جَماعةَ الأَشرارِ أَبغَضتُ و أَهلَ السُّوءَ لم أُجالِسْ ( مز 26 /5)
مقالة في الصلاة و انحرافاتها - الشماس جورج اسكندر
| |||
" الصلاة هي الكلام مع الله كما لو كنا نكلم إنساناً " ( خوري ارس). | |||
مقدمة | |||
الله يحب إلى حد أنه " يخرج من ذاته " وهذا يدعى " انخطافاً " ويتفجر هذا الحب في الخليقة . فالخلق هو الله يقتحم العالم الذي خلق ، هذا الفضاء اللامحدود الذي نظّم ، وحدائق الإنسان الذي أحبّ ، فإن استقبله الإنسان أو تهرب منه ، فالله يبحث عن اللقاء ويلاحقه : " آدم ، أين أنت ؟ - سمعت صوتك في الجنة ? " هكذا تبدأ صلاة الدهور ? يقول كبريال مرسال : " الصلاة هي أن نقبل محبة الله لنا " ، أن نقبل ، أي أن نصغي ونجيب ، أن نعيش حواراً يجب أن ينضج حباً . عندئذ يأتي العهد ، يتكلم الله ويجيب الإنسان . ثم يتكلم الإنسان ويجيب الله ? هذه هي الصلاة . يقف الناس من الصلاة مواقف مختلفة : منهم من لا يصلي أو يصلي قليلاً . ومنهم من لا يؤمنون بالصلاة ويظنون أن أشغالاً أخرى أكثر فائدة من الصلاة تستدعيهم . ومنهم من ينسب إلى الصلاة فعالية سحرية ويصلّون ليحصلوا على جميع رغباتهم المادية . ومنهم من يرغبون في الصلاة إنما يدّعون أنهم لا يستطيعون أو لا يعرفون . وفي جميع الأحوال لا يضع هؤلاء الصلاة موضعها الصحيح وهو السعي وراء الإيمان . والإنسان من جهة ثانية ، مدفوعاً بالفعالية الآنية ، يصلي بلغة الإنتاج البشري . وهو يحكم على ذاته بالا يفهم ، وبالأحرى بألا يعيش حياة صلاة حقيقية . وأخيراً هناك فئة تصلي وتعرف أن تصلي . | |||
المسيح والصلاة | |||
أهم مراحل اقتحام الله لعالمنا ، العلامة الكبرى ، السر الأكبر ، هو يسوع " الكلمة صار بشراً وحلّ بيننا " . المسيح هو سر اللقاء بالله . بما أنه إله ، فهو كلمة الله الكبرى ? الكلمة ? الموجهة إلى الإنسان . وبما إنه إنسان ، فهو جواب الإنسان الأكبر الموجه إلى الله . إنه النعم السامية ، الصلاة الكبرى ، طوال حياته ، على الصليب ، على المذبح ? سر العهد ? الافخارستيا ? هو ، مذّاك ، الحضور الأكبر بيننا لابن الله المتجسد لاجلنا والمائت لاجلنا والقائم من الموت لاجلنا وهو يشفع بنا دائماً ? صلاتنا الكبرى ، الشخصية والجماعية ، هي إذن القداس . فالمسيح يدعونا فيه وينتظرنا ليصلي معنا . إن القديس يوحنا فم الذهب ترجم شعور الكنيسة العميق وشعور المسيحيين الحقيقيين بقوله : " لا شيء أقوى من الصلاة ولا شيء يشبهها . " إن مقدرة الإنسان على مخاطبة الله أكبر دليل على أنه صورة الله . وصلاة المسيحي هي اشتراك في حوار الكلمة الأزلية مع الآب بالروح القدس . هو روح المسيح بالذات الذي يصلي فينا بأنات لا توصف " ( روم 8 /26 ) . والصلاة وحدها تضمن لنا نعمة الثبات في المحبة ، لأن الثبات في الصلاة بالنسبة للرجل الراشد مطلق للسعادة الحقيقية . والصلاة أيضاً تضع الإنسان في احترام عميق واعتراف بحقارته أمام الله القدوس . ولكن في الوقت نفسه ترفع الإنسان فوق كل خليقة لتضعه أمام الخالق وجهاً لوجه . وفي الصلاة يتحدث الإنسان إلى الله . فهي إذاً لقاء مع الله فحوار معه . ما أكثر الناس الذين يجدون أعذاراً لئلا يصلوا ، فأنت لا تقول ، لا حاجة لي لأن أظهر حبي ، حبي لخطيبتي لأنها تعرفه . فلا تقل : لا حاجة إلى التحدث إلى الله لأنه يعرف أني أحبه . وأنت لا تقول أيضاً : ليس لدي الوقت الكافي لأنفرد لحظة بخطيبتي وأتحدث معها عن مستقبلنا . فلماذا تقول ليس لدي دقيقة واحدة للصلاة . وهذا لا يهم ، فإني أقوم بعملي وهذا صلاة أيضاً . إن الحب يتطلب التوقف مجاناً . فإذا كنت تحب فيجيب أن تجد الوقت للحب . فالصلاة هي توقف وهي إعطاء الوقت لله في كل يوم وكل أسبوع . إن الفتاة المخطوبة التي تبدأ رسائل خطيبها إليها تتناقص يوماً بعد يوم تعلم أن حبه لها في خطر . وأنت إذا لم تتحدث يومياً مع الله يصبح حبك له في خطر . إذا لم تعد تصلي فلن تعرف يسوع المسيح ولن تسمعه يحدثك في حياتك . لأنك حتى تراه وتفهمه ، يجب أن تنظر إليه وتصغي إليه في مواعيد يومية . والصلاة : هي الالتفات إلى الله ، فإذا لم تصلِ فإنك تلتفت إلى نفسك . والصلاة هي الاتصال بالله . فإذا لم تصلي تبقى وحدك . وبما أن الإنسان بحاجة إلى إله فإنك تقف بجانب الإله . وإذا عشت وحدك بعيداً عن الله ، فإنك تعيش بدونه . وإذا عشت بدون الله فإنك تنساه ببطء . وإذا نسيت الله تنتهي بنكران وجوده . | |||
لأية غاية كان يسوع يصلي ؟ | |||
مم يتألف هذا الحوار بين الآب والابن والروح القدس ؟ - يصلي يسوع أولاً لينير طريق رسالته ويوجهها : إلى أين أرسله أبوه ؟ " وفي الليل المظلم يصلي في مكان قفر " . - يصلي يسوع لاجل رسله ، لاجل كنيسته الفتيّة : " سمعان ، سمعان ، صليت لاجلك كيلا يزول إيمانك " ( لو 22/ 31 ? 32 ) . - يصلي يسوع لكي يشكر أباه : " فتهلل بالروح القدس وقال : أشكرك يا أبي ، يا سيد السماء والأرض لأنك أخفيت سرك عن الحكماء والفهماء وأظهرته للأطفال . نعم يا أبت ، هكذا كانت المشيئة أمامك " ( لو 10 / 21 ) . - يصلي يسوع لينال الشجاعة على حمل الصليب ، وفقاً لمشيئة الآب " فسقط أرضاً وراح يصلي : يا أبت ، لا كمشيئتي ، لكن كمشيئتك " ( متى 26 / 39 ) . - يصلي يسوع لكي ينال خلاصه ، أي قيامته ، وقيامتنا . ليلة خميس الأسرار : " رفع يسوع عينيه إلى السماء وقال : يا أبت ، قد أتت الساعة ، مجّد ابنك ليمجدك ابنك بما أعطيته من سلطان على جميع البشر حتى يهب الحياة الأبدية لمن وهبتهم له " ( يو 17 / 1 ? 2 ) . | |||
كيف نصلي ؟ | |||
لو تأملنا حقيقة في صلاتنا لرأيناها بعيدة عن روح الإنجيل . فبالواقع غالباً ما تكون صلاتنا تجارة مع الله ، نريد أن نكسب بالصلاة شيئاً مادياً . وكثيراً ما تكون صلاتنا طلباً . بينما هي في الحقيقة مثول مجاني أمام الله " أبانا الذي في السماوات ليتقدس اسمك ? " وغالباً ما نفهم صلاتنا أخذاً مع أنها تقدمة أيضاً . هي تقدمة حياتنا ونفوسنا كلها وتقدمة حياة العالم . وإذا حدث لنا أن لا نصلي لنحصل على شيء على الأقل فإننا نصر على تسجيل بعض الرضى الحسي . وهنا يخيب ظننا وإحساسنا فنترك كل جهد ، ونقول : لم يعطني شيئاً ? وأشعر بأنني " أتحدث في الفراغ . ولم أحس به ? " عندما نصلي لا نشعر بشيء إلا بنعمة خاصة لأن كل شعور يأتي من الحواس والواقع فالصلاة هي حضور أمام شخص لا يقع تحت الحواس أو الاحتكاك المادي . ولهذا لا نستطيع أن نصلي حقيقة طالما ننتظر من الصلاة بعض اللذة . فالصلاة غالباً ما تكون الرضى بالانزعاج أمام الله . فعندما يسحقك التعب ، وترهقك المسؤوليات والهموم ، ويغمرك العمل ، ويأتي إليك الآخرون من كل صوب عندئذٍ يلزمك التوقف والتجرد تماماً أمام الله وتقبل بالعجز البشري أمام الله . عندئذٍ تشعر بأن إضاعة وقتك هدراً في حضرته تعالى هي فعل إيمان ومحبة وسجود . وهذا هو أساس الصلاة . يجب أن تريد الصلاة ، لأن الرغبة في الصلاة ، صلاة . فحاول أن تكون حاضراً أمام الله ، حاول أن تبقى أمامه الوقت الذي قررته ولا تقل أبداً " لا أستطيع الصلاة ولا أعرف أن أصلي " لأن قبول محاولة الصلاة هي صلاة ، وقيمة صلاتك هي في الجهد الذي تطلبه منك الصلاة ، أما بالنسبة لله فقيمتها في عمل الروح القدس فيك. | |||
الصلاة مستجابة | |||
هذه حقيقة أكدها لنا المسيح عندما قال : " اطلبوا تجدوا اقرعوا يُفتح لكم ، كل ما تطلبونه باسمي تنالونه ? حتى الآن لم تسألوا باسمي شيئاً " . ومع هذا فأنت تصلي دون أن تلمس جواباً ، وتتذمر كثيراً من أن صلاتك لم تستجب ، فلأنك قلبت الأدوار ، إذ تطلب من الله أن يحقق إرادتك ويتمم مخططك ، ويضع نفسه في خدمتك . بينما الصلاة هي على عكس ذلك تماماً ، هي الطلب من الله أن يتمم أرادته ويحقق مخططه وتضع نفسك تماماً في خدمته . لا يطلب منك أن تغيّر الله وأن تأمر الله ، بل أن تتغيّر أنت وترتبط فيه وتخضع لإلهاماته . إذا أردت الاستماع إلى الموسيقى من الراديو ، يجب أن تفتحه أولاً ثم تفتش عن المحطة والموجة المطلوبتين . وإذا أردت أن تحتك بالله يجب أن تصلي ، أي أن تضع نفسك تحت تصرفه وتتركه ينقل إليك نعمته ومحبته ، وهو يعطيك ما يراه خيراً لك . أنت لا تستنكر جمال هدية تهديها إلى من تحب . كذلك الله إن حبه لا متناه ، لذا لا يستطيع أن يحدّ هديته لك على الأشياء الأرضية ، فهو يعطي ذاته فلا يحق لك أن تطلب من الله : أن يجعلك تربح ورقة يانصيب أو أن تنجح في امتحانك وأن يزداد دخلك ، إلا إذا أضفت قائلاً : " إذا رأيت يا إلهي فيه مجدك وازدياد حبي لك ولقريبي " . ثم ثق بالله وأعلم أنه لا يريد إلا خيرك وصلاحك وأعلم أنه ، إن لم يلبِ رغبتك ، فإن حبه يجيبك وإنما بطريقة مختلفة . إن الله لا يعطي إلا إذا طلبت منه لأنه يحترم كثيراً حريتك . | |||
أنواع الصلاة | |||
هناك عدة أنواع وطرق للصلاة . 1- صلاة طلب : هي ضرورية للحصول على الخلاص الأبدي . ويجب أن تشمل هذه الصلاة تلك التي علمنا إياها يسوع المسيح " اغفر لنا ذنوبنا وخطايانا ، كما نحن نغفر لمن أساء إلينا ? " يجب أن نطلب من الله ، بالإضافة إلى نعمته ، عفوه ، في صلاة ندامة وتكفير . وعلينا أن نصلي لأجل خلاص القريب ، وهو في خطر الموت وخاصة إذا كان في خطر الانزلاق في الخطيئة ، ونصلي من أجل موتانا . 2- الصلاة الشفهية : نعبّر عنها بالكلام الذي نلفظه . ولكي تكون هذه الصلاة صالحة يجب ، على الأقل ، أن نوقظ فينا الصلاة العقلية أي اللقاء مع الله . ليس لهذه الصلاة نمط معين ، وإنما المهم هو التعبير عنها بأساليب مختلفة حسب حالة الفرد الشخصية . اقترح على عدة فنانين رسم لوحة لمنظر واحد ، فجاء المنظر واحداً إنما مختلف الأطراف من فنان لآخر . ولاحظ عدة أزواج أن تعبيرهم عن الحب يختلف من عائلة إلى أخرى . وهكذا أشكال الصلاة ، فإنها تختلف من إنسان إلى آخر ، باختلاف الثقافة والسن والطباع . فلا تحتقر شكلاً من هذه الأشكال ، فكلها مقبولة أمام الله ، شرط أن لا ننسى الهدف ، فأنت تخطئ بكل كيانك وتحب بكل كيانك ، فينبغي أن تصلي بكل كيانك . فاجعل جسدك يصلي واترك نفسك تصلي واترك الروح القدس يعمل فيك . 3- الصلاة الجمهورية : ( هي صلاة الجماعة المؤمنة في الكنيسة ? الذبيحة ) . إن أكبر فرح وسرور يستطيع أبناء العائلة الواحدة أن يقدموه لأبيهم هو أن يجتمعوا معاً ويعيّدوه . هكذا هي الصلاة الجمهورية والصلاة الطقسية ، فهي ليست طريقة اختيارية بل تعبير طبيعي بالنسبة لأبناء الله الملتزمين بنفس الحب . كل صلاة حقيقية يجب أن تكون شخصية وجماعية معاً . يمكن أن تكون منفردة أو في جماعة ، وهذان الشكلان من الصلاة متكاملان . لا ينبغي للإنسان أن يذوب في جماعة ولا أن ينقطع عنها . فعليه أن يصلي في قلبه ، وفي صمته ، وفي غرفته ، بأسلوبه وحسب حاجته : " إذا أردت أن تصلي أدخل إلى مخدعك وأغلق بابك عليك وصل لأبيك سراً ? " ( متى 6/6 ) . ولكن لا ينسى أنه من واجبه العودة إلى الجماعة لينضم إليها في الصلاة فيستند إليهم ويسندهم : " إذا أجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فأنا أكون بينهم " ( متى 18/20 ) . إذا أهملنا كل صلاة فردية ، تصبح الصلاة الجماعية سريعاً خارجية عنا ، آلية ، وفي كل الأحوال غير شخصية . وإذا فعلنا العكس ، أي إذا أهملنا الصلاة الجمهورية ، تصبح الصلاة الفردية ، وقد عُزلت عن كل صلاة جماعية ، ضيقة أنانية . ففي داخل جماعة كنسية يجب أن تعلم من جديد ، وبدون انقطاع الطريقة الحقيقية للصلاة . 4- صلاة تأمل : وأخيراً كلما تعمق الحب ، قلّت الحاجة إلى التعبير عنه بالحركات والكلام ، وظهرت الحاجة إلى الصمت، والصلاة تتبسط . إن صلاتك لا تكون أقل قيمة إذ تشعر برغبة إلى الكلام ? بل بالعكس ? تكون صلاتك أقوى إذا شعرت بالرغبة إلى النظر والتأمل والحب بصمت . | |||
أوهام الصلاة | |||
لنزيل كل ما يشوّه الصلاة ، كثيرة هي الصلوات المشوّهة ، للإله المشوّه ، الصلوات الكاذبة لإله كاذب . 1- الصلاة السحرية : أطباء مشعوذون يجمعون الأموال من جرّاء الإيمان بالخرافات يقولون لك : يكفي أن تردد عشر مرات أو خمسين مرة أو مئة صلاة سحرية فيذوب السرطان كالسمنة على النار . كثيرون هم المسيحيون الذين يتقدمون من الله أو من العذراء كمن موزّع أوتوماتيكي وجد لخدمة حاجاتهم ونزواتهم . يردّدون صلاة ، يقومون بتساعية وينتظرون الأعجوبة التي يجب أن تحدث بسرعة . وإن لم تحدث اضطرموا غيظاً وتركوا الله ? إلى المرة القادمة . كلا الله ، الإله الحقيقي ليس " خاتم علاء الدين " ، كما أنه لا وجود " لعبارات فعّالة " . 2- سلاسل من الصلوات : تصلك رسالة تأمرك بان تردد صلاة معينة عدّة مرات وأن تكتبها عدّة مرات وتوزعها على عدة أشخاص . وهكذا تتساقط عليك العجائب . فإن رفضت أن تصلي أو قطعت السلسلة ، انهالت عليك الضربات بغزارة ? هذه الحماقات ، هل تستحق التوقف عندها ؟ أقطع هذه السلاسل وأرم بهذه الصلوات الكاذبة في النار ? 3- الشموع المصلية : القناديل وإن كهربائية وإلكترونية ، والشموع مهما كانت كبيرة ، فهي ليست صلاة في حدّ ذاتها ، الإنسان وحده يصلي . لا شك في أن النفس المصلية ذات الإيمان الصحيح والمتزن تستطيع أن تعبّر عن طلبتها بواسطة شمعة . فالعذراء وابنها يبتسمان لها ، وليس فقط تاجر الشموع . لكن كل هذه الشموع ، من دون نفوس مصلية ؟ كل هذه القناديل ? في غياب الأنوار الحية ، أنوار الإيمان المشع ؟ تودّون أن تصلوا بين الأنوار ؟ ادفئوا بالأحرى أجساد وقلوب الشيوخ والفقراء والمنبوذين " فالديانة الطاهرة النقية عند الله أبينا هي أن يعتني الإنسان بالأيتام والأرامل في ضيقتهم " ( يع 1/27 ) . 4- الصلاة الثرثرة : ترداد العبارات واختيار الكلمات الطويلة وعدّ الصفحات المطوية وتحريك الشفاه حيث تضيع النصوص وتتدافع وغالباً ما تتشوّه ، كل هذا يذكرنا بما يأخذ الرب على اليهود : " هذا الشعب يكرمني بشفتيه أما قلبه فبعيد عنّي " ( اش 29/13 ) . ويقول يسوع : " لا تثرثروا في صلواتكم كالوثنيين ، فإنهم يتصورون أنه لكثرة كلامهم يستجاب لهم فلا تعملوا مثلهم " ( متى 6 / 7 ? 8 ) ، " ليس من يقول : يا رب ، يا رب ، يدخل ملكوت السماوات ، بل من يصنع إرادة أبي الذي في السماوات " ( متى 7/21 ) . 5- الصلاة إلى جوبيتر : يشق البرق حجب الليل ويندلع الرعد بقوة : فنسرع إلى النذر . يقترب الفحص : نعترف ونتناول على عجل ، لكي ننجح ، كما لو كان الله جوبيتر ، يرعد ويدير العالم وهو مستعد لأن ينزل أو أن يحبس المطر أو أن يرسل الطقس الجميل ، الحياة أو الموت ، الصحة أو المرض ، الشهادة أو الرسوب تبعاً لنزوات غضبه أو حبّه . 6- الصلاة التجارية : إن نجحت قضيتنا يا رب ، نقدم لك ? أي : الويل لك إن لم تنجح القضية ? مع أنني أعطيت الكاهن حسنة قداس لكي يكون الطقس جميلاً ويصحو يوم زفاف ابنتي ? صليت كثيراً لكي يحبني ، فلم يحب سوى فلانة ? إذاً لن اصلي بعد اليوم ? إله هؤلاء الناس الكاذب هو إله تاجر جالس وراء مكتبه . بما أنني اشتري، فما عليه إلا أن يسلم البضاعة ، أعطِ تعطَ . شريعة العرض والطلب والسعر العادل . ألم أدفع ما عليّ ؟ ليس الله متجر سعر محدود . إذا أردت أن تقدم لله تقدمة ، عربون طلب أو شكر ، فافعل ذلك قبل أن تعرف النتيجة ، مرفقاً ذلك بصلاة : " كما تريد أنت وبالوقت الذي تريد وبالسبل التي تريدها ? " 7- الصلاة الأنانية : كل الانحرافات وخيبات الأمل في الصلاة تعود إلى ما يلي : نعتبرها وصفة طبّية لسعادتنا الصغرى . بينما الإله الحقيقي هو محبة ? محبة الآخرين وهو يعد لنا السعادة ، سعادته الأبدية . كتب الكاردينال سالياج بهذا الصدد : نحن نميل إلى أن نجعل من الصلاة آلة وسيلة للهروب من نتائج أعمالنا ، لتخفيف الألم ، لاتقاء مصيبة . نطلب الشفاء لا الصبر ، نطلب الغنى لا الشجاعة . نطلب السلام لا المحبة . نطلب من الله عجائب تساعدنا على الكسل واللامبالاة وعلى تبرير أخطائنا . والله لا يجترح عجائب من هذا النوع ? عبثاً نضاعف الزيارات التقوّية والاحتفالات ، فلن يستجاب لنا طلب ، إن لم نبدأ ونطلب ارتدادنا ? هل صليتم لتتغلبوا على نزعاتكم وبخاصة على البغض واحتقار القريب ؟ هل صليتم لتتجنبوا الافتراءات والنميمة ؟ باختصار ، هل صليتم لتكونوا مسيحيين ومسيحيات أفضل ؟ 8- حبس القديس انطونيوس البدواني : " ساحبسك في الخزانة حتى توجد لي ما أضعت ? " غالباً ما نسمع هذه العبارات ، بهذه العبارات نكون قد حكمنا عليه بالسجن المؤبد ، وذلك لكثرة الأشياء الضائعة . لما لا نحرره ونطلب منه التفكير والإلهام ، ألا ترون أنه يعمل محرراً أكثر منه محبوساً ؟ | |||
صلوا لتصيروا مسيحيين أفضل | |||
هذا مفتاح السر ، الكلمة النهائية . الله أب ، أبونا ، يقول يسوع : " إذا صليتم ، قولوا أبانا ? " عناية هذا الأب تلبس زنابق الحقل وتقوت طير السماء ، فبالأحرى أن تهتم بالإنسان ، ابن الله ، وبكل شعرة من رأسه . لكن هذه العناية تسعى وراء هدف واحد : تمجيد الابن النهائي ومعه كل جسده السري المسيحيون . ليست العناية إذاً ، كما يظن العديد من المصلين ، تسهيل الطريق وإقصاء الصعوبات من حياتنا ، ومنع السلاح من أن يكون فتّاكاً ، والجراثيم من أن تهدم صحتنا ، والطيارات من أن تسقط ، والبركان من أن تقذف الحمم ، ومحفظة النقود من أن تنزلق خارج الجيب المثقوب ، والشمس من أن تطلع ، والمطر من أن ينزل . الغاية هي سعادتنا الأبدية عوضاً عن الحياة الصغيرة الناعمة التي نشتهيها كلّ بمفرده . ليست غاية الصلاة إذاً أن نحمل الله على العمل بإرادتنا ، بل أن نعمل نحن بإرادته : " إذا صليتم فهكذا قولوا : أبانا ، ليأت ملكوتك ، لتكن مشيئتك ? " تقول الكنيسة في إحدى صلواتها : يا رب ، بحنانك ، أصغ إلى صلواتنا ، ولكي تستجيب طلباتنا ، اجعلنا نطلب ما يلذ لك . ما عدا ذلك ، كل صلاة وهم هي ، وذلك لأن الله يحبنا . | |||
فلنؤمن ? ومن ثمّ نصلي | |||
إنني أسمع الاعتراضات تتوالى : لا وقت لدي للصلاة . لا اعرف كيف أصلي . لا أستطيع . أنا شارد الذهن ? يا من قبلت عماد المحبة ، هل كرّست قليلاً من الوقت فتساءلت : من أنا ؟ هل قررت يوماً أن تقضي بعض الوقت في الصلاة ؟ ? | |||
الله يعلم سلفاً كل ما يلزمنا | |||
يقول لنا يسوع : إن أباكم عالمٌ بكل ما تحتاجون قبل أن تسألوه " ( متى 6/8 ) . هذا أكيد وأفضل مما نعلم نحن ? لذا فالغاية من صلاتنا ليست إعلام الله بل فتح قلوبنا . ذلك لا يعني أن الآب والابن والروح القدس لا يعلمون ما في قلوبنا ، لكن قلبنا يستنير عندما نفتحه تماماً كما نفتح نوافذ الغرفة . فيتغيّر للحال وبخاصة عندما ينفتح لله . وعي هذه الرغبة يصبح صرخة ، يصبح حرية . وعندما تستفيق الحرية ، يكون الله دائماً حاضراً ليمد لها يده . " اطلبوا تعطوا ، اسألوا تجدوا اقرعوا يفتح لكم ? لأن من يطلب يعطى ومن يسأل يجد ومن يقرع يفتح له " ( متى 7/7 -8 ، لو 11/9 ? 10 ) . بهذه الوصايا الحنونة يقرع الله بابي ، يحترم حريتي كل الاحترام وينتظر دعائي . يترقب صراخي لكي يأتي إلى نصرتي " يا رب إليك صرخت أسرع إليّ " . إذا صليت اترك إرادة الله تمكث فيك وتحل محل إرادتك ? أترك محبة الله تغمرك عوض حبك لذاتك ? وأن يتحقق بواسطتك مخطط الله وحبه ، في البشر ? |