لأَنَّكَ أَنت تُوقِدُ سِراجي إِلهي أَنِرْ ظُلْمَتي ( مز 18 /29)
مقالة من الليتورجيا إلى الفرح الافخارستي - الأب جورج بيروتي
من الليتورجيا إلى الفرح الافخارستي
جاء في التوجيه لتطبيق المبادئ الليتورجية الواردة في " مجموعة قوانين الكنائس الشرقية ما يلي:
"كل يوم وبطرق عديدة وفي أوقات مختلفة، تقوم الليتورجيا ببناء المؤمنين هيكلاً مقدساً في الرب، مسكناً لله في الروح". ويعرض لنا الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد لوحات ليتورجية رائعة. نقرأ في سفر أشعيا (6/1-8) حيث يتجلّى الله لأشعيا النبي فيدعوه للرسالة في وسط احتفال ليتورجي مهيب. وفي المزمور (21/23) نجد دعوة إلى البشارة والتسبيح وسط الجماعة المصلّية: "سأبشّر باسمك إخوتي وفي وسط الجماعة أسبحك". وفي المزمور (41/5) يدعو صاحب المزامير الجمهور" إلى العبور معه إلى بيت الله بصوت ترنيم وهتاف تعييد". كما نقرأ في سفر الرؤيا في الفصلين 4-5 لوحات جميلة في جو ليتورجي رائع كما يختم في الفصل الأخير بصلاة ودعاء: " آمين تعال، أيها الرب يسوع فلتكن نعمة ربنا يسوع المسيح معكم أجمعين آمين". إنها صلاة بركة يرددها المحتفل في كل الاحتفالات الليتورجية.
يوم الخميس 10 حزيران 2004 بينما كان قداسة البابا يوجنا بولس الثاني يحتفل بعيد القربان في التطواف في شوارع روما، أعلن عن بدء سنة الافخارستيا في شهر تشرين الأول الفائت في وقت انعقاد المؤتمر الافخارستي العالمي في غوادلاجارا المكسيك، وتنتهي في تشرين الأول 2005 في أثناء سينودس الأساقفة وموضوعه: الافخارستيا ينبوع وقمة الحياة ورسالة الكنيسة، مع العلم أنه في سنة 2003 أصدر قداسته الرسالة العامة بعنوان:
"الافخارستيا حياة الكنيسة".
من هنا نفهم أهمية هبة الافخارستيا، التي أوكلها يسوع المسيح إلى الكنيسة، التأوين المستديم للسر الفصحي. وفي إطار الحياة الليتورجية العميقة نحن مدعوون إلى عيش الفرح الافخارستي، في قلب الجماعة وفي وسطها، ومع إخوتنا نعبر إلى بيت الله بفرح إلى حياة جديدة مع المسيح الافخارستي. نوعاً ما نعيش اختبار تلميذي عمّاوس، كما أعلن قداسته في خبرته الشخصية قائلاً:" كل يوم سمح لي إيماني بأن أعرف في الخبز والخمر المكرّسين الحاج الإلهي الذي، في يوم من الأيام، سار مع تلميذي عمّاوس ليفتح أعينهما على النور وقلبهما على الرجاء ( لو 24/13-35). ويتابع قداسة البابا شهادته بهذا الابتهال:"السلام عليك أيها الجسد الحقيقي المولود من مريم العذراء، الذي تألم حقاً وذبح على الصليب من أجل الإنسان".
"إني أعبر مع الجمهور..." الاحتفال الليتورجي عبور غايته اللقاء بشخص يسوع المسيح، واللقاء بالمسيح بحدّ ذاته هو فرح. ولكي نعبر من الاحتفال الليتورجي إلى الفرح الافخارستي علينا أن نمارس الاختبار الشخصي في وسط وقلب الجماعة الكنسية المصلّية، لأن الكنيسة هي جماعة مصلّية. نعيش الفرح الافخارستي عندما نختبر بالفرح وبأشكال مختلفة التحقيق الدائم للوعد:" هاءنذا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" ( متى28/12 ).
الافخارستيا حضور يسوع المسيح الخلاصي وسط جماعة المؤمنين وغذاءها الروحي، هي أثمن ما يمكن أن تمتلكه الكنيسة في مسيرتها على امتداد التاريخ. أي في قلب الحياة الليتورجية ومن خلالها تختبر الكنيسة الفرح بحضور الرب معها في الافخارستيا. هذا الفرح تعبّر عنه وتعيشه الكنيسة اليوم مثلما عبّرت عنه وعاشته جماعة الكنيسة الأولى كما جاء في أعمال الرسل( 2/42 ) " وكانوا يواظبون على تعليم الرسل والشركة وكسر الخبز والصلوات". أعني : بالإصغاء إلى كلمة الرب والحياة المشتركة وتناول جسد الرب والصلوات الطقسية إذا صحّ التعبير. أكتفي هنا بأن أتوقف على النقطة الأخيرة وهي المشاركة في الصلوات، أي رفع الدعاء والتراتيل والتسابيح إلى الله في أثناء الاحتفال الليتورجي. لقد ركّز بولس الرسول على هذه النقطة بالذات عندما حثّ أهل أفسس بقوله:" دعوا الروح يملأكم، وليكن حديثكم تلاوة مزامير وتسابيح وأناشيد روحانية، رتّلوا وسبّحوا الرب من صميم القلب واحمدوا الله الآب حمداً دائماً على كل شيء باسم ربنا يسوع المسيح"(أفسس 5/19-20 ). ويتوجه أيضاً بهذا الطلب إلى أهل كولوسي:" لينزل فيكم كلام المسيح وافراً لتعلّموا بعضكم بعضاً وتتبادلوا النصيحة بكل حكمة، رتّلوا لله من صميم القلب شاكرين بمزامير وتسابيح وأناشيد روحانية"( كولوسي 3/16 ).
إن الصلاة الليتورجية في الشرق تظهر استعداداً عظيماً لإشراك الشخص البشري بأكمله. فالسر ينشد في سمو محتواه، ولكن أيضاً في حرارة العواطف... وفي العمل القدسيّ تُدعى الطبيعة الجسدية هي أيضاً إلى التسبيح.
إن الصلاة الليتورجية تتطابق مع وديعة الإيمان وتعبّر عنها بالتمام وفقاً للعبارة:" شريعة الصلاة هي شريعة الإيمان أو شريعة الإيمان يعبّر عنها بالصلاة الليتورجية". إن الكنيسة تعي وتفهم نفسها انطلاقاً من طبيعتها كجماعة محتفلة، والاحتفال مشاركة وعلى المشاركة أن تكون كاملة وبالتالي فاعلة وملأى وتقوية وذكية ومثمرة. فإذا كانت الكنيسة تصنع الافخارستيا ، فالافخارستيا تصنع وتبني الكنيسة لتصبح ( هيكلاً مقدساً في الرب، مسكناً لله في الروح). فتصبح هكذا صلاة الكنيسة مشاركة في الليتورجيا السماوية واستباقاً للسعادة الأخيرة.
يقول القديس أوغسطينوس (+430 ):
" أنشد الآن لكي تتعزى في التعب ، لا لتتمتع بجمال الراحة.
أنشد كما تعوّد المسافرون أن ينشدوا.
أنشد وسر وخفّف بترانيمك من تعبك، ولا تستسلم إلى الكسل.
أنشد وتقدّم، تقدّم في الخير، إن تقدمت سرت، تقدم في الإيمان والأخلاق الصالحة.
لا تضلّ ولا تتراجع ولا تتوقف أبداً ... أنشد.
وهكذا الاحتفال الليتورجي يغيّرنا وينقلنا إلى حياة مع الله إلى الفرح الحقيقي، إلى الفرح الافخارستي، الذي يحوّل أرضنا إلى فردوس وحياتنا البشرية إلى حياة الهبة.
وفي الختام، يدعونا قداسة البابا أن نشاركه صلاة القديس توما الأكويني اللاهوتي (+ 1273 ):
أيها الراعي الصالح، الخبز الحقيقي
يا يسوع ارحمنا ، غذّنا ، احمنا
اجعلنا نرى الخير الأعظم في أرض الأحياء
أنت الذي يعرف كل شيء ويقدر على كل شيء
أنت غذاؤنا على هذه الأرض
اجعل منا مدعوّيك في العلى،
ووارثين لك إلى الأبد في أسرة القديسين آمين
أنشد كما تعوّد المسافرون أن ينشدوا.
أنشد وسر وخفّف بترانيمك من تعبك، ولا تستسلم إلى الكسل.
أنشد وتقدّم، تقدّم في الخير، إن تقدمت سرت، تقدم في الإيمان والأخلاق الصالحة.
لا تضلّ ولا تتراجع ولا تتوقف أبداً ... أنشد.
وهكذا الاحتفال الليتورجي يغيّرنا وينقلنا إلى حياة مع الله إلى الفرح الحقيقي، إلى الفرح الافخارستي، الذي يحوّل أرضنا إلى فردوس وحياتنا البشرية إلى حياة الهبة.
يا يسوع ارحمنا ، غذّنا ، احمنا
اجعلنا نرى الخير الأعظم في أرض الأحياء
أنت الذي يعرف كل شيء ويقدر على كل شيء
أنت غذاؤنا على هذه الأرض
اجعل منا مدعوّيك في العلى،
ووارثين لك إلى الأبد في أسرة القديسين آمين