3- المصباح الرهباني ? الباب الثالث: في الفقر
المصباح الرهباني
الباب الثالث: في الفقر
الفقر هو الإماتة عن الإقتناء بالفعل والعزم. وهو مرتب على قوله تعالى: إن شئت أن تكون كاملاً بع ما لك وأعطه للمساكين واحمل صليبك واتبعني. فقوله” بع ما لك وأعطه للمساكين”، أي كن فقيراً. ولهذا حصل الفقر واحداً من ذاتيات الكمال. ومن يخالفه يخطئ ضدّ نذر الكمال، وبعض الأحيان، يخطئ أيضاً ضدّ الوصية القائلة لا تسرق، كما يجيء شرح ذلك في الفرائض الآتي ذكرها. وهذا الفقر هو في ذاته صنفان: جسداني وروحاني. فالجسداني، هو الإماتة عن الإقتناء بالفعل العملي؛ والروحاني، هو الإماتة عن الإقتناء بالعزم السري. والصنفان معاً، هما الفقر الحقيقي الواحد في ذاته، المنقسم في صفاته إلى ثلاث درجات:
- الدرجة الأولى هي الإماتة عن الإقتنتاء بتعب.
- الدرجة الثانية هي الإماتة عن الإقتناء بقليل من التعب.
- الدرجة الثالث هي الإماتة عن الإقتناء من غير تعب؛
- ولنتكلم في واحدة فواحدة منها. فأولاً:
- الدرجة الأولى
- الإماتة عن الإقتناء بتعب
- فالإماتة عن الإقتناء هي عملان: الأول هجر القنية، والثاني الزهد فيها. ولنتكلم أولاً في:
- هجر القنية:
- إعلم أن هجر القنية هو الخروج عن ملك كل شيء نملكه، أو يمكن أن نملكه، من مال وأمتعة لهذا العالم، حتى الكسوة التي نلبسها، والمسبحة التي نصلي فيها. ومن ترك مقتناه وأبقى لذاته شيئاً منه، ولو قليلاً، فهذا لا يصح عليه القول أنه هجر القنية، كما جاء عن واحد من الدولة الرومانية ترهّب وترك كل شيء له، لكن ليس بالتمام، بل أبقى له شيئاً قليلاً. فكاتبه القديس باسيليوس بهذا قائلاً: يا هذا رتبتك أضعتها وراهباً ما صرت. أي لأنك تقتني أشياء ولم تطرحها جميعها بالتمام، فبعد أنت عالمي، وما دخلت الرهبنة أصلاً.
- وجملة الكلام، ما لم يقل الراهب مع بطرس الرسول: هوذا قد تركنا كل شيء، فغير ممكن أن يُطلق عليه إسم الراهب أو الفقير الفقر المقدس الإختياري. فهذا هو العمل الأول من معنى الإماتة عن الإقتناء.
- العمل الثاني- الزهد في القنية:
- أما عملها الثاني الذي هو الزهد في القنية، فهو أن لا يكون في قلبنا محبة نحو شيء من الأشياء البتة، لأن لفظ الزهد معناه ضدّ الرغبة. والزاهد في الأشياء هو العديم التأسف عليها. ومن كان متأسفاً على الأشياء وغير زاهد فهو ليس براهب ولا فقير، بل ناكر الرهبنة ومضاد الفقر. وفي هذا المعنى يقول أبونا أنطونيوس: ما دمنا مصطلحين مع هذه الهيولانيات، فنحن أعداء الله. أي نخطئ ضد الفقر، كما يقول أيضاً القديس إسحق: لا تظن يا صاح أن إقتناء الذهب والفضة، هو فقط، حب القنيان، بل وكلّ ما تعلّقت به إرادتك. أي إن كنت لا تقتني شيئاً البتة، لكنك تحب شيئاً، فأنت تقتني ولست بفقير، لأن وجود الفقر الإختياري والإماتة عن الإقتناء ليس هو فقط أن لا نقتني شيئاً، بل وأن لا يكون لنا الميل نحو شيء.
- وقد أعلن لنا الله صحة ذلك من هذا الخبر، وهو أن أحد النساك المتوحدين، فيما كان يفكر، بعض الأيام، في ذاته، بأنه كامل الفقر، من قبل أن لم يكن له سوى حصيرة وكوز الماء أتاه صوت من السماء يقول له: إن البابا بروميه هو أفقر منك. فإنذهل الراهب لمعنى الكلمة وأخذ يفكر كيف أنّ بابا روميه، الذي هكذا عظيم غناه، هو أفقر مني، ونهض لوقته يصلي ويطلب من الله أن يفهمه معنى الكلمة. فأتاه ملاك الرب وقال له: إعلم أنّ البابا ليس عنده محبة لملكه كله بقدر محبتك هذا القط الذي عندك. ولذلك حصل هو أفقر منك، وحصلت أنت أنقص منه بفضيلة الفقر.
- تأمل يا راهب كم هو ضروري الزهد وعدم الميل نحو الأشياء الحسية لأجل كمال الفقر المقدس.
- إذاً قد صح ما قلناه أن الفقر، أي الإماتة عن الإقتناء، هي هجر الأشياء والزهد فيها. وهذه الفضيلة، إذا كان صاحبها مبتدئاً أي في الدرجة الأولى، فيكون في التعب والجهاد، أي يتعب عند مفارقة الأشياء وقطع ميله نحوها، لأن التعب في الفقر هو المجاهدة في إماتة الميل، والحس المتوجع عند فقد الأشياء. وقولنا متوجع عند فقدها، لا أنك تتباطأ في الخروج عن الشيء، متى طلبه منك الرئيس أو صاحب الوظيفة، أو تماحك أو تتوسل بأن لا يؤخذ الشيء منك، لأن التباطؤ الذي هذه صفته، هو إنغلاب وتنازل لمحبة الأشياء، وفاعله لا يعد من الداخلين خدر الفقر الإنجيلي المقدس، بل من القائمين خارجاً. وإنما كلامنا في المتوجعين، عند فقد الأشياء، الذين متى طلب منهم الرئيس أو صاحب الوظيفة، الشيء، يدفعونه له حالاً من غير تباطؤ البتة، ويتوجعون في حين دفعهم ذلك. فهذا التوجع هو الدليل على نقص الإماتة وعدم كمال الفقر. وفيه يقول القديس السلّمي: من ظن في ذاته أنه قد عدم التأسف على الأشياء ويغتم قلبه على فقدها، فقد خدع ذاته، أي غلط وأعتد بذاته وإفتخر باطلاً، من حيث أن سقمه بألم محبة الإقتناء، حي هو ويتوهمه ميتاً، والدليل على أنه ليس بميت فهو لأنه يجذب ويحارب ويوجع القلب.
- فإن سألت: وما الفرق بين هذا المنغلب المنقسم بمحبة الأشياء؟ أجبتك: إن المنقسم ينغلب ويتنازل لمحبة الأشياء بالفعل أو بالفكر، أي يقتني ظاهراً أو مضمراً، ويتباطأ في دفع الشيء حين ينطلب منه ويماحك لأجله. أما صاحب هذه الدرجة فلا ينغلب ولا يتنازل، بل يصارع. أي كلما تحرك فيه فكر ألم محبة الأشياء يدفعه كمدافعته فكر الزناء، ما عدا أنه يتوجع بحس الأسف على الشيء المفقود، لعدم إمتلاكه كمال الزهد. فلهذا لا يقايس وجعه بوجع العديم الزهد، بل يتميز تمييزاً حقيقياً.
- والمثل فيما قلناه، هو تلاميذ الرب، لأنهم، كما قال الإنجيل المقدس، قد تأسفوا على فرغ الطيب على رأس السيّد، بوهمهم أنه تلف. لكنّ أسفهم لم يكن في الكل متساوياً. لأنّ يهوذا المسلم تأسف من قلب منغلب لمحبة الأشياء، أما بقية التلاميذ فكانوا غير متنازلين لمحبة الأشياء وللميل إلى الإقتناء ولم يكن تأسفهم على الطيب إلاّ لعدم كمالهم في التزهد فقط.
- وهكذا هم كل المبتدئين بفضيلة الفقر المقدس. يحسون بهذا الأسف على الأشياء ويصارعونه، بغرض أنهم يميتونه بالتمام. وهذا الصراع، فمتعب جداً وفيه إبتدأ أبونا أنطونيوس، في أول خروجه في بيت أبيه وأخذه الثلاث خبزات ثم عاد إفتكر وطرحهم من يده، بمنزلة من يصارع حساً يضاده من داخله، وقصد القديس قهره بالتمام ومثل ذلك صنع كثير من الآباء. عندما كانوا يرون ذاتهم راغبين شيئاً، كانوا يطرحونه حالاً ليقهروا المحبة الألمية المسببة لهم الوجع. وقد أخبرنا القديس السلّمي عن رئيس دير التوبة، أنه كان متى رأى أحداً من رهبانه له مشيئة وميل نحو شيء، كان يعدمه إياه، حتى صار الرهبان يحترسون من أن يظهرون الميل نحو شيء البتة. ولم يفعل الآباء هذا إلاّ لعلمهم أنّ الميل نحو الأشياء يخترع التوجع على فقدها، والتوجع يتلف الزهد تلفاً تاماً، كما نبه على ذلك القديس السلّمي حيث قال: أنه ردي هو الإشفاق والتأسف على الأشياء التي تخصنا والغريبة منا، لإقتداره أن يجتذبنا إلى العالم قليلاً قليلاً، وأن يطفئ بالكلية ويبرد نار خشوعنا.
- وقد جاء في البستان عن أحد الآباء، سكان الأسقيط، أنه صنع خبزاً يكفيه لحاجة السنة، وبسطه في الشمس، كعادة أهل الأسقيط. ومن قبل أن يبس جيداً، رأى هناك شيئاً لا يوافق. فقال لتلاميذه: قوموا بنا ننطلق من هذا المكان. فحزن التلاميذ لأجل تركهم الخبز. فقال لهم الشيخ: أتحزنون لأجل الخبز؟ حقاً أقول لكم يا أولادي، أني رأيت رهباناً تركوا قلاليهم نظيفة مكنسة وطاقاتها مملوءة كتباً مقدسة قديمة، وتركوها والأبواب مفتوحة، لم يغلقوها، وانصرفوا. إنتهى الخبر.
- ومن مضمونه نفهم أنّ الآباء ينهون عن التوجع على فقد الأشياء وإنّ المتوجعين هم غير كاملين بالفقر المقدس. ولذلك لا بد من أن يكونوا في حال الصراع مع هذا الوجع المذموم، بغرض أن يميتوه، ليبلغوا كمال الفقر والإماتة عن الإقتناء. ومن قبل صراعهم وحالهم هذا المتعب، ومجاذبة فكرهم عن الميل نحو القنية، تراهم لا يهوون كثرتها، أي لا يحبون الأشياء الكثيرة ولو كانت ضرورية للعيشة، بل يستعملون القنوت والشيء القليل الأنقص من اللازم، وينفرون من الزائد لعلمهم أنّ الشيء الكثير القريب يعسر بغضةوالزهد فيه، أكثر من البعيد والقليل، كقول ربنا تعالى: إنّ الأغنياء الحاوين الأشياء الكثيرة يصعب دخولهم إلى ملكوت الكمال، صعوبةً هذا عظم مقدارها، كصعوبة دخول الجمل من ثقب الإبرة.
- وقال القديس إسحق وغيره كثير من الآباء: أن العازة من الأشياء تسهل عمل الكمال. وجاء في البستان عن أحد الآباء أنه كان يوماً جالساً على جانب النهر ليستريح من تعب الطريق. وعندما شاء أن يبل خبزته اليابسة في الماء، ليأكلها، إغترف الماء بيده وصبه عليها. فسأله رفيقه: ما بالك لا تبل الخبزة في النهر، بل تصب الماء عليها بيدك؟ فأجابه: إن القنية، إذا كثرت، لا تفرح بها نفسك، أي لا تتوسع باستعمالها. فإلى مثل هذا الإحتراس من السعة، يسعى أصحاب الدرجة الأولى من الفقر، المتوجعون على فقد الأشياء الناقصون بالإماتة عن الإقتناء، الطالبون، على الحقيقة، كمال الفقر المقدس.
- ومنه نفهم أنه غير لائق بسيرتنا أن نجعل في موائدنا وكنائسنا ومكاتبنا أشياء كثيرة لا يُحتاج إليها، وثمينة قيمتها، لأن ذلك يولد في عقلنا إعتبار الأشياء. ومتى قلنا في المائدة أو الكنيسة أو المكتبة أنها مكتبة فقراء وكنيسة زهاد ومائدة أصحاب الإماتة، وكانت حاوية الأشياء الزائدة والثمينة، يجيبنا لسان الحال بالردّ علينا أننا نكذب، لأن المبالغة في تفخيم الأشياء تدل على قلب منقسم بمحبتها، وإستعمال القليل من الأشياء يدل على قلب غير منقسم بها. وإن كان يحس بحركة الوجع فيكون مصارعاً له غير متنازل له، كما هي هذه الدرجة الأولى.
- الدرجة الثانية
- الإماتة عن الإقتناء بقليل من التعب
- أما الدرجة الثانية، وهي الإماتة عن الإقتناء بقليل من التعب، فهي نعمة من الله يهبها للذين إغتصبوا ذواتهم، بقطع الميل عنالأشياء، ولم يتنازلوا لمحبتها. فيحصلون، لكثرة ترويض أنفسهم، من ممارسة صراع الوجع وحرب الميل نحو القنية، قليلي الوجع على فقدها، وبسهولة يقطعون حركة الميل إليها. وكما أنّ المقبل على الشمس قريباً، هو أيضاً قريب من أن يخرج من الفيء بالتمام، هكذا المقبل في محبة الله كثيراً هو قريب أن يعدم التأسف على فقد الأشياء ويوجد مختصاً بسرعة البذل والعطاء وكثرة الجودوالسخاء، كما جاء في البستان، عن أحد الآباء المتوحدين، أنه كان يملك ثلاثة كتب، وكان يعيرها للرهبان ويستفيدون منها. هذا جاء إلى الأب مكاريوس وأخبره بالأمر. فقال له القديس: إن الفقر هو أفضل من إعارتك الرهبان الكتب. فلما سمع الراهب كلامه مضى لوقته باع الكتب ودفع ثمنها للفقراء.
- فالظاهر لنا أن هذا الراهب كان متوسطاً في الفقر، لأنه لو كان كاملاً، لما كان أمره القديس ببيع الكتب وقطع الخير الكائن منها. ولو كان من أصحاب الدرجة الأولى، لما كان أسرع بسهولة هذا عظمها وباع الكتب كلها ودفع ثمنها كله للمساكين. إذاً محبة الكتب كانت واقعة عليه بفعل المقارنة فقط. ولذلك لم يتعب بطرحها كثيراً. وهذه هي الدرجة الثانية من الفقر.
- الدرجة الثالثة
- الإماتة عن الإقتناء بغير تعب
- أما الدرجة الثالثة، وهي الإماتة عن الإقتناء بغير تعب. أي أنّ فكر محبة الأشياء يمر على قلب الكامل بالفقر كعابر الطريق، ويلوي الكامل وجهه عنه مزدرياً به، من غير إهتمام بطرده. وهذه النعمة تتولد خاصة من ذوق السماويات، لأنّ الآباء، بإتفاق الرأي، يقولون جميعاً: إنّ الإنسان لا يقدر أن يبغض الأرضيات بالتمام ما لم يذق أولاً السماويات.
- وقال أبونا أنطونيوس: إن من يبغض الهيولانيات، أي يجاهد في بغضها، يترأف الرب على أتعابه وينعم عليه بالنار الغير الهيولانية، أي المحبة الإلهية، فتحرق كل الأوجاع التي فيه وتطهر عقله. وعند ذلك يحل فيه روح المسيح ويقدر أن يسجد للآب كما يجب.
- ومثل ذلك قال القديس فرنسيس: إن الفقر قوة سماوية إلهية، تحتقر وتتوطأ جميع الأشياء الأرضية، وتزيل الموانع عن النفس، فتتفرغ وتقوى إلى أن تصرف جدها وجهدها في الأمور السماوية والمحبة مع الله والإتحاد به.
- وقال أحد الآباء:”إنّ من ذاق لذة المسكنة، يستثقل بالثوب الذي يلبسه. والرسول قال: أنه ما أمكنه أن يربح المسيح، أي يحبه كما يجب، إلاّ بعد أن اعتبر كل الأشياء كالزبل. فهذه الدرجة هي المسكنة الحقيقية والفقر الكامل التي أخذ أصحابها من الرب الطوبى، بقوله تعالى: الطوبى للمساكين بالروح. أعني الذين عزمهم مات بالتمام عن محبة الإقتناء وكل شيء أرضي.
- وفيهم أيضاً قال القديس السلّمي هكذا: من قد أحبّ الرب حبّاً حقيقيّاً، فذاك لن يحب شيئاً عالمياً ولا يتشاغل به ولا يهتم بأموال ولا بأملاك ولا بشرفه الدنيوي ولا بوالديه ولا بأخوته ولا بأصدقائه ولا بشيء أرضي البتة، لكنه قد نقض كل ميله من هذه الأشياء وكافة تأسفه عليها وجملة إهتمامه بها، ومقتها. وقد مقت قبلها جسمه بعينه أيضاً، وهو يتبع المسيح عارياً سبروتاً فاقداً الهمّ والكسل.
- وقد أخبرونا عن الأب يوحنا القصير: أنه كان متى طلب أحد منه شيئاً كان يرسله إلى حيث هو ذاك الشيء ويقول له: إذهب خذ ما تحتاج. ولما يردّ الإنسان إليه ما أخذه كان يقول له: إذهب واتركه حيث أخذته. وإن أخذ أحد منه شيئاً، ولم يردّه، فما كان يطالبه به. وشيخ آخر دخل اللصوص ديره وقت الصلاة لينهبوه، فقال لتلاميذه: إتركوهم يعملوا عملهم وقوموا بنا لنعمل عملنا، أي الصلاة.
- فهؤلاء وأمثالهم هم الذين بغضوا الأرضيات بالتمام وارتقوا إلى الدرجة الثالثة في الفقر المقدس، إذ الأشياء الأرضية عندهم بالسواء غابت أم حضرت. فلا يفرحون لوجودها ولا يحزنون لفقدها، لا بل يحزنون عند وجود ما يزيد على الضروري من القوت والكسوة، للعيشة، وينفرون من كل شيء غير لازم، كما حكي عن القديس فرنسيس الكبير، إن رهبانه أنزلوه في قلاية جديدة حسنة، فلم يشأ أن يرقد فيها، حتى علقوا على حيطانها القش اليابس والعشب والحشيش، وتبهدل منظرها. فحينئذ طابت نفس القديس وسكنها. وحكي عن أحد الآباء، أنه طرد راهباً غريباً جاء يزور ديره ولم يتركه يدخل، لأنه كان لابساً ثياباً طويلة لطيفة.
- فهذه الأعمال ومثلها، هي أعمال الكاملين بالفقر، الحاصلين في حسن البغض لهذه المنظورات. ولم يكن بغضهم لها بهائمياً بلا إفراز، بل بإفراز. أعني: لا يبغضون ذات الشيء على الإطلاق، بل يبغضونه نظراً إلى التعويق الصادر عنه، كما يقول القديس السلّمي: ليس لبغضنا مواضعنا أو أهلنا ننصرف عنهم، لا كان ذلك. وإنما نبغض التعويق الحادث لنا منهم، أي يبغضون الأرضيات، لأن الميل نحوها والتشاغل فيها يعيق عن محبة السماويات، واجتماع المحبتين معاً ممتنع، فلذلك وجب إماتة الواحدة بالتمام والإستغراق بالواحدة بالتمام. وهذا هو الفقر الكامل اللازم كل راهب نذر الفقر، الذي لا يتسهل البلوغ إليه إلاّ بواسطة الفرائض التي أتى بها القانون. وهي بالعدد إثنتان.
- الفريضة الأولى
- يجب على الراهب ألاّ يقتني شيئاً ذاتياً أصلاً
- واسطة ضرورية لدفع محبة الأشياء، ألاّ تقتني شيئاً. أي مهما كان للراهب من كسوة وآنية وكتب وغير ذلك مما يوجد في قلاّيته، فليعتدها بمنزلة الوديعة للرئيس، الذي سمح له بإستعمالها بحشمة. حتى الذي يأكله ويشربه، فليفكر أنه صدقة وهبت للدير، وقد سمح له أن يأكل منه الضروري لقوام عيشته.
- وهذا ترتيب إلهي متسلسل منه تعالى للرسل، ومنهم للمسيحيين منذ إبتداء الكنيسة، كما هو مسطر في أخبار الرسل، بأنّ الذين آمنوا كان لهم قلب واحد ولم يكن أحدهم يقول في الأشياء التي له، أنها له، بل كل شيء كان للشركة. وبعد إتساع الديانة المسيحية، بطلت هذه الشركة من بين المؤمنين، وبقيت للرهبان وجعلها الآباء علينا قانوناً لازماً، بمنزلة أساس سيرة الدير الجامع، حسبما يقول القديس باسيليوس: إنّ الذي ينفرد بشيء لذاته وحده فقد أفسد قانون المجمع. وقال أيضاً أنّ الذي يترك له شيئاً يمتلكه دون أخوته فذاك سارق.
- ومن كلام القديس نفهم أنّ الذي يتصرف بشيء من الدير، حسب هواه وحده، يخطئ بعض الأحيان خطيئتين: ضدّ النذر وضدّ وصية السرقة. وذلك مثل الذي يستعمل شيئاً ليس هو ضرورياً له ويتلفه دون إذن الرئيس، أو يهب لغير الرهبان إخوته شيئاً من الدير أو يتصدق وما شاكل ذلك، من غير الإذن من الرئيس.
- أما من يستعمل شيئاً لنفسه من لوازم عيشته، أو يهبها لأحد أخوته الرهبان، وأمثال هذه، دون إذن الرئيس، فهذا يخطئ ضدّ النذر المقدس فقط، وخطيئته هذه كافية لهلاكه. وما أكثر الذين تحقّق الآباء من هلاكهم بعد موتهم بسبب القنية، وما أكثر الذين رذلوا من الآباء والقديسين بعد موتهم لما ظهروا مقتنين أشياء حقيرة القيمة ولم يأهلوهم للتجنيز والدفن. والكتب النسكية مملوءة من مثل هذه الأخبار أعرضنا عن ذكرها للإختصار.
- ولنكتف بذكر ما عمله بطرس الرسول مع حنانيا وسفيرا إمرأته، حين خبأا من الذي كان لهما شيئاً لهما وحدهما، ولأجله غضب عليهما الرسول المذكور غضباً هذا مقداره، حتى دفعهما للموت، ودفنا في ساعة واحدة.
- ولنتأمل أيضاً بخبر ذاك الراهب القديس الذي نظر، ساعة موته، الشيطان بصورة سعدان يلسح رقعة ثوبه الذي كان أخذها من عند الخياط، دون الإذن، وكيف إستفاق من هذه الرؤيا وإعترف لوقته بخطيئته التي كان يظن أنها ليست بخطيئة.
- فإذا كانت رقعة الثوب العتيق التي لا قيمة لها، أوجبت على الراهب القديس نوعاً من حكم الشيطان عليه، فكم يكون لازماً لنا ترك القنية وأن لا نستعمل شيئاً دون إذن الرئيس، لا ظاهراً ولا مضمراً، ولو كان شيئاً جزئياً كصورة صغيرة أو مسبحة وأبرة وأمثال ذلك. فإن هذه متى إمتلكها الراهب أو إستعملها دون إذن الرئيس، أو تصّنع واحتال حتى نسيها الرئيس، أو حتى تأخر في أخذها منه، أو سمح له بإستعمالها كرهاً منه، فإنه يخطئ ضدّ نذر الفقر المقدس.
- وكذلك الذي يبيع أو يشتري شيئاً دون إذن الرئيس، أو عن إذنه، لكن بخلاف نيته. مثلاً سمح الرئيس أن تشتري لك صورة فإشتريت كتاباً وقس عليه. وكذلك الذي يتصدّق ويهب دون إذن الرئيس أو خلاف نيته. مثلاً سمح لك أن تتصدق على مريض فتصدقت أنت على فقير غير مريض وقس عليه.
- وكما أنه لا يجوز للراهب أن يهب أو يتصدق، كذلك بالسواء لا يجوز له أن يقبل الهبة والصدقة أو يقرض أو يقترض أو يعير أو يستعير أو يرهن أو يسترهن أو يودع أو يستودع دون إذن الرئيس وخلاف نيته. وكذلك يخطئ ضدّ نذر الفقر كل متهامل بشيء من أشياء الدير والإخوة ومسبب له التلف، ولو كانت الكسوة التي يلبسها أو العمل الذي يعمله. وبالجملة، كل نقص وخسارة تلحق أخوتك من قبل إهمالك تحسب نقصاً في نذرك الفقر. ومثل ذلك يلحق الخطأ بالسواء، في مضادة نذر الفقر، للذي يحامي عن الذين يتهاملون بما للإخوة ويمانع الرؤساء عن أدبهم.
- وكما هي حدود الخطيئة المميتة والعرضية، عند علماء الدين، في كمية السرقة، هكذا هي الخطيئة في مضادة الفقر المقدس. والراهب الحقيقي، الراغب كمال الفقر، لن يفكر قط في الخطيئة هل هي مميتة أو عرضية، بل ينفر على الإطلاق من كل شيء يضاد الفقر كما ينفر من الزناء، ولو كان الأمر حقيراً جداً، كما جاء في البستان عن أحد التلاميذ وجد عود حطب في الطريق فأخذه إلى الدير. فقال له رئيسه: إن كان هذا العود مما يوجد في الطريق، فاستعمله، وإن كان سقط من إنسان، فردّه إلى حيث وجدته. وجاء أيضاً عن بعض الآباء، أنه كان يحصد لرجل عالمي، واشتهى أن يأكل سنبلة، فطلب الإذن من الرجل في أكلها.
- هذه ومثلها هي أعمال المتحفظين بالفقر المقدس، اللازمة كلاًّ منا، من معنى حدود القانون القائل: أنه يجب على الراهب إلاّ يقتني شيئاً ذاتياً أصلاً.
- الفريضة الثانية
- ولا يختص بشيء ما البتة
- الإختصاص بالشيء هو أن نتمسك به كأننا أحق به من غيرنا، أو كأن لنا أن نتصرف به حسب هوانا. وهذا داء ردي وخداع شيطاني يؤذي الفقر جداً من وجوه:
- أولاً: لأنه ضرب خفي من ضروب الإقتناء تصعب معرفته والخلاص منه.
- ثانياً: بجذب الراهب رويداً رويداً إلى الإقتناء الكامل،
- ثالثاً: يدل على أنّ الراهب منفعل لمحبة الأشياء، ومعدوم التعزيات الإلهية وذوق اللذة الروحانية. وهذا أمر يجب الخوف منه، لأنه دليل واضح على صعوبة الخلاص، كقول الرب تعالى بصعوبة يدخل محبوا هذه المنظورات إلى ملكوت الله، كصعوبة دخول الجمل في ثقب الإبرة.
- ولكيما يعصم الآباء تلاميذهم عن هذا الخطر العظيم، قالوا واحرصوا أن لا يختصّ أحد بشيء وينفعل لمحبته، كما أوضح ذلك القديس باسيليوس أبين الإيضاح حيث قال: لا يقل أحد الرهبان هذا لي وهذا لك. أي هذه قلايتي وهذه قلايتك، هذه مسبحتي وهذه مسبحتك هذه عباءتي وهذه عباءتك، إلاّ إن كان ذلك بنوع التعريف فقط، لا الإختصاص. وكذلك يخطي ضدّ نذر الفقر الذي يحتال، محتجاً بضعف الجسم، ليأكل ويلبس خلاف الأكل والكسوة المشاعة، والذي يترك في قلايته أشياء لا يحتاج إليها، والذي يطلب من الرئيس أن يقفل على قلايته أو صندوقه أو طاقته. وكذلك الذي يأخذ معه، من دير إلى دير، كتباً وصوراً ودواة وسراجاً وما شاكل ذلك من أشياء يختص بها.
- فهذه وأمثالها يجب على الراهب الذي قد نذر الفقر أن يجتنبها ويحذر منها لئلا يخطي ضد النذر، ويدان دينونة السارق عوض الأمل بحظ الكمال.
- الفريضة الثالثة
- ولا يدنو بقلبه وجسمه من مناسبات والديه وأقاربه أصلاً.
- وإذا دعت الضرورة فلا يكن بنوع مختص أكثر من الغرباء منه
- ضروري هو لسيرة الكمال الإبتعاد من الأهل والأقارب بالقلب والجسم معاً. لكن، لأن الطاعة والضرورة تحوجنا، بعض الأحيان، إلى مخالطة أقاربنا والمخاطبة لهم، فلذلك رسم القانون أن لا ندنوا منهم بشكل مختص، كأنهم أهلنا، بل كأحد الغرباء منا. وكأنه يقول: إذا دعتك الضرورة، أيها الراهب، إلى مخالطة أبويك وأنسبائك بالجسد، فلا تتعامل معهم كأنهم أنسباؤك، بل كباقي الناس الكثيرين.
- وهذا المعنى قد أبانه لنا القديس باسيليوس بأوضح البيان حيث قال: إن أحب والد الراهب أن يترهّب مع ولده، فلا يبقى له عليه رتبة الأبوة، لكن رتبة الأخوة. وكأنه يقول: إنّ شريعة الطبيعة، من حيث الأهل والأقارب، تبطل بشريعة الرهبنة وتعدم بالتمام، كما بطلت شريعة التوراة بشريعة الإنجيل. وهذا السعي مبني على عمل الرب وتعليمه:
- فتعليمه هو قوله: من لم يبغض أباه وأمه وأخوته لا يستحق أن يكون لي تلميذاً.
- وعمله هو عدم مخاطبته أمه وإخوته حين طلبوه ليكلموه، وإشارته إلى تلاميذه قائلاً: هؤلاء هم أُمي وإخوتي، وكل من يصنع مشيئة أبي الذي في السماوات هو أخي وأختي وأمي.
- وهكذا يجب أن يقول الراهب نحو رئيسه وإخوته الرهبان: هذا هو أبي، وهؤلاء هم إخوتي، وكل إنسان صالح قديس هو بمنزلة أخي وأمي. لكن أبي وأُمي وإخوتي وأقاربي الجسدانيون، فليسوا هم بأهلي ولا أقاربي البتة، ولا يجب الدنو منهم والإجابة لهم بشيء ما أصلاً، لئلا تخترع إجابتهم تعويق العمل الصالح، كما لو أجاب الرب أمه وإخوته، لأعاقوه عن التعليم.
- فإن دعت الضرورة لإجابتهم، فليكن كما رسم القانون: أن نجيبهم ونخاطبهم كأنهم ليسوا بأنسباء لنا، لأن الوهم والإعتبار بأنّ هذا أبي وهذه أمي وهذا قريبي، يسبينا من رتبة الزهد بالعالميات، ويخترع لصلاتنا وخشوعنا وخضوعنا ضرراً كبيراً. وعن هذا الضرر قال القديس السلّمي: ليس لبغضنا أهلنا نبتعد عنهم، لا كان ذلك! إنما نبغض التعويق الحادث لنا منهم.
- فلذلك يجب علينا أن لا ندنوا من أهلنا إلاّ لضرورة تدعونا الطاعة إليها ظاهراً أو مضمراً. فإن لم نكن على هذه، يلحقنا الثلب والمذمة من الله تعالى والآباء القديسين جميعاً، ونكون كمن قد هورنا ذواتنا في معاطب ومخاطر مهولة.
- وهذه المعاطب قد أبانها القديس باسيليوس في ثلاثة أنواع:
1. فأولاً: السقم بأفكار العالم، لأنه يقول: إنّ الراهب الذي خلع الإنسان العتيق وتغرب من مشاركة أهل العالم، فلا يبقى بينه وبينالباقين في العالم إتصال. فمن يرتبط بمصاحبتهم، ويؤثر أن يتحدّ معهم، فهو يدخل على نفسه الأنواع والأشكال التي هم مقلبون فيها، فيمتلئ قلبه من إهتمام العالم دفعة أخرى، ويسقط من الإقامة الحسنة التي هو فيها، ويفترق عن الفخر الروحاني والإهتمام بما يرضي الله، ويعود إلى قيه ويدفقه على نفسه في ذاته. وليعلم هذا أنه إصطيد من إبليس وجرح بسهامه.
- ثانياً: يقول القديس المذكور: إن الشيطان، إذ رآنا قد تعرينا من إهتمام هذا العالم يزرع في قلوبنا الإهتمام بأقربائنا الجسدانيين؛ فنسأل عن أحوالهم، هل هم معوزون أو مستغنون وكم هو مقدار ربحهم أو مقدار خسارتهم. وحينئذ يطيّب قلوبنا أن نفرح معهم بما إكتسبوه، وقد يكون من وجوه ردية يجب أن يُحزن لأجلها؛ وأن نحزن معهم على ما قد خسروه، وقد يكون في ذلك إصلاحهم؛ ونصير أعداء لأعدائهم، مع أننا قد أُمرنا بأن لا نعادي أحداً، وأصدقاء لأصدقائهم، وإن كانوا لا يستحقون. وبالجملة فإنه يدخل إلى قلوبنا أفكار الخبث دفعة ثانية.
- ثالثاً: يحتال الشيطان حتى إن الراهب تقوى فيه شهوة أقربائه بالجسد، فيجترئ ويسرق من الذي للإخوة ويعطي أقرباءهبالجسد ما يسدوا به فاقتهم، أعني الأشياء المخزونة للرجال القديسين الذين أسلموا نفوسهم لله، فهم محرومون لله وكل ما لهم. فيصير سارقاً للهيكل. ثم ختم القديس المذكور كلامه بهذا وقال: فلنهرب من أصل هذه الشرور كلها وهو الإهتمام بأقربائنا الجسدانيين.
- أرأيت، أيها الأخ، كيف يحقق لك القديس باسيليوس، أن القرب من الأهل والأقارب يولد فيك الأوجاع الثلاثة السابق ذكرها، أعني سقم الفكر بأمور العالم وسقم النفس بأفكار البغض والحقد والمراءاة بما يضاد نذر الفقر المقدس وسرقة الهياكل؟ ثم تأمل، أيها الحبيب، كم يتولد من الشرور من هذه الأسقام الثلاثة! فمن ههنا يصح ما قاله القديس باسيليوس، وذلك مما جاء عنه في الأخبار، وهو أنّ أحد الرهبان كان يسكن قرب أهله، وكانوا يأتونه بما يحتاج إليه من غير تعب، ولم يكن يتعامل بشيء غير الصلاة وقراءة الكتبوالهذيذ الروحاني. فاتّفق يوماً ما، أن زار أبانا أنطونيوس. فسأله أيضاً أبونا وقال له: أخبرني، يا ولدي، كيف تكون لما يلحق أهلك التجارب والحزن والفرح. أما تحزن لحزنهم وتفرح لفرحهم؟ فأجابه الراهب نعم، ولم يفكر بذلك. فقال له أبونا: لأجل ذلك، أقول لك يا ولدي، أنك بالضرورة تحصى يوم الدينونة وتعدّ مع الذين تحزن لحزنهم وتفرح لفرحهم وليس مع الرهبان.
- ومضمون كلامه أنّ الراهب لا يجوز له التشاغل بأفكار أهله ووالديه، ولا القرب منهم البتة، وإلاّ فليس هو براهب. فإن كنا، مع غربتنا من العالم والبعد منه، بالجهد نقدر أن نتناساه ونهرب من محبته، فمن لم يهرب من أهله وأقاربه، الذين حبهم غريزي يصعب تركه أكثر من كل صعوبة رهبانية، كيف يقدر أن يتناساهم من غير أن يبتعد منهم بالكلية؟
- فإن قلت: هل لا يجوز لي أن أصلي لأجل والديّ وأنسبائي؟ أجبتك: ليس في ذلك خطأ، لكنه لا يخلو من الخطر. والدليل على ذلك، أنّ الآباء يوصوننا بأن نتناسى أهلنا، والقانون رسم أن لا ندنوا منهم بقلبنا. والغرض من ذلك، تلافي التعويق الصادر من الإفتكار بهم للفضيلة، كما سبق القول. فإن أنت ميزت ذاتك، وتحققت أنك بالصلاة لأجلهم لا تنفعل بقلبك الإنفعال المعيق عن الفضيلة والزهد بالعالميات، فصلِّ حينئذ ولا بأس عليك، لأن البعض من الآباء إستعملوا الصلاة عن إخوتهم وأهلهم، ونفعوهم، ولم يلحقهم ضرر من ذلك. لكن إن كنت لا تقوى على هذا، وترى في عقلك، بسبب الذي تصلي من لأجله، هذيذاً عالمياً، فاطرح عنك هذه الصلاة وسلّم من تحبه لمشيئة الله.
- وبالجملة أنه ينبغي للراهب أن يبتعد بجسمه وقلبه من جميع أهله وأقاربه، وإن أمكن أيضاً، أصدقائه، كما يقول القديس السلّمي: إن المحب للرب حقّاً هو من يهرب من جميع أنسبائه وأصدقائه، ويمقتهم، ويمقت قبلهم جسمه بعينه. وإن دعت الضرورة إلى مخاطبتهم والإجتماع بهم، فليكن، كما قال القانون: نحتسبهم كالغرباء منا، لا أكثر. لأن هذا السعي ضروري هو لسيرة وفضيلة الزهد، ويدل مضمراً على فضيلة الفقر المقدس.