هذه هي إرادة الله قداستكم "(1تس 4/ 3 )
مقالة نظرتي إلى ذاتي وإلى الآخرين - الأب منير سقّال
| ||||
مقـدمـة | ||||
"لا تدينوا لئلا تدانو. فكما تدينون تدانون, وبما تكيلون يكال لكم... عاملوا الآخرين مثلما تريدون أن يعاملوكم. هذه هي خلاصة الشريعة وتعاليم الأنبياء" (متى7/1-12). وفي مكان آخر قال الرب يسوع: "أحبّ الرب إلهك بكلّ قلبك, وبكل نفسك, وبكل عقلك. هذه هي الوصية الأولى والعظمى. والوصية الثانية مثلها: "أحبّ قريبك مثلما تحبّ نفسك. على هاتين الوصيتين تقوم الشريعة كلّها وتعاليم الأنبياء". (متى22/37-40). القريب-الآخر, الذات-النفس. هذه هي هدية الله للذات. هدية حب حقيقية, هبة من الذات للآخر, وهبة من الآخر لذاتي. هبة تدعو إلى شركة: "لتكونوا أنتم أيضاً شركاءنا,كما نحن شركاء الآب وابنه يسوع المسيح.نكتب إليكم بهذا ليكون فرحنا كاملاً"(1يو1/3-4).وهذه "الشركة- في- ذاتنا" تحدث من خلال العلاقات البشرية التي نقيمها فيما بيننا.وفي مثل هذه "الشركة- في- ذاتنا" أعرف الآخر والآخر يعرفني, أنظر إليه وينظر إليّ, أعكس نظرتي عليه ويعكس نظرته عليّ, أتأثّر به ويتأثّر بي, أشاطره بشيء من ذاتي ويشركني هو في بعضٍ من ذاته. فما هي نظرتي إلى الآخر؟ نظرتي قد تكون نظرة حكم أو شفقة أو دينونة أو تعاطف أو تعاضد. على أي أساس؟ ما العمل لتكون"نظرة" منفتحه من"الذات" إلى "الآخر" كمتساويين .مقتنعة أنّ "الآخر" عنده ما يقدمه لي! ما العمل لتحقيق عالم أكثر أخوّة؛ للكفاح ضد المجتمعات المنغلقة "غيتو" في الأحياء والمدن والمؤسسات والإيديولوجيات؟ ما هو إيماني بالإنسان وبكل إنسان وبكلِّ الإنسان؟ بالمسيح؟ وكيف يغيّر لي هذا الإيمان نظرتي إلى "الآخر" وإلى "ذاتي"؟ كيف أنظر إلى" ذاتي" وأعرفها؟ هي قراءة متجدِّدة ومجدِّدة لتاريخي؛ فهم واع وناضج بالروح لذاتي وللآخر. كيف أتلقّى نظرات الغير لي؟ وكيف أرى نفسي منظوراً من الآخرين؟ كيف ينظر إليّ الآخر؟ وكيف يراني هو؟ | ||||
أولاً - وجوه من صفحات الإنجيل | ||||
تحت نور معرفة الذات والآخر, نقرأ في صفحات الإنجيل المقدس/ العهد الجديد شخصيات: عرفت ذاتها: يوحنا المعمدان.....يسوع المسيح. عرفت الآخر ودلّت عليه: يوحنا / يسوع ? يسوع/ نتنائيل. وجِّهت إليها الدعوة لمعرفته:"من تقول الجموع إني أنا؟" تساءلت عن "الشخص- الآخر- يسوع": من أنت؟ أأنت ابن الله"... عرّف يوحنا المعمدان ذاته بأنه الصوت الصارخ في البرية ليُهيّئ طريق الرب (متى3/3ب)هو يُعمِّد بالماء والذي يجيء بعده هو أقوى منه وليس بأهلٍ لأن يحمل حذاءه (متى3/11)، هو من يحتاج لأن يتعمّد على يد يسوع (متى3/14). شهد يوحنا وقال: "ما أنا المسيح، بل رسول قُدّامه. مَن له العروس فهو العريس. وأمّا صديق العريس, فيقف بجانبه يصغي فرحاً لهتاف العريس. ومثل هذا الفرح فرحي, وهو الآن كامل. له هو أن يزيد, ولي أن أنقُص" (يو3/27-30). شهد يوحنا بأنه لم يكن هو النور بل شاهداً للنور (يو1/8), اعترف يوحنا وما أنكر بأنه ليس "المسيح" ولا" إيليا" ولا"النبي",وعندما سألوه من أنت ... ماذا تقول عن نفسك؟ قال:"أنا صوت صارخ في البرية...أنا أُعمِّد بالماء...أنا رأيت وشهدت". (يو1/20-30). عرف يوحنا المعمدان الآخر ? يسوع وقال فيه: هو حَمَل الله الذي يرفع خطيئة العالم, هذا هو الذي قلت فيه: يجيء بعدي رجل صار أعظم مني, لأنه كان قبلي وما كنت أعرفه... ولكن الذي أرسلني لأعمد بالماء قال لي: الذي ترى الروح ينزل ويستقر عليه هو الذي سيعمّد بالروح القدس (يو1/19-34). أرسل يوحنا تلاميذه إلى يسوع لأنه هو حَمَل الله, هو العروس, هو مَنْ جاء من فوق, هو من أرسله الله يتكلّم بكلام الله, لأنّ الله يَهَب الروح بغير حساب. وبالتبادل أيضاً عرف يسوع الآخر- يوحنا: "تحدّث يسوع إلى الجموع عن يوحنا فقال: "ماذا خرجتم إلى البرية تنظرون؟ أقصبةً تهزّها الريح؟...أنبياً؟ أقول لكم: نعم, بل أفضل من نبي... رسولي قدامي... الحق أقول لكم: ما ظهر في الناس أعظم من يوحنا المعمدان." (متى11/7-11). يوحنا هذا ,لمّا سمع يسوع خبر قطع رأسه في السجن بأمر من الملك وعلى طلب ابنة هيرودية التي رقصت في ذكرى مولده, خرج (يسوع) من هناك في قارب إلى مكان قفرٍ يعتزل فيه" (متى14/13). يسوع عرف نتنائيل: إنه إسرائيلي صميم لا شكّ فيه (يو1/47), عرف نيقوديموس (يو3) والمرأة السامرية (يو4) ويسوع عرف البشر:" لكنّ يسوع ما اطمأنّ إليهم, لأنّه كان يعرفهم كلّهم ولا يحتاج إلى مَن يخبره عن أحد, لأنه كان يعلم ما في قلب الإنسان" (يو2/34-35). ولكن قبل هذا وذاك عرّف يسوع ذاته: رجل فِعْلٍ وسلطة، ابن الإنسان الذي جاء ليبذل نفسه فدية عن خطايا الناس، هو رجل الله المختار (متى 12/15-21) عرّف علاقته بالآب وعلاقة الآب به (يوحنا 5/19-30) عرف أنه الحق (يوحنا 18) وأنّه الخبز النازل من السماء، الراعي الصالح، الماء الحي، الكرمة الحقيقة، الباب، الطريق والحق والحياة عرف أنّه "أنا هو" "يهوه". في كتابه "دعى الله يكمل شخصيتك" يقول الدكتور دان مونتغمري: "أظهر يسوع اتزاناً نَشِطاً في التعبير عما في نفسه. فقد أحب حباً كافياً للتغيير والتجديد، كان أيضاً جازماً وضعيفاً وقوياً في تتميم مشيئة الآب... لذا نجد في شخصية يسوع العناصر التي تقوم عليها الشخصية السليمة: فيسوع قد دُعي زهرة الشارون (الحب) / أسد يهوذا (الجزم) / حَمَل الله (الضعف) / إله السلام (القوة)... ففي المسيح نجد تصميم الله للشخصية، للذات المتزنة. من جهة أخرى، دفع يسوع الرسل لمعرفته، أولاً من خلال سؤاله: "من أنا في رأي الناس؟" ثم من سؤاله: "ومن أنا في رأيكم أنتم؟" (لوقا9/18-21). ولكنه كان يعلم أنّه "ما كشف لك هذه الحقيقة أحد من البشر، بل أبي الذي في السموات" (متى16/17). وانقسمت آراء الناس حول يسوع: ولمّا أقاما عنده... عرفاه (يو1/35-42) / هو رجل صالح... لا هو يُضلّل الشعب (يو5/10) / بالحقيقة هذا هو النبي (يو7/40) / يا معلم نحن نعلم أنّك صادق في كلامك وتعليمك، لا تُحابي أحداً، بل بالحق تعلّم طريق الله (لو20/21) / وتساءلوا: أأنت ابن الله؟؟ (لو22/70) أأنت ملك اليهود؟ (لو23/3) / والبعض أكّد: في الحقيقة أنت ابن الله" ولكن البعض الآخر رفضوا يسوع (مر6/1) إذْ لاّ نَبي بلا كرامة إلاّ في وطنه (متى13/53-58)؛ ومنهم مَنْ طلب إليه أن يرحل عن ديارهم (متى8/34)؛ وآخرون اتهموا يسوع بأنه بعلزبول رئيس الشياطين (متى12/24). ويبقى سؤال يسوع- الآخر لي أنا ? ذات- جسد": وأنت مَنْ تقول إني أنا؟ هل أعرف يسوع؟ هل أعرفه معرفة فكرية, دراسية, علمية, أم معرفة اختبارية؟ هل "ذاتي" منفتحة على "ذات ? الآخر- يسوع"؟ وعلى ضوء المسيح هل أعرف "ذاتي"؟ هل عدت وقرأت حياتي مُجدَّداً لأعرف ذاتي؟ قراءة جديدة لتاريخي على واقع كلمة الله ? يسوع اليوم؟ هل أعرف أنّ نوعية حياتي هي نوعية علاقتي مع "الآخر ? يسوع" و"الآخر- كل إنسان"؟ | ||||
ثانياً - من أنا ؟ تفهّم ذاتك والآخر | ||||
في كتابه "دع الله يكمّل شخصيتك" يضع الكاتب الدكتور دان مونتغمري بوصلةً للذات, تساعد على فهم الـ"أنا" و"الآخر". ويسوع بالنسبة إليه, يوجِّه دعوة إلى كل رجل وامرأة وطفل لكي يشتركوا في ثورة لا قِبَل لها, ألا وهي تحويل كلٍّ منهم شخصيتَه الخاصة وتطويرها, وذلك بقوة وفعل الروح القدس الذي هو محوّر الشخصية السليمة. فَفَهْمُ شخصيتِنا الداخلية ومواقفنا الذاتية يُقرّر ويشرح تصرفاتنا الخارجية. وأقتبس هنا بإيجاز ما ورد في كتاب "دع الله يكمّل شخصيتك" حول "بوصلة الذات" التي تساعد على الاتزان على مثال ما سبق ووجدنا في المسيح تصميم الله للشخصية. يقول د.دان مونتغمري: إنّ بوصلة الذات, تتضمّن نواحي تصرّفاتنا السلبية والإيجابية على السواء. في المحور هناك الصميم وهو الدائرة الأعمق في الذات, تحيط بها وسائل التلاعب الأساسية التي نلجأ إليها عندما نَعْلَق في قطب معين [والأقطاب هي: قطبا القوة/ الضعف وقطبا الجزم/ الحب]. وتحيط بالصميم" دائرة الخوف" التي قد تقبض على الصميم وتجمِّد تدفق الروح القدس. ويضيف المؤلف: "يعبِّر قطبا الحب والجزم عن طريقة شعورنا الأولية بالآخرين ,ويبيّن قطبا الضعف والقوة كيف نشعر, على نحو متواصل, بأنفسنا". قال هنري نوين, المتخصص باللاهوت الرعائي: "إن الحياة الروحية تقتضي أولاً أن نعي تلك الأقطاب الداخلية التي نعيش في إطارها حالة توتر وتجاذب. لذلك يقود تفهُّمُنا هذه الأقطاب/المفاتيح وضَبْطُنا إياها إلى اتزان شخصيتنا/ذاتنا". | ||||
ثالثاً - نظرتي إلى " ذاتي" من خلال الأقطاب / بوصلة الذات | ||||
1 - قطب الحب: فضيلة العناية: الحب هو أكثر من مجرد شعور , هو التزام من أجل خير الآخرين وخير أنفسنا الأسمى؛ فعلى ذلك النحو يرتبط الله بالبشرية ولا ينفكُّ يُلهمنا لكي نرتبط بعضنا ببعض بالطريقة نفسها. "إذا أحب بعضكم بعضاً عرف الناس جميعاً أنكم تلاميذي" (يو13/35) أحبب الرب إلهك ...أحبب قريبك حبّك لنفسك (متى22/37-39) 2. قطب الجزم: يقابل قطب الحب قطب الجزم أوالغضب الذي لا تقل أهميته العاطفية عن سابقه. فالجزم يساعدنا على أن ندافع عن أنفسنا من دون أن يعترينا قلق غير مبرر .كما يساعدنا على أن نعبر عن أنفسنا بارتياح، ونفاوض في شأن الأمور التي نحتاج إليها. ونمارس حقوقنا المعقولة من دون أن ننكر حقوق الآخرين, وعلى أن نقول "لا" من دون أن نشعر بالذنب. إن نموّنا في قطب الجزم يعني قدرة كل واحد على أن يقول: 3. قطب الضعف: فضيلة التواضع: لا يعني الضعف أن نقلل من اعتبار أنفسنا, ولا أن نخفق دائماً في مساعينا, بل يعني أن نقبل الأوهان التي نشعر بها. فما من أحد يبقى سيد الأوضاع إلى ما لا نهاية. لذا يترتب علينا أن نقبل الضعف العَرَضي من غير أن نبجّله. علينا أن نقبل حدودنا لكي نتمكن من تحسينها. ولا شك أن الضعف هو الطريق الرئيسي المؤدي إلى الإتكال على الله؛ لأننا ندعو الله عندئذٍ, والله يخلصنا. إن فصول الضعف التي تتخلّل حياتنا هي أزمنة مباركة لأنها تسمح لنا بأن نحلّل ذواتنا ونفحص ضمائرنا . هي أزمة تذكرنا بأنه لا يجوز لنا أن نجعل أنفسنا في مقام أرفع من مقام الآخرين , ولا ان نتمتع باكتفاء ذاتي , بل أن ننزع عنا كل تكبّر وغطرسة . فنتذكر أن حياتنا لا معنى لها بعيداً عن مشيئة الله. 4. قطب القوة: تعبر القوة عن الجدارة واحترام الذات, وهي في أبسط الأحوال ذلك الدليل الباطن عن أن الحياة جديرة بأن تعاش, فالشعور بجدارتنا ليس هو خطيئة ولا تكبراً, واحترام ذواتنا إنّما هو شرط لكي نعرف كيف نحترم الآخرين, ومساهمتنا في الحياة لا تتم من دون تحلّينا بالقوة التي تجعلنا مبدعين مجدّدين, وقادرين على استثمار مواهبنا الفريدة. يحتاج كل إنسان إلى أن يختبر أنه ذو قيمة وكرامة وثقة. كما أنه يحتاج إلى التعبير عن كل ذلك . وأبسطها تحديد الذات: أنا كائن بشري ذو شأن؛ لا أحتاج إلى أن أظهر أعظم قيمة من الآخرين. بل أقدر أن أكون نفسي وأقبل الآخرين كما هم. إن فضيلة التقدير أو التثمين تنشأ من قطب القوة. نلخّص بالقول أن: الحب هو النسمة التي تأتي باللطف والاهتمام في العلاقات, والمبالغة في الحب تنقلب تبعية القوة تعكس احترام أنفسنا, وواجبنا قدرتنا على المساهمة, والقوة المضخّمة تترجم سيطرة مُكرِهة . الضعف يعبّر عن عدم كمالنا ويُسبغ على حياتنا التواضع والتعاطف, والضعف المفرط يتبدّل انسحاباً. ولمّا كان الروح القدس يُسدّد خُطانا في طريق الكمال: يتغلّب الحب فينا على الخوف, والجزم على العجز, ويطرد احترام الذات الخجل خارجاً عنّا, وتحرّرنا الشجاعة من عدم الثقة بذواتنا , فنسترد عافيتنا ونتقدم في بلوغ ذلك الاتزان الذي عرفه المسيح في الحب والجزم والضعف والقوة. | ||||
رابعاً " أنا- ذات " و "الآخر- ذات " | ||||
يعاني الإنسان من مشكلة في فهمه لذاته وفهمه للآخرين, وفهم الآخرين لذاته. وهذا الفهم- التواصل لا يتحقق بين "ذاتين: الأنا والآخر" إلا بعد أن يُقرّر شخصان أن يعملا معاً وبِجِدٍّ في سبيل تحقيقه, وأن يتبصّرا بعمق في سبيل التمرّس على إتقانه. يقول شكسبير في روائية هَامْلت: "قبل كل شيء, كن صادقاً مع ذاتك ? فيتعذر عليك آنذاك أن تكذب على أحد". فإن أول عقبة تحول دون التواصل مع ذات- الآخر ليست تلك القائمة بيني وبينه بل بيني وبين نفسي؛ أنا, ما دمت أُخفي الحقيقة عن ذاتي فلن أتمكن من التعامل بكل صدق مع سواي، فعليّ إذاً أن أعمل بجد على التعرّف بصدق إلى حقيقة ذاتي من أن أفكر: "كيف يجب أن أكون". هل أؤمن حقاً بضرورة صدقي مع ذاتي إذا ما أردت أن أكون صادقاً معك؟ هل أنا على استعداد أن أكون صادقاً مع نفسي؟ وهل أريد حقاً أن أكون صادقاً معك؟ أم أنني أرفض المجازفة فأقدم لك صورة مجمّلة عن ذاتي أخفي وراء ألوانها البرّاقة الزاهية المزيّفة ما أخشى أن أبوح لك به ؟ هذا الدور هو الثمن الذي أدفعه لحماية نفسي ولكنه الحاجز في نفسي الذي يعوق مسيرة نموّي ويحول دون معرفتك لي على حقيقتي, ودون معرفتك على حقيقتك. يقول الأب جان باول اليسوعي ولوريتا برادي في كتاب "فن التواصل, أنت وأنا والذات الحقيقية: "إن أطول رحلة في الحياة هي تلك التي تؤدي بنا إلى داخل الذات". ويضيفان: "عندما أتحدث إليك عليّ أن أعي أنّ ما أقوله هو "حقيقتي ? أنا" وليس " الحقيقة- المطلقة". ما من إنسان على وجه الأرض يملك الحقيقة كلها. ولكن إذا ما كنّا على استعداد لأن نشارك الآخر في بعض الحقيقة التي لدينا, آنذاك يصبح كل منا على بيّنة أكبر من الحقيقة كلّها". عندما أكون صادقاً في علاقاتي وأقبل مواقف الآخر بإخلاص, آنذاك, أخلع أقنعتي وأُحجِم عن التمثيل فأظهر للآخر على حقيقتي ويتعامل معي هو بشفافية وصدق. النتيجة الحتمية لهذا النهج في التعامل إنّما هي النضج الإنساني. ويوضح الأب جان باول اليسوعي: كل منّا شخص فريد ولغز قد يصعب فهمه. والسر الذي فيك كذاك الذي فيّ ما سبق له أن وُجد. وهو لن يكون في المستقبل أيضاً. فمجموعة الفضائل والمواهب التي فيك ما سبق أن وُجدت من قبل ,إنها فريدة ويعود إليك وحدك قرار إشراك الآخرين فيها... إذا ما قررت أن تحبس هذا الكنز الذي فيك فأنت تحرمني من الشراكة في سرّك الفريد وخبرتك.ويمكنني أن أخفي عنك بدوري الخبرة الفريدة التي نعمت بها. ولكن العكس صحيح. يمكن لكلّ منّا أن يُغني الآخر من خلال الشراكة في ذاته... الإفصاح عن "الذات الحقيقية" للآخر, لا يمكن أن يكون عبئاً على أحد, إنّما هو هدية ثمينة (هدية الحب الحقيقية هي هبة من الذات). إن كل لقاء بين الأشخاص هو تبادل الهدية: هد يتي لك هي " ذاتي-أنا " وهديتك لي هي "ذاتك-أنت", هذا الجزء - الهدية, أصبح في عهدتك فاحْتضنْه بلطف وامتنان, هديتي لك هي أثمن ما لدي, إنها الهبة الحقيقية المجانية الوحيدة التي أملك وأَهَبُك إياها. | ||||
خـاتمة | ||||
"عاملوا الآخرين مثلما تريدون أن يعاملوكم. هذه هي خلاصة الشريعة وتعاليم الأنبياء"(متى7/12). جاء يوحنا المعمدان من البرية إلى جميع نواحي الأردنّ, يدعو الناس إلى معمودية التوبة لتغفر لهم خطاياهم." فسأله الجموع: ماذا نعمل؟ أجابهم: مَن كان له ثوبان فَلْيُعطِ من لا ثوب له... وسأله بعض جباة الضرائب... وقال لهم... وسأله بعض الجنود... فقال لهم..."( لو3/10-13). وأنا ماذا عليّ أن أعمل؟ يجيبني الرب يسوع: "انتبهوا لئلا تنشغل قلوبكم بالخمرة والسُكْر وهموم الدنيا (لو21/34)... أحبب قريبك مثلما تحب نفسك (متى22/34-40) ابتعد عن الغضب والزنى والانتقام وحلف اليمين الباطل, أطلب أولاً ملكوت الله, لا تدين لئلا تُدان وبالكيل الذي تكيل يُكال لك ويُزاد (متى7/1-5). وإن أردت أن تكون عظيماً بين الجمع فكن خادماً لهن (متى20/20), لا تهمل وصية الله وتتمسّك بتقاليد البشر (مر7/8), انتبه إلى ما يخرج من قلبك لأن من قلوب البشر تخرج الأفكار الشريرة (مر7/20-23) ساِلم الآخر، وإن ذهبت مع خصمك إلى الحاكم, فابذل جهدك أن ترضيه في الطريق ( لو12/57). احكم بما هو حق, لا تُحابي وجه أحد وَلْتكن عينك سليمة فيكون جسدك كلّه نيّراً ( لو 11/34). كن صادقاً في كلامك وأفعالك وبالحق. الله يعرف ذاتك, يعرف ما في قلبك ورفيع القدر عند الناس رِجْس عند الله ( لو16/15). إذا حرّرتك, يقول لي يسوع, صرت بالحقيقة حراً (يو8/36). ويقول لي ما قاله لأحد علماء الشريعة:" اذهب أنت واعمل مثله" (لو10/37). | ||||
مراجع البحث, لمن يريد أن يذهب إلى أبعد | ||||
|