمله فيه.

 

التعليم المسيحي وممارسة التوبة :

 

أ- أصل هذا السر :

 

سر التوبة يتأصّل في ذبيحة المسيح الخلاصية: "اشربوا منها (الكأس) كلكم فهذا هو دمي دم العهد الذي يُراق من أجل جماعة الناس لغفران الخطايا" (متى 26/27-28)

 

مغفرة الخطايا سلمها يسوع، بواسطة الروح أناساً بسطاء ، مُعرَّضين للوقوع في الخطيئة، أعني رسله، بقوله لهم: "اقبلوا الروح القدس ، من غفرتم خطاياه غُفرت له، ومن أمسكتموها عليه أُمسِكت" (يوحنا 20/22).

 

"فلقد خوّل يسوع الرسل هذا السلطان - الذين بإمكانهم نقله – على ما فهمت الكنيسة ذلك منذ فجر وجودها – إلى خلفائهم الذين تلقّوا من الرسل أنفسهم رسالة مواصلة عملهم ومسؤولية هذا العمل العادي، بوصفهم مبشرين بالإنجيل و خَدَمة فداء المسيح

 

ب- سر التوبة هو الطريق العادي لنيل الصفح و الغفران :

 

فليس من الحماقة إذاً و حسب، بل من الاعتداد الباطل ترك أسرار النعمة والخلاص التي رسمها الرب، وإهمالها كيفياً، والادّعاء بقبول الغفران من دون اللجوء إلى السر الذي رسمه السيد المسيح "فالكلام الذي يعرب عن الحَلّة، عند منح هذا السر، و الحركات التي ترافقه يدل، في عظمته، على بساطة لها معناها:

 

 "أغفر لك"، أو "ليَغِفر لك الله" ... ووضع اليد، و إشارة الصليب المرسومة على التائب هذا كله يدل على أن هذا الأخير يتلقّى قوة الله ورحمته وفيها يُمنح ما في آلام المسيح وموته وقيامته من قوة خلاصية.

 

ج- سر التوبة والنقاط الأخرى المتداخلة فيه:

هناك نقاط أخرى في سر التوبة والمصالحة: كنوعية هذا السر ودوره وأعمال التائب... سيأتي ذكرها في العناوين اللاحقة.

ثانياً- الصعوبات التي تعترض هذا السر

 

1 - الحصول على المغفرة من الله رأساً

 

السؤال: لستُ أرى نفعاً لسر التوبة، طالما أني حاصل على الغفران من الله مباشرةً. فلماذا الإلحاح على اقتبال هذا السر؟

 

الجواب:

 

أ- نظرة تاريخية

 

إن سر التوبة وُجد في الكنيسة منذ العصور الأولى، وقد وُجدت وثيقة قديمة منذ حوالي سنة 150 في روما هي كتاب "الراعي لهرماس"… الذي يطرح السؤال على إمكانية منح سر التوبة للذين أخطأوا بعد العماد… ثم جاء ترتليانوس بأطروحته عن التوبة يرفض فيها مصالحة الخاطئ خاصة إذا ما اقترف إحدى الخطايا الثلاث: الزنى أو القتل أو الجحود. لكنه بعد موجة الاضطهاد القاسية التي حدثت في منتصف القرن الثالث من قبل الإمبراطور داسيوس (250-253)، وسقط الكثيرون في خطيئة الجحود، قام القديس قبريانوس يكتب ويدعو إلى إعادة الساقطين تحت وطأة الاضطهاد إلى حضن الكنيسة ومنحهم المصالحة. ووافقت الكنيسة على ذلك في مجمع قرطاجة عام 251، وقبلت بأن يُمنح سر التوبة مرةً واحدة في الحياة فقط.

 

إلى أن أتى الرهبان الارلنديون في منتصف القرن الخامس، وعمّموا مبدأ التوبة الشخصية الخاصة حيث يوجد الكاهن والتائب وجهاً لوجه بمعزل عن الناس، فيصغي الكاهن إلى اعتراف التائب ويفرض عليه كفّارة مناسبة غالباً ما كانت مُضنية للحصول على الندامة الكاملة… ودخل في هذا الاعتراف السري جميع أنواع الخطايا…

 

وسارت الأمور على هذا المنوال مع تطورات طفيفة إلى أن جاء مجمع اللاتران المنعقد سنة 1215 فأعطى قراراً يُلزِم كل مؤمن بعد بلوغه سن التمييز أن يعترف بخطاياه وجهاً لوجه إلى الكاهن أقلّه مرة في السنة … وأصبح عمل الاعتراف هذا سراً من أسرار الكنيسة السبعة...

 

وجاء الإصلاحيون وبالأخص مارتن لـوتر (1483-1546)، فأصدر كتابه عن "أسر بابل" عام 1520 رافضاً فيه الأسرار البيعية السبعة ومكتفياً فقط بالسرين الأساسيين العماد والافخارستيا، ومبرراً عمله هذا بأن المسيح لم يرسم بذاته سر التوبة، وبالتالي يمكن الاعتراف إلى الله مباشرة والاكتفاء بأعمال التوبة التقليدية.

 

لكن الكنيسة الكاثوليكية لا تزال على ما حددته المجامع الكبرى المسكونية، فكان رد واضح في المجمع التريدنتيني على مزاعم الإصلاحيين الذي وسَّع تعاليم مجمع اللاتران وأتت المجامع الأخرى لكي تثبِّت هذه التعاليم.

 

ب - الفحوى اللاهوتي

 

تعتبر الكنيسة أنّ الإنسان عندما يرتكب خطيئة ما ثقيلة فإنما يخَطأ ضد الله وضد الكنيسة في آن... وبالتالي ضد البشرية كلها والعالم... لذلك فهو لا يستطيع أن يُصالح نفسه بنفسه مع الله والآخرين. فسلطان "الحل والربط" (يوحنا 20/23) أعطي للرسل وخلفائهم في الكنيسة لكي يعملوا به حسب الأصول المرعية، فيصالحوا التائب باسم المسيح ويردّوه إلى الحظيرة البيعية بواسطة سر التوبة والمصالحة فيعود إليها مسترجعاً مكانته الأولى وكرامته.

 

 

2 - الاكتفاء بأعمال التوبة

 


السؤال: طالما أن هناك أعمال توبة واردة في الكتاب المقدس والتعليم الكنسي، فلماذا الاعتراف؟

 

الجواب:

 

إن أعمال التوبة هي بالواقع كثيرة وتعترف الكنيسة بقيمتها وتشجع المؤمنين عليها. نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الصوم والصلاة والصَدَقة... ولهذه الأعمال الثلاثة مفاعيل كبيرة مُعترف بها منذ القديم.

 

ونضيف إلى هذه الأعمال: - الجهود الحثيثة المبذولة من أجل مصالحة القريب والاهتمام بخلاصه. - اللجوء إلى شفاعة القديسين – ممارسة أعمال المحبة – ممارسة العدالة والحق والدفاع عنهما – الإقرار بالذنوب أمام الآخرين والتأديب الأخوي – احتمال الأوجاع والاضطهاد...

 

وما يغذي عمل التوبة المستمر أيضاً: قراءة الكتاب المقدس، وليتورجيا الساعات وكل أعمال التقوى والعبادة، والقيام بزيارات حج وبأعمال رسولية وخيرية إلخ...

 

لا يخفى ما لهذه الأعمال من فعّالية لكي تضعنا في أجواء التوبة المستمرة، كما يحصل للقديسين، الذين يمارسون هذه العمال بطريقة دائمة... ويمكن ممارسة مثل هذه الأعمال قبل الإقبال على سر التوبة أو بعده... لكن الخطيئة المميتة إذا ما اقتُرِفت فلا يمكن محوها إلا بالرجوع إلى السر المقدس وسر التوبة والمصالحة...

 


3 - الاكتفاء بسر الافخارستيا وحده "لمغفرة الخطايا"

 

 

السؤال: أنا لا أشعر بحاجة إلى الاعتراف، بل أكتفي بالمشاركة في سر الافخارستيا، ألم يقل يسوع:

 

 "خذوا واشربوا هذا هو دمي الذي يبذل لأجلكم لمغفرة الخطايا؟". (راجع متى 26/28)

 

الجواب:

 

نحن نعلم أنه في سر الافخارستيا، وخاصة في قسم التقديس، يتم للإنسان أن يُقدِّم نفسه مع المسيح المذبوح، "ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله" (روما 12/1)... يقدم ذاته كما هي مبرَّرة كانت أم خاطئة، ويحصل من ثم على نعم ذبيحة المسيح والقداسة النابعة منها... وكذلك في المناولة فإنه يتحول بنعمة هذا الزاد القدوس إلى إنسانٍ بار ساعٍ نحو الكمال، وقادر ان يشارك في تقديس الآخرين والعالم.

 

لكن قُدسية سر الافخارستيا بالذات تفترض من أجل المشاركة به، نقاوة مُسْبقه في القلب والضمير، ومحو الخطايا وخاصة المميتة منها تجاوباً مع نداء القديس بولس: "فمن أكل خبز الرب، أو شرب كأسه ولم يكن أهلاً لهما فقد أذنب إلى جسد الرب ودمه." (1قور 11/27).

 


4 - تشويه مفهوم الندامة

 

 

السؤال: كيف أستطيع أن أندم ندامة كاملة طالما عندي قناعة أني سأرجع إلى الخطيئة فيما بعد، وأنا مازلت أرتكب الخطايا نفسها؟...

 

الجواب:

 

هذه المشكلة صعبة وأساسية، إذ أن الندامة ليست مُجرّد شعور بالخجل أو بالألم أو بالكآبة أو بفداحة الأعمال المرتكبة وشناعتها، هي قبل كل شيء: رفض الخطيئة رفضاً قاطعاً.

 

وتقترن الندامة بالقصد الثابت أي بعزم التائب ألاّ يعود إلى ارتكاب الخطيئة... ولا يمكن للتائب أن يكوّن هذا القصد إن لم يتأمّل بقداسة الله ويقترب من محبته... ويفكّر من ثم بحقيقته الباطنية الخاصة التي أقلقتها الخطيئة وقلبتها، تفكير كهذا يؤجِّج فيه الحنين إلى البيت الأبوي مثل "الابن الشاطر" فيطلب التحرّر من أعماقه، ويعود إلى أبيه ويستعيد مكانته المفقودة، وفرحه العميق، فرح الخلاص. ولا ننسَ أن الندامة قبل أن تكون عملاً شخصياً محضاً، فإنها أصلاً دعوة من الروح القدس ونعمة من قِبَلِهِ.

 

وإلى الذي يقول إني لا محالة سأعود إلى الخطيئة ذاتها، نجيب: أولاً اشكر الله إلهك لأنك لم تقترف خطايا جديدة... ثم تذكّر كم من مرة ساعدتك النعمة أن لا تقع بهذه الخطيئة نفسها فانتصرتَ على تجاربها وإيحاءاتها، وإذا صدف أنك عُدْتَ إليها، أفستبقى فيها معذّباً أو بعيداً... فما أحرى من سر التوبة أن يساعدك على النهوض وبخاصة متى كانت الخطيئة "ثقيلة"...

 


5 - تشويه معنى الكفَّارة

 

 

السؤال: لست أفهم معنى الكفّارة، لأن البعض يقول إنها تشبه نوعاً من "التسعيرة" لكل من الخطايا؟

 

فما رأيكم؟...

 

الجواب:

 

الكفّارة هي الفصل الأخير الذي يتوّج العلامة السرّية للتوبة. ويُعنى بها الأعمال التكفيرية التي يفرضها الكاهن على التائب قبل أن يعطيه الحَلّة. فقد تكون الكفارة مُجرَّد صلاة يطلبها الكاهن أو أعمالاً تعويضية عن الضرر الناتج عن الخطيئة إلى ما هنالك.

 

ليست الكفارة إذاً الثمن الذي يدفعه التائب عن خطيئته، فذبيحة المسيح وحدها هي الثمن (1يوحنا 2/2)، ولكن الكفارة المُعطاة للتائب هي علامة الالتزام الشخصي ببدء حياة جديدة ، شيمتها إماتة الجسد والذات، إذ أنه تبقى بعد الحلة منطقة مظلمة عند التائب ناتجة عن الجراح التي أوجدتها الخطيئة. وهذه الأخيرة تستوجب تسليط أنوار محبة المسيح عليها بالصلاة المتحدة بصلاة الروح القدس (الذي يصلي فينا بأنّات لا توصف: روما 8/26) وبأعمال بر وصلاح تشير إلى فرح المصالحة السرية وتُغذّيه في آن.

 


6 - صعوبات نفسية

 

 

أ- الخوف من مواجهة الذات

 

هناك بعض الأشخاص الذين يخافون من مواجهة ذواتهم والدخول إلى أعماقها، كي لا يروا الظُلُمات الداخلية فيفزعون. لذلك يديرون وجوههم عنها لكي لا يروها، فيعتقدون أن المشكلة قد حُلّت.

 

ب- اللامبالاة

 

منهم من يرى الأعمال والأقوال التي اعتادها المجتمع بأنها "عادية". لا بل قد يعطيها معنى إيجابياً : "شطارة"، "بدنا نعيش"، "ليش لأ" ، "أشكر ربك نحن أحسن من غيرنا" ... و إلى ما هنالك. لذلك فهم لا يشعرون بأنهم خطئوا أو ابتعدوا عن الله. وهناك آخرون، عن طيب نية، يقولون: "ما عندي خطايا: ما سرقت ولا قتلت ولا زنيت"...

 

ج- الحياء من جراء الإقرار بالخطايا

 

وهذا هو العائق الأهم بنظرنا... لذلك منهم من يقول إنّ المسيح أوصى بالتوبة لا بالإقرار، ومنهم من يطالب بتبديل صيغة الإقرار وتخفيفها فتُصبح كما هو معمول بها في الكنائس الأرثوذكسية.

 

د- الخوف من مواجهة الكاهن

 

إما عن خوف وإما من داعي عدم كشف الذات أمام إنسان آخر؛ أو يُعتقد بأن الكاهن بعد الاعتراف، سوف ينظر لنا نظرة توحي بأننا مكشوفون أمامه؛ أو أنّ البعض يقول: "من هو هذا الكاهن الملاك والقديس لكي أعترف له بخطاياي؟...

 

الجواب: على هذه الأسباب النفسية

 

أ- الهروب من الذات

 

الهروب من الذات هو كسياسة النعامة... فإذا كانت الخطيئة مميتة، فلا ينفع الهروب منها، لأنها تبقى في الضمير أداة تأنيب واضطراب... إلاّ إذا فَسُد الضمير كلياً، فلا يبقى للمؤمن إلاّ نعمة الله الخاصة شرط أن لا يهرب منها التائب عندما تحل عليه.

 

ب- اللامبالاة

 

القسم الأول من هذه الصعوبة "شطارة... ونحن أحسن من غيرنا"، هي أشبه بالمزحة منها بالحقيقة... فهي لا تصمد أمام ارتكاب خطيئة ثقيلة.

 

أما عن القسم الثاني فإننا نقول إنّ فحص الضمير لا يمكنه أن يتجاهل مقاربة الشر والخطيئة، وهذه الأخيرة لا تكون بالفعل فقط، بل أيضاً بالفكر والقول والإهمال. (راجع متى الفصل 5/21-48: "سمعتم أنه قيل، أما أنا فأقول لكم...")

 

ج- الإقرار بالخطايا

 

أما عن صعوبة الإقرار بالخطايا، فإنها لا تخفى على أحد... فبعض الروحيين يُدخِلون المعاناة من هذه الصعوبة في المشاركة الشخصية بالتكفير عن الخطيئة...

 

لكن سر التوبة هو نوع من العمل القضائي لدى محكمة "سريّة" هي محكمة رحمة أكثر منها محكمة عدالة خارجية أو ضيقة. والمقارنة مع المحاكم البشرية هي من باب الاستعارة ليس إلا. فمنح المغفرة يتطلب معرفة ما في قلب الخاطئ ليمكن حَلُّه ومصالحته وشفاؤه... فالعلوم الإنسانية، وبخاصة تلك التي تتعاطى التحاليل النفسية، تتطلب هي أيضاً إقراراً "كاملاً" من قِبَل الشخص المُقبِل عليها للاستفادة منها.

 

وهذا الإقرار السِرّي ينتزع بالوقت عينه الخطيئة نوعاً ما من أعماق القلب الخفية ويشدّد على طابع الخطيئة الشمولي والاجتماعي، إذ أنّ هذه متى ما اقتُرِفت طالت قلب الله والكنيسة وبالتالي البشرية والكون.

 

لذلك فإن الجماعة الكنسية نفسها هي التي تستقبل، بواسطة خادم السر، الخاطئ التائب وتمنحه المغفرة باسم المسيح. وإذا صحّ ما قيل: إنّ العالم والبشرية خُلِقا من أجل الكنيسة، فإن المصالحة مع الكنيسة هي المصالحة مع البشرية والكون برُمتّه.

 

د- الخوف من الكاهن

 

- لا بُدَّ هنا من الأخذ بعين الاعتبار شخصية الكاهن: إنه شخص مُميَّز في الكنيسة. هو حامل سر الكهنوت المقدس، الذي يصيّره "أخاً روحياً ومعلماً وأباً" ،ويمنحه سلطان "الحل والربط" وهذا ليس بقليل.

 

- وبالإضافة إلى ذلك فإنه ملزم كلياً بالحفاظ على سر التائب حفاظاً تاماً...

- وإذا صحّ الاعتقاد بأن نظرته إلى المؤمن ستتغيّر بعد سماع اعترافه، فإنه (أي الكاهن) يكون عندها في حال الخطأ أو الخطيئة... وغالباً ما يكون العكس تماماً، إذ إن الكاهن عند قيامه بخدمة سر التوبة، يشعر أحياناً كثيرة بالنعمة الفاعلة في قلب التائب ووجدانه، وهذا الشعور يعوم فوق كل خطيئة يسمعها، ويُعتبر من مفاعيل النعمة الحالية المتأتية من سر الكهنوت بالذات.

ثالثاً- دور الكاهن بشكل عام

 

وبمناسبة الرد على هذه الأسباب لا بد لنا من أن نتوقف على دور الكاهن لما له من أهمية في منح هذا السر المقدس. فالتعليم المسيحي المُعطى جماعياً لا يكفي وحده... بل يجب أن تُؤمَّن ظروفٌ يلتقي بها الكاهن والمؤمن ويتبادل وإياه في شؤون حياته الإيمانية الشخصية. وسر التوبة والمصالحة يتيح لهما مناسبة فريدة يضفي عليها السر قدسية خاصة، فيتم فيها إصغاء كبير من قِبل الكاهن، وتفهّم عميق لحالة التائب، وإعطاء تعليم الكنيسة وتلقّيه بطريقة مُشخْصَنة والتشديد على الرحمة الإلهية وفرح الله والملائكة والقديسين لعودة الخاطي. ولهذا الدور، علاوة على ما ذكرنا أعلاه أوجه عديدة أهمها:

 

1- التشبه بالمسيح :

 

- إن الكاهن، خادم التوبة، مثله على المذبح حيث يحتفل بالإفخارستيا، يعمل "بشخص المسيح" ... والمسيح الذي يحضّره الكاهن والذي يتم بواسطته سر مغفرة الخطايا، يبدو:

 

- أخاً للإنسان( متى 12/49-50 ، روم 8/29)

 

- حبراً رحيماً أميناً شفوقاً ( عبرا2/17)

 

- طبيباً يشفي و يقوي ( لوقا 5/31)

 

- راعياً يسعى دائماً وراء النعجة الضالة ( لوقا 15)

 

- معلماً أوحد ... يرشد إلى سبيل الله (متى 22/17)

 

- قاضياً للأحياء و الأموات ( أعمال 10/42)

 

- حاكماً يحكم بالحق و ليس حسب الظواهر (يوحنا 8/16)

 

2- أعمال الكاهن :

 

1- الإطلاع على نقائص المؤمن و زلاته

 

2- تقدير رغبته في النهوض و ما يقتضي له من حهود .

 

3- تبيّن عمل الروح القدس في قلبه – و نقل الغفران إليه

 

4- تشجيع التائب على عدم الرجوع إلى الخطيئة

 

3- صفات الكاهن:

 

"خدمة الكاهن هذه هي أصعب خََدَماته وأكثرها دقةً وإرهاقاً وخطراً... وبالوقت نفسه هي أجملها وأدعاها إلى التعزية" . ولذلك فإن خدمته هذه تتطلب منه صفات أساسية:

 

أ‌- صفات إنسانية : كالفطنة و الرصانة و القدرة على التمييز، والحزم المُلطَّف بالعذوبة والطيبة. ونضيف عدم الحِشْرية الزائدة بالتوقّف على الأعمال المُذِلَّة...

 

ب‌- صفات علمية: لابد له من الإطلاع المتجدّد على مختلف العلوم اللاهوتية، وأن يكون ضليعاً في معرفة كلام الله معرفة حية، عميقة مستساغة للأسماع، ويجب أن ينهل من العلوم الإنسانية و منهجية الحوار بما فيه الكفاية.

 

ج‌- صفات روحية: ما يحتاج إليه الكاهن بالأَوْلى هو الحياة الروحية الناشطة الصادقة ... وأن يعطي بأفعاله البراهين عن خبرة حقيقية بالصلاة المُعاشة، وممارسة الفضائل الإنجيلية والطاعة لإرادة الله والمحبة للكنيسة والانقياد لسلطتها التعليمية، وهذه الصفات الروحية تقوده إلى أن يترك كل شيء، عندما يأتيه تائب ولا يتخلّف، عن إهمال أو لِحُججٍ أخرى، عن الموعد المضروب للمؤمنين في كرسي الاعتراف ... ويبذل المزيد من العناية لكي لا يذهب إلى هذه المهمة السِرّية بدون استعداد.

 

د‌- ميزة الكاهن الأساسية: الاعتراف الشخصي :

 

• حياة الكاهن الروحية .... تتعلق من حيث نوعيتها و حرارتها، بممارسة شخصية متواترة واعية لسر التوبة ... فإذا كان الكاهن لا يعترف أو يعترف اعترافا سيئاً فإنّ كيانه الكهنوتي وعمله يتأثران سلبياً من جراء ذلك ... ولا تلبث الجماعة التي يرعاها من أن تلاحظ هذا الأمر.

 

• خبرة الاعتراف الشخصي عند الأسقف والكاهن يجب أن تصبح حافزاً على مزاولة خدمة هذا السر المقدس، مزاولةً ناشطة مثمرة متأنية، حارة ... تجعلهما راعيين صالحين لإخوتهما ... فتنكسر شوكة الخطيئة ... ويبرز مكانها سلام وبر وفرح.

• موضوع الحوار داخل سر التوبة والمصالحة يتأثر بكل ما ذكرنا ... وهناك من الكهنة من يُغفِله بسبب قلة الوقت أحياناً ... أو عدم التهيئة لذلك أو الخوف من عدم الجدارة وفقدان المستوى الثقافي ... فالاستعداد الكافي ليس متوفراً عند جميع المُعرِّفين ... لكنه يبقى أنّ "الحلَّة" تُعوِّض عن نقص الحوار .... وتتجاوب معها قداسة الكاهن الشخصية فيشعر التائب بها و يتأثر بمفعولها المنسكب في قلبه تفهّماً وحناناً وتشفعاً وصلاة ...

الخاتمة

 

- نعود إلى كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية لكي نوجز مفاعيل سر التوبة والمصالحة ونقول إنّ في هذا السر الكنسي تتم الأمور التالية:

 

- المصالحة مع الله التي بها يستعيد التائب النعمة الإلهية، والمصالحة مع الكنيسة، ومحو العقاب الأبدي والعقوبات الزمنية... والتنعّم بالسلام والطمأنينة وراحة الضمير، وتنامي القوى الروحية في سبيل الجهاد المسيحي الروحي

 

وإلى هذا نضيف: إن الصعوبات التي تقف أمام المؤمن لقبول سر التوبة، تَجدر مجابهتها بروح المحبة المسيحية، الذي يجب أن يتحلّى بها كل مسيحي وبخاصة الكهنة خَدَمة هذا السر المقدس... وأن يكون تعاون في الكنيسة بين ذوي الاختصاصات العلمية واللاّهوتية والمشهود لهم بعمق الحياة الروحية، لكي يُرجِعوا المؤمنين إلى ينابيع القداسة بكل تفانٍ واتضاع وطول باع ومثابرة...

 

ولأجل كل ما ذكرنا في سياق هذه الرسالة، من صعوبات أنطروبولوجية وايدولوجية ولاهوتية وغيرها، فإننا نقترح التركيز على ما هو معمول به في أوساطنا، ألا وهو الاستفادة من العيدين الكبيرين، عيديْ الميلاد والفصح، (ومن سائر الأعياد) والزمن الذي يسبقها لإحياء سر التوبة في حفلات جماعية ذات أجواء خاصة ضمن مجموعات راعوية أو منظمات مختلفة مما يضع المؤمنين في أجواء تأمل وتذوق لكلمة الله ومن ثم يسهل فحص الضمير ويميل بالتائب إلى الإقرار السري وطلب الغفران وتجديد رغبة العيش مع الله.

 

وفي النهاية نوجّه الدعوة إلى أبناء الكنيسة، كهنة وعلمانيين، إلى إعادة قراءة مضامين الحياة الشخصية تحت نظر الله والاعتراف به خالقاً ومخلِّصاً بالمسيح يسوع، وطلب مساعدة الروح القدس المعزّي لكيما يتأصّل الاعتراف بالخطايا بهذا الاعتراف بالله الثالوث و يتأصّل من ثم في حياة المؤمن ويكوّن فيها محطة أساسية في حياته الشخصية وانطلاقة وثّابة في مسيرته الإيمانية.

ولا يمكننا أن نختم هذه الرسالة من دون أن نوجّه المؤمنين إلى شخص العذراء مريم "أم الرحمة والرأفة" و"ملجأ الخطأة"... ففي كنف هذه الأم الحنون نستطيع أن نفهم شناعة الخطيئة وضرورة الإسراع إلى ملاقاة المسيح المُخلِّص ونيل غفرانه الطيب عن يد الكنيسة الأم والمعلمة.

ملحق

 

التعرف على الخطيئة أيضاً وأيضاً والعلامات التي تدل عليها

 

ما ذكرنا أعلاه عن معرفة الحالة الخاطئة ومن ثم عن التعرّف إلى الخطيئة يبدو غير كافٍ بالنسبة لعقلية مُتعلْمِِنة وبخاصة عند شباب اليوم. فيأتي السؤال كالآتي:

 

هناك أوضاع مُعقَّدة وحالات صعبة، ومُناخات متلبّدة لأعمال قد نقوم بها لا يمكن التمييز فيها بسهولة والتيقن أننا خَطِئنا أم لم نَخَطأ. فهل من علامات إضافية تدل بالتأكيد على ارتكاب الخطيئة أو عدم ارتكابها؟!
للإجابة على هذا السؤال، نستعين بآراء الأب كزافييه تيفينو Xavier Thévenot ونستنتج علامات خمس:

 

1: العلامة الأولى : المخالفة :

 

• المخالفة هي تعدٍ على وصية إلهية أو مانع أدبي أو شريعة اجتماعية .... و ليس من السهل تحديد العلاقة بين المخالفة و الخطيئة .... فيمكننا القول إنّ كل خطيئة هي مخالفة، لكن ليس كل مخالفة هي خطيئة. فأحياناً المخالفة ليست إرادية .... وأحياناً يجهل الشخص وجود مانع أدبي لعمل ما، أو أنه يعتقد أن مخالفة هذا المانع لا تؤثِّر في علاقته مع الله ....

 

• و يمكن أيضاً أن يكون المانع المفروض على عمل ما أو الدافع إليه يضرُّ بإنسانية الإنسان (مثلاً تلقي الأمر بقتل الأسير) ... كأنّ الإنسان وُجد من أجل الشريعة، لا الشريعة من أجل الإنسان.

 

• وقد يحصل أخيراً، أنّ مخالفة مانع ما يسمح بالمحافظة على مانع أهم، فنجد ذواتنا أمام ما يسمى عند اللاهوتيين" بتنازع القيم: "de valeurs conflit"

 

• ولكن الوصية الوضعية، الإلهية والكنيسة، تبقى المرجع الأساسي لتقييم المخالفة، تقييماً يجب أن يكون بمؤازرة الروح القدس في جو من الصلاة والتفكير السليم، والاهتمام بالحصول على رأي المراجع الكنسية. وإلاّ أصبحت "المخالفة" دليلاً على خطيئة قائمة.

 

2- العلامة الثانية : الانحراف و الأعمال المنحرفة :

 

الانحراف هو حالة شخصية أو ميل في الكيان الداخلي يجد الإنسان من خلاله أنه في وضع أدبي لا يتطابق مع قاعدة سارية في المجتمع الذي يعيش فيه.

 

أنواع الانحراف متعدّدة، فمنهم من عنده ميل إلى إشعال الحرائق، ومنهم إلى السرقة و منهم إلى تعذيب الذات و الآخرين، ومنهم من يهوون سكب الدم أو الانتحار، أو الإدمان...

 

وللميدان العاطفي انحرافاته أيضاً كالتوْق إلى التواصل الجنسي بطرق غير طبيعية والقبوع في حالات الشذوذ المتنوعة.

 

ففي شتى أنواع الانحراف، يجب الرجوع إلى الكنيسة، فهي أم و معلمة، ولا تَني عن متابعة التطورات الحضارية لعالم اليوم وتعقّداتها ، وبصفتها "خبيرة في الإنسانية" فإنها تغرف من كنوزها "جدداً وقدماء" وترمق أولادها والعالم بنظرة حب وحنان.

 

والحال أن الكنيسة تقول: إنّ الانحراف لا يكون خطيئة بحد ذاته في كثير من الأحوال بل ميل فاسد جامح يصعب فيه تقدير المسؤولية الشخصية.... فالخطيئة هي في اقتراف الأعمال المنحرفة ... وإنّ الإنسان المنحرف يبقى شخصاً محبوباً من الله عليه أن يعمل ما بوسعه بمؤازرة النعمة ومساعدة الآخرين على التخلص من انحرافه، وإذا لم يُفلِح في ذلك فَلَه أن يتعامل مع حالته الخاصة من دون أن يُفعِّلها بأعمال منحرفة . أعمال كهذه إذا ما حصلت فإنها تعود إلى الخطيئة و تكون علامة لها ...

 

3-العلامة الثالثة : الألم و التألم :

 

* من الناس، من يعتبر أن هنالك معادلة بين الألم والخطيئة.... فإذا ما تألم أحد فلابد أن يكون قد أخطأ هو أو غيره... هذا الاعتبار رفضه يسوع في قصة الأعمى منذ مولده. فعندما سأله تلاميذه "من أخطأ هو أمْ أبواه حتى وُلِد أعمى "أجابهم" لا هو أخطأ ولا أبواه" (يوحنا 9/1-3).

 

* لكنه في الوقت نفسه نرى مقاطع كتابية تعد بالفرح والسلام والسعادة لمن يعيش حسب الفرائض الإنجيلية في اتّباعهم للمسيح ... وتَعِِد على عكس ذلك بالويلات لمن يستغلّ الآخرين، أويغتني بطريقة غير مشروعة أو يقيّم نفسه كنبي كاذب. ( لوقا 6/24) ...

 

* وفي غير موضع من الكتاب المقدس تظهر صلة بين الخطيئة وقوى الشر من ناحية، وبين حالات المرض والتعاسة والضياع من ناحية أخرى فكيف نوفّق بين هذه المعطيات الكتابية؟

 

* يوجد تمييز عند اللاهوتيين ما بين الآلام الطبيعية أو المفروضة علينا من قِبل الطبيعة، وبين الألم الأدبي الناتج عن الخطيئة . فإنه لفي طبيعة الإنسان أن يعاني من الفشل والأوجاع الجسدية والتمزقات الناجمة عن تعثُّر مشاريعه، وصولاً إلى الخوف المستمر من مجابهة الموت المحتّم ... آلامٌ كهذه لا يمكن أن تُعتبر كعواقب لخطايا شخصية، لأنها ناتجة عن طبيعة الإنسان المحدودة.

 

* بينما تنكشف لنا في المقابل مغبّة الخطيئة المؤلمة عند تعاملنا السلبي مع الآفات الطبيعية التي نعاني منها وتقودنا إلى التمرد والعصيان أو إلى الكفر والإلحاد ... أو تظهر هذه المغبة من خلال شرور إضافية ناتجة مثلاً عن استغلال الإنسان للإنسان سواء أكان هذا الاستغلال صادراً عن شخصنا بالذات، أو كنا نحن ضحيته. وحدها هذه المغبّات الأخيرة المؤلمة تشير إلى ضميرنا أننا في حالة الخطيئة .

 

4-العلامة الرابعة : مادة العمل أو محتواه

 

(راجع ما قلنا ه في القسم الأول من هذا الموضوع عن أنواع الخطيئة، وعن الخطيئة المميتة، والخطيئة العرضية)

 

5- العلامة الخامسة : وجود الندم و الشعور بالذنب:

 

- بعض المسيحيين يقولون : أنا لا أشعر بالندم، "إذاً أنا لم أفعل شراً" والبعض الآخر : أنا أشعر بندم كبير "فخطيئتي إذاً عظيمة"

- لكنه ما يحصل غالباً هو أن قلة الشعور بالذنب أو تزايدها لا يتوافقان تماماً مع جسامة الخطيئة المرتكبة فإذا كان لابد للخاطئ أن يشعر بالندم ، فإنه لا يمكن أن يقيّم حالته الخاطئة ارتكازاً على هذا الشعور وحده ورغم ذلك يبقى الندم (ومن ثم الشعور بالذنب) منبهاً مهماً إلى وجود الخطيئة .

 

المصادر والمختصرات

 

 

1) – البابا بيوس الثاني عشر: رسالة مذاعة إلى المؤتمر الوطني بشأن التعليم المسيحي في الولايات المتحدة الأميركية. بوسطن 26/10/1946.

 

2) – البابا يوحنا بولس الثاني: إرشاد رسولي بشأن المصالحة والتوبة في رسالة كنيسة اليوم.
2/12/1984- منشورات اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام.

 

3) – البابا يوحنا بولس الثاني: تبشير 17 آذار 1982.

 

4) – البابا يوحنا بولس الثاني: خطاب للشبيبة في ملعب جرلان - ليون – فرنسا في 6/10/1986.

 

5) – التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية: منشورات المطبعة البولسية – جونيه – لبنان 1999.

 

6) – الأب جوزف طوبجي: "سر المصالحة ذلك المنسي" مقال في نشرة أبرشية حلب المارونية لعام 2000-2001.

 

7) – رسالة مجمع العقيدة والإيمان حول راعوية الأشخاص المثليين – حاضرة الفاتيكان 1986.

 

8) – القديس توما الأكويني: المجموعة اللاهوتية – الترجمة العربية.

 

9) – كتاب الإيمان الكاثوليكي: Dentzinger, la foi Catholique .

 

10) – المجمع الفاتيكاني الثاني: قرار في خدمة الكهنة وحياتهم.

11) – لآسور اليزابيت: مفكرة يومية وخواطر، باريس 1918


 




عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +