أنا في الأرضِ نَزيل فلا تَحجُبْ عنِّي وَصاياكَ (مز 119 /19)
في النظرة الشاخصة إليك ينكشف وجه الله - جان لافرانس
في النظرة الشاخصة إليك ينكشف وجه الله
جان لافرانس
في النظرة الشاخصة إليك ينكشف وجه الله؛ وإذ ذاك تنشأ علاقة الصداقة هذه التي فيها ينظر كائنان إلى بعضهما وجهاً إلى وجه.
1- هل لاحظت المواقف البشرية الكثيرة التي تنسبها المزامير إلى الله؟
فهو ينحني نحو الإنسان، وهو يرى، ويفحص، ويعرف، ويصغي، ويسمع، وهو قريب، ويستقبل ويُشفق.
ومع ذلك فإن الله ليس إنساناً، ولا يسع أيّة خليقة إعطاء فكرة عن مجده. إنّه، بكلّ بساطة، الإله الذي تعرفه ف اللقاء.
2- ولكن لله تصاميم ونوايا: إنه يريد الدخول في شركة معك. فعمق كيان الله هو الحبّ، وأمنية الحبّ هي التقاسم.
وللإفصاح عن هذا الحبّ، يستخدم الله صوراً، فيشبّه نفسه بالأم التي تهزّ مهد طفلها وتضمّه إلى خدّها. وتشبيه الله بالأم ينير الكتاب المقدّس كلّه... ويشبّه الله نفسه أيضاً بالأب وبالعريس وبالصديق.
" الحبّ الذي يحبّنا الله به يقال في العبرية " رحاميم"، جمع رحَم: إنّه حبّ الأم مضاعفاً إلى اللانهاية".
وبكلمة فإنّ قلب الله يطفح بالحنان لك؛ وما أنواع الحبّ التي تعرفها على الأرض ( الحبّ الزوجي، أو الوالديّ أو الأبويّ أو حبّ الصداقة) إلا شعاع ضئيل من هذا الحبّ الكلّي المتدفّق من قلب الله.
3- ولأنك تقرأ هذا الحبّ في الله، تكتشف فيه وجه العريس أو الأم أو الصديق. فالله هو ذاك الذي يصرف وجهه إليك، ومن ثمّة يعطيك وجهك الخاص.
انه ينظر إليك وجهاً إلى وجه، انه ينفتح ويظهر لك. وأنت تعلم أنّ نظرة الإنسان هي الباب الذي ينفتح إلى عمق قلبه. وفي نظرة أصدقائك المؤثّرة تكتشف ذاتك مفهوماً ومحبوباً لديهم.
4- وهكذا فإنّ الله هو ذاك الذي يرى، لكنّ نظرته حبّ، وتعبّر عن حنان قلبه اللامتناهي. إنّه يراك بكلّ إمكاناتك، ويدعوك إلى الاستجابة لها.
وهو يرى الشرّ الذي فيك ويقيسه، ويرى أيضاً خطيئتك ويشجبها.
ويصل حكمه إلى أعماق قلبك ولا شيء يصمد أمامه. ولكنك تعرف أن نظرته مليئة بالرحمة والغفران، وأنّها تخلّصك.
إنّ نظرة الله لا تفضح سرّك، بل تحفظك وتحميك. وإذا رآك، هو، فذلك لا يعني انه يحكم عليك أو يخذلك، بل يسترك في أفضل حمى.
فحبّه لا يفتأ يخلقك إذ يوقظ فيك طاقات القيامة.
5- أن تصلّي، يعني أنك تضع ذاتك تحت نظرة الله وتشتاق إلى أن يراك حتى أخفى أعماق كيانك.
والصلاة الحقيقية تبدأ يوم تكتشف نظرة الحبّ هذه. ولكنك بحاجة إلى أن يُنير الله عيون قلبك.
فلا تستطيع رؤية وجه الله إلا حين تُتيح لنور عينيه أن يُنيرك. ورؤية وجه الله هي إدراكك أنّ نظرته تخترقك، وبها فقط يمكنك أن تشاهد النور: بنورك نعاين النور ( مز 35/10 ).
فشعاع وجهه هو الذي ينيرك ويغمر العالم بضوئه الساطع.
6- في التأمّل، تضرّع إلى الله لكي يكشف لك عن ذاته: الهمّ أرجعنا وأنر بوجهك علينا فنخلص ( مز 80/7 ). وإذ ذاك ستختبر هذه الخبرة المذهلة، وهي أنّ شوقك إلى رؤية الله هو أن يراك ذاك الذي يتقصّى أعماق الإنسان والأغوار.
وحينئذ تنشأ علاقة صداقة ترى فيها الله عياناً: رقباؤك قد رفعوا أصواتهم، وهم يرنّمون جميعاً، لأنهم ينظرون عياناً، حين يرجع الربّ إلى صهيون ( أشعيا 52/8 ).
7- وحينما تتوطّد هذه العلاقة، تصبح الكلمات بغير جدوى? لأنك ستفهم كلّ شيء في نظرة الله.
وترضى إذ ذاك بالوقوف أمامه بفقرك وعدم كفاءتك وخطيئتك، ولكن أيضاً بشوقك إلى تفهّم نيّته والى مطابقة إرادته. تحت نظرته، تجد دوماً إمكانية لا متناهية للتجديد.
8- في العماد، أنار لك المسيح عينيك فجعلك قادراً على الاشتراك في نظرة حبّه.
فالصلاة هي، إذا، الدخول في تبادل النظرات هذا، الذي يتفتّح في شركة حبّ