Skip to Content

مقالة سر التوبة - الأب منير سقّال


 

سر التوبة

Click to view full size image

 

الأب منير سقّال


 

مقدمـة

 

" يعلّم الكهنة المؤمنين أن يقدموا الذبيح الإلهي لله الآب في ذبيحة القداس وأن يقدموا معه حياتهم ، يدربونهم بروح المسيح الراعي على أن يضعوا خطاياهم بقلب منسحق ، تحت سلطان سر التوبة ، لكي يتوبوا ، أكثر فأكثر ، ويوماً بعد يوم ، إلى الرب ، متذكرين كلامه : توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات ( متى 4/17 ) . " ( المجمع الفاتيكاني الثاني ح ك خ 5 )

 

التوبة هي السر الذي فيه الكنيسة ، بكلمة الكاهن المطلقة وبسلطان المسيح المطلق ، تمحو في الخاطئ التائب جرم الخطايا التي ارتكبها بعد العماد . وسر التوبة هو أحد أسرار الكنيسة السبعة ، وهو كالعماد ضروري للخلاص كوسيلة لجميع الذين خطئوا خطايا ثقيلة بعد العماد . تغفر الخطايا بقوة موت المسيح وقيامته . سر التوبة هو إذاً عمل خلاصي تقوم به الكنيسة التي أسسها المسيح ، به تدعو الإنسان الخاطئ . البعيد والخارج من الشركة في سر الكنيسة الخلاصي ، إلى الانفتاح على سر يسوع المسيح ، ابن الله المتجسد ، المائت والقائم من القبر ، فيسلم ذاته لحكم الله الذي يقدم له نعمة الغفران والمصالحة من خلال إعادة إدخال الكنيسة له في شركتها .

 

غاية هذا الحديث هي محاولة لرسم ملامح جديدة لممارسة متجددة لهذا السر ، إذ كثير من المؤمنين ابتعدوا عن هذا السر لأنهم لا يرون فيه بعد عملاً جدياً للخلاص . من هنا الدعوات الملحة لتجديد ممارسة هذا السر بعد أن أوصى المجمع الفاتيكاني بهذا الأمر إذ قال : " يجب إعادة النظر في رتب سر التوبة وصيغه بحيث تعبّر بطريقة أوضح عن طبيعة هذا السر ومفعوله " ( دستور في الليتورجيا عدد 73 ) .

 

التوبة شرط للدخول في ملكوت الله

 

" جاء يسوع إلى الجليل يعلن بشارة ملكوت الله فيقول : تمّ الزمان واقترب ملكوت الله فتوبوا وآمنوا بالبشارة " ( مر 1/ 14 – 15 ) . التوبة تلك التي دعا إليها يسوع في الإنجيل ، مفتتحاً تبشيره العلني للناس ، لها أبعاد سامية أكثر شمولاً وعمقاً مصدرها من منطلق تأنس الكلمة ابن الله . فالمسيح هو الخاطئ الأكبر ، بوصفه ممثلاً البشرية جمعاء ، آدم أول البشر ، الواقع تحت اللعنة والمطرود من الفردوس ، وصرح بولس بأبلغ عبارة إذ قال : إن الذي لم يعرف خطيئة جعله خطيئة من أجلنا ( 2 كور 5/21 ) . ولقد تحمل بجسده ونفسه كل نتائج الخطيئة حتى الموت . وبالتالي ، المسيح هو التائب الحقيقي عن آدم وذريته ، هو آدم الجديد ، فإنه بطاعته الكاملة لأبيه السماوي أعاد ، في شخصه ، الإنسانية إلى الله ، صالح الإنسان بنفسه مع أبيه ، بل وحده به ، " الكل من الله الذي صالحنا مع نفسه بالمسيح " ( 2 كور 5/18 ). إن انتصار يسوع على الخطيئة والشر وبسطه لسيادة الله على البشر والكون ، يعطي الإنسان الإمكانية ليتجاوب مع الدعوة إلى الدخول في الملكوت بالانتصار معه على الخطيئة والشر .

 

الخطيئة خروج عن محبة الله

 

ننطلق من الأساس : الله محبة ، إذاً خلق الله عن محبة ، ولقد خلق الإنسان سيداً على الكون على صورته ومثاله عاقلاً وحراً مثله ليقدر على التجاوب مع حبه ، ولكي يعقد معه علاقة اتحاد ، عهداً ، بكلمة . ولكي يحول الكون ملكاً لهذا الحب ، وهذا ما يدعوه الكتاب المقدس : حب الله . ولكن الإنسان لم يستطيع أن يبقى أميناً لهذا الحب ، فبدلاً من ذلك تحول إلى الكون وإنشغف به ، مبتعداً معه الكون كله . لذا خرج الإنسان من إطار حب الله له ووقع في عبودية الخطيئة . الخطيئة هي إذاً رفض الحب العجيب الذي يكنه لنا الله في الوحي ، الرفض أو على الأقل الفشل الجزئي والمؤقت لدعوتنا الإلهية . الخطيئة هي ألا تكون قلوبنا وسيرتنا على مستوى مصيرنا . هي ألاّ يكون لنا قلب ابن ، قلب إله . من هنا كل مسيحي خاطئ ، لأنه ، مهما بلغ من القداسة يبقى بعيداً عن هذا الحب الإلهي الذي أحبنا به وظهر لنا في يسوع المسيح . فكل معمّد تقي ، يحثه إيمانه إلى مسيرة ارتداد لا تنتهي أبداً في هذه الحياة : " حب المسيح يحرقنا " ( 2 كور 5/14 ) . ونقيض هذا الضمير الحساس : انفصال الإنسان عن الله . انفصال الزوج الزاني والابن الضال الذي يصفق الباب ويمضي . الخاطئ ، في عمق كيانه ، لم يعد " شريكاً في الحياة الإلهية ، لأنه اختار أن يقطع علاقة العهد مع الله . مأساة العلاقة ، تحط الخطيئة الإنسان عن كرامته ، تنزع منه حياة الله ، ابن النور انحط فصار ابن الظلام .

 

الله حنان

 

هذه العلاقة الحياتية بالله لا يقدر الخاطئ أن يسترجعها ، تماماً كما لا يقدر الغصن المقطوع أن يعود من ذاته إلى الشجرة فأصبح في حالة من الشفاء لا تشفى … لكن الله حنان ، يحب الخطأة ، يحب أعداءه ، يغفر سبعين مرة سبع مرات … قبل أن يرجع الابن الضال ، كان أبوه قد غفر له ، ذلك أنه كان دائماً محبوباً . الخروف الضال محبوب ، حتى وقت ضياعه وبسبب ضياعه . الله هو الحب غير المشروط ، إنه يحب وإن لم نحبه ، هذه هي المجانية " النعمة " ، أكثر من ذلك ، انه يحب لأنه ليس محبوباً ، هذه هي الرأفة ، إذ لا شقاء أكبر من الامتناع عن حب الله . هو لا يتغير في حبه أبداً ، هو دائماً كلي الحب ، دائماً كلي الغفران ، حتى نحو الخاطئ العنيد . الإنسان هو الذي يتغير في حريته المتقلبة ، فيتم الانفصال ، بينما الله لا يقطع حبه أبداً ، هو مستعد أبداً للغفران وللتفهم وللاستقبال ، بمقدور الخاطئ أن يستفيد كل وقت من حب الله غير المشروط . للمغفرة يكفي وجود شخص واحد ، أما المصالحة ، فيجب أن يكون هناك شخصان . حرية الخاطئ الضعيفة في الحب تحولت إلى رفض مميت ومتعمد لحب الله . فإن قبل أن يفتحها لقبول الغفران ، جاءت المصالحة مباشرة " بينما كان الابن الضال بعيداً ، رآه أبوه فتحنن عليه وتقدم منه وألقى بيديه على عنقه وقبّله " ( لو 15/20 ) .

 

مصالحة مع الله

 

من قبل الله ، بما أن الغفران دائم ، فالمصالحة جاهزة أبداً للإنسان ، يقدمها لنا الله في المسيح يسوع ، ربنا : " كل شيء يأتي من الله الذي صالحنا معه المسيح واسند إلينا – نحن الرسل – خدمة المصالحة . فنحن سفراء المسيح وكأن الله يعظ بألسنتنا . فنسألكم باسم المسيح أن تصالحوا الله . ذلك الذي لم يعرف الخطيئة جعله الله خطيئة من أجلنا كيما نصير له براً لله " ( كول 5/14 – 21 ) .أي أن نشترك بقداسة الله . هذا الاشتراك يفرض على الإنسان تغييراً كاملاً يشمل جميع نواحي حياته . هذا التغيير هو حتمي يفرضه القرار الذي يتخذه الإنسان تجاه عمل المسيح الخلاصي . يتغير من إنسان ساقط ، بعيد عن الله إلى إنسان متجرد متحد به . هذا التغيير يتم بالسعي للسمو إلى " ملء قامة المسيح " . هذا هو عمل التوبة الناتج عن المصالحة مع الله التي أتمها المسيح ابن الله المتجسد .

 

مصالحة مع اخوتنا

 

لكن كيف نتصالح مع الله إن لم نتصالح مع سائر بنيه ؟ كيف نعود إلى البيت دون أن نقبّل سائر اخوتنا وأخواتنا؟ " اطلعنا الله على سر مشيئته ، أي ذلك التدبير الذي ارتضى قضاءه في المسيح ، ليحققه عندما تتم الأزمنة فيجمع في المسيح كل شيء … فهو سلامنا وقد جعل من الجماعتين جماعة واحدة وهدم بجسده الحاجز الذي يفصل بينهما أي العداوة … إرادة الله أن يخلق من شخصه إنساناً جديداً ويصلح بينهما وبين الله . وقد قضى على العداوة بصليبه ، وجاء يبشركم بالسلام … لأن لنا به سبيلاً إلى الله في روح واحد " ( أفسس 1/9 – 10 ، 2/14 – 18 ) . ففي الوقت عينه ، التوبة سر الإنسانية المتصالحة . ليس فقط " تسوّت " بل " تصالحت " . ليس تصميم الله الأزلي فقط وحدة البشر في الأخوّة وتجمّع الاخوة في المحبة ، بل هدم الحواجز واتحاد الأعداء والاتفاق الأخوي بين أناس فرّقت بينهم شريعة الغريزة ، فجعلتهم يقاومون الله ، ويترصد بعضهم بعضاً ومزّقتهم في الأعماق . تصميم الله هو " السلام " ، هذه الأعجوبة التي تضع حداً لحالة الحرب . " سلام المسيح " يضع حداً للانفصال المثلث – مع الله والقريب والذات – الذي هو الخطيئة . فالمسيح ليس فقط " ضحية تكفير عن خطايانا " ( 1 يو 2/2 ، 4/10 ) ، بل هو يعيد خلقنا من نسيج حب وغفران : " إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة . لقد زال كل قديم ، وها كل شيء جديد " ( 2 كور 5/17 ) . وبالتالي فمحبتنا لأخينا الإنسان هي من محبتنا لله ، وبغضنا للإنسان هو بغض لله المتأنس في ذلك الإنسان . وكل لقاء مع القريب هو لقاء مع الله ، وما يعمل للقريب يعود لله مباشرة " كل ما فعلتموه بأحد اخوتي هؤلاء فبي فعلتموه " ( متى 25/40 ) .

 

فلا مصالحة مع الله قبل أن يسبقها مصالحة مع القريب ، ولا محبة فينا لله إذا ملأ الحقد قلبنا ، ولا قربى إلى الله أبينا السماوي ، إذا أبعدنا القريب من حياتنا ومعاملتنا ، وقاطعناه . " إن لم تغفروا للناس زلاتهم فأبوكم أيضاً لا يغفر لكم " ( متى 6/15 ) ، وقد جعلها السيد المسيح في صُلب الصلاة الربية " أغفر لنا خطايانا ، كما نغفر لمن أساء إلينا " ( متى 15/12 ) .

 

في سر التوبة ، سر المصالحة : يستقبل الله الآب ولده التائب العائد إليه ، يحمل المسيح الخروف الضال على كتفيه ويعود به إلى الحظيرة . والروح القدس يعيد تقديس هيكل الله ويسكن فيه بغناه . هذه العودة إلى الله تظهر أخيراً في مشاركة مجددة وتقوية في مائدة الرب ، وهذا فرح عظيم في وليمة الكنيسة أن يعود الابن من بعيد . " الابن العائد من بعيد " ، " الخروف الضال " ، الهيكل المقدس من جديد " ، هذه العبارات لا ذكر فيها للروتين الممل ، لا يمكن أن تكون " المصالحة " أمراً عادياً صغيراً ، إنها " حدث " .

 

عطية يسوع الفصحية

 

لقد أعطى يسوع دمه " دم المصالحة المهراق عن كثيرين لمغفرة الخطايا " ( متى 26/28 ) ‎، وبعد القيامة كانت الرسالة " السلام لكم ، كما أرسلني أبي ، كذلك أنا أرسلكم ، خذوا الروح القدس . من غفرتم خطاياه غفرت له ، من ربطتموه عليه ، ربطت عليه " ( يو 20/ 19 – 23 ) . ها هو المسيح في ذروة رسالته وقد " ثبت أنه ابن الله في القدرة ، بقيامته " ( روم 1/4 ) ، إنه يجمع ، كما في يديه ، أهم ما في هذه الرسالة التي أخذها من الآب لينقلها إلى الرسل ، إلى الكهنة . ما هي هذه الرسالة ؟ مغفرة الخطايا . فعطية المسيح الفصحية للكنيسة وللعالم هي مغفرة الخطايا . نرى هنا المخلص يؤسس سر التوبة وسلطان الحل الإلهي . بالإضافة إلى ذلك ، يؤسس الكنيسة كمكان وسلطة ووسيلة لمغفرة الخطايا .

 

مصالحة مع الله بواسطة الكنيسة

 

إن اسرار التنشئة ، أي المعمودية والميرون والافخارستيا ، تكوّن إنساناً مخلصاً ومؤلهاً من خلال إشراكه في سر تجسد وموت وقيامة يسوع المسيح . لكن الإنسان مهدد دائماً ، كما آدم عند خروجه من يد الله ، بالابتعاد عن الله بالخطيئة التي تشوه صورة الله من جديد وتفقده بنوته له ، أي ترجع به إلى الهلاك التي كان عليها وتضعه خارج جماعة المؤمنين التي في داخلها يتم العمل الخلاصي . في هذه الحال ، يتحتم على المؤمن الخاطئ أن يقوم بعمل مصالحة جديدة مع الله ، ترجعه إلى الحالة التي كان عليها يوم خرج من جرن المعمودية ومن مسح الزيت ، زيت الميرون ، فيموت من جديد مع المسيح عن الخطيئة ليقوم معه مصالحاً مع الله . علامة هذه المصالحة هي قبوله في جماعة المؤمنين التي في حضنها فقط يمكن للمؤمن الاشتراك بسر موت المسيح وقيامته . فمصالحة المؤمن الخاطئ مع الله عمل يقوم به الخاطئ بالتضامن مع جماعة المؤمنين ، يقر هو بخطيئته أمام الله وأمام الكنيسة ، نادماً عليها ، طالباً من الكنيسة أن ترجعه إلى الله وتصالحه معه . تقبله الكنيسة وتشركه من جديد في سر موت المسيح عن الخطيئة وانتصاره عليها بقيامته .

 

المصالحة حدث

 

من المؤسف أن نكون ، مهما كانت أساسية الحلة السرية ، قد قصرنا تدريجياً " مغفرة الخطايا " على سر التوبة ، وسر التوبة على الاعتراف أي الإقرار ، كما قصرنا الجماعة على الكاهن . يجب أن يكون السر حدثاً بالنسبة إلى الكاهن والتائب ، كما هي الحال في الإنجيل . المصالحة حدث . فالمسيح صالح لاوي العشار وزكا كبير العشارين والخاطئة المشهورة ، يقول المجمع الفاتيكاني الثاني : " احتفال مشترك ومشاركة فعّالة من قبل المؤمنين يجب أن يحلا ، كلما أمكن محل الحفلة الفردية والشبه شخصية . هذا ينطبق بنوع خاص … على توزيع الأسرار " نجد هنا المصالحة ، الحدث الجماعي الذي يعرضه علينا الإنجيل دائماً :

 

قصة مخلّع كفرناحوم :" مغفورة لك خطاياك " ( لو5/17 ، مر2 ، متى 9 ) . لا أثر لأي حوار حميم : وكان الجمهور غفيراً بحيث لم يكن هناك محل أمام الباب " ( مر2/2 ) . هذا الرجل تحمله جماعة . إيمان هذه الجماعة ، حمل يسوع على إعلان المغفرة : الإنجيليون الثلاثة يذكرون الحدث باتفاق وهم يعنون ما يقولون : فلما رأى يسوع إيمانهم قال للمخلّع : " مغفورة لك خطاياك " ، هنا يعلن يسوع سلطانه السامي . لولا الجماعة ، لما حدث شيء .

 

المرأة الزانية : " اذهبي ولا تعودي تخطئين " ( يو 8/1 – 11 ) . هذا أفضل نص للتوبة الجماعية ، إذ يشرك الجماعة . في هذا الحشد ، الجميع خطأة ما عدا يسوع . امرأة واحدة تعي خطيئتها ، هي الزانية . كلمة يسوع العلنية ستغيّر كل القلوب وتحمل علنا على اعتراف ومغفرة للجميع .

 

الخاطئة في بيت سمعان ( لو 7/36 ) وقارورة الطيب : إنه احتفال علني بمصالحتها مع يسوع ومع سمعان ومع الحضور . وتفجر غفران الرب علناً أيضاً . كما في حالة المرأة الزانية ، كل الأفكار ، وكل أفكار الحضور ارتدت، أعاد الرب الاعتبار إلى هذه المرأة أمام الجميع بينما الفريسي وجميع من معه لم يسمع كلامه . ارتدت الأفكار لأن الجمهور محتشد ويسوع في وسطهم يلفظ كلمته .

 

الاعتراف

 

 ولكن ما يحل بالاعتراف والكتمان الذي يرافقه حتى في أوقات التوبة العلنية ؟ كثيرون من المسيحيين يقولون : المهم في السر هو الإقرار . إذ يجب أن يتألم الخاطئ لذكر خطاياه . كلا . أن هذا إلا من قبيل المازوشية . فالغفران هو غير هذا . الغفران نشعر به أمام شخص نحبه والمحب لا يطرح عليك أسئلة ، حبه يحمله على البوح . هناك لطف غريب وكتمان غريب في موقف المسيح حيال الخاطئ . فإن كان زكا رغب في تغيير حياته ، فلأن المسيح جاء إليه من دون أن نسأله شيئاً . المجدلية ارتمت على قدمي يسوع الذي لم يطلب منها أكثر من ذلك . فهو يعرف معنى هذا العمل . السامرية تكلمت على حياتها بكل حرية من دون أن تحملها على ذلك أسئلة دقيقة . لم يكن المسيح يعرّف أحداً : الزانية والخاطئة والسامرية والمجدلية واللص وبطرس … لم يعترفوا بشيء وقد غفر لهم . لو كان يسوع في كرسي الاعتراف لما طرح أسئلة ولكان يكفيه أن نبين له معاناتنا ليغفر لنا قبل أن نفوه بكلمة . أجل . لو كان يسوع في كرسي الاعتراف ، لما طرح أسئلة . إلا إذا أجاب إلى طلب أو إذا لزم مساعدة شخص يفتش عن الكلام . أجل " فالشخص الذي يحبك لا يطرح أسئلة " كذلك المسيح في الإنجيل لا يطرح أسئلة ، لا يجبر أحداً على ذكر خطاياه ، لا له ولا لرسله ولا لخلفائهم . عندما يحثهم القديس يعقوب ( 5/16 ) " اعترفوا بخطاياكم بعضكم لبعض " فهو يتحدث عن تواضع جماعي . وعندما يقول القديس يوحنا ( 1 يو 1/9 ) : " إذا اعترفنا بخطايانا " فهو يعني : إذا أقررنا أننا خطأة أمام الله " محبة المسيح هي التي تحملنا على بوح " حر . لكننا نرى أن جميع الذين تحملهم محبة المسيح على معرفة ذواتهم خطأة وعلى التوبة ، جميع هؤلاء يقرّون بخطاياهم عفوياً . هذا الإقرار عبّر عنه زكا بالكلام ( لو 19/8 ) وكذلك اللص ( 23/41 ) ، عبّرت عنه المجدلية بالحركات ( 7/36 ) ، والزانية بالقبول والصمت ( يو 8/ 9 – 11 ) وكذلك السامرية وبطرس بصمته المتألم ( 21/17 ) . من هنا ينطلق الاعتراف السري : اعتراف شخصي لا يمارسه زكا على طريقة الزانية أو اللص ، لكنه اعتراف حر . هو حاجة حررها الحب : إذ الغفران يسبق دائماً الاعتراف . في كل مناسبة ، يبين المسيح انه " لم يأت ليدين العالم بل ليخلص العالم " ( يو 3/17 ، 12/47) فهو ليس قاضي تحقيق .

 

" الاعتراف " يعني أن الخاطئ يقر بمسؤوليته أمام الله (1يو 1/ 8 – 10 ) وأمام أخوته (يعقوب 5/16) ويأخذ الاحتياطات الضرورية للارتداد . في الاعتراف يعيش الخاطئ مصالحة كنسية ، عربون وعلامة المغفرة الإلهية . هذا ما سموه " سر التوبة " أو " سر المصالحة " . مصالحة مع الجماعة التي هي رمز وعربون للمصالحة مع الله . وما بقي ثابتاً في سر التوبة وسط كل التحولات التي مرت عليه في الزمن ، هو التأكيد على غفران الله ، وإن الله غفر مسبقاً وإنه لم يبق على التائب إلا أن يقبل هذا الغفران إذ يعود إلى الله بانسحاق قلب . عندئذٍ تكون المصالحة . وتأتي الحلة إعلان غفران الله . الله الذي يعرض علينا غفرانه دائماً . والعلامة أن القلب ارتد لقبول هذا الغفران هي في الموت عينه انفتاح القلب للاخوة في الكنيسة " من أحب الله أحب أخاه أيضاً " ( 1 يو 4/21 ) ، أغفر لنا كما نحن نغفر .

 

هل نستنتج من هذا كله وجوب إلغاء الاعتراف الفردي ؟ حاشا . إذ نكون قد محونا كنزاً عظيماً ومتيناً يتناقض مع نية الكنيسة الصريحة . فهي تقترح ممارسة الحلة الفردية والمصالحة الجماعية على التوالي . إذ يجب أن نجد : الجماعة . فالاحتفال الجماعي يشدد على أن غفران خطايانا يتضمن المصالحة مع الكنيسة بكاملها ، وعلى أن الكنيسة كلها تمنح الغفران للتائبين بواسطة خدمة الكهنة . قال المسيح لسمعان بن يونا واعداً : : سأعطيك مفاتيح السماوات . فكل ما تربطه يكون مربوطاً … " ( متى 16/19 ) ، ثم جدد هذا الوعد لجميع الرسل في مساء أحد القيامة : " خذوا الروح القدس ، فمن غفرتم خطاياهم غفرت لهم ، ومن أمسكتم خطاياهم أمسكت " ( يو 20/ 22 – 23 )

 




عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +