إِحتَرِزْ لِقَدَمَيكَ إِذا أَقبَلتَ إِلى بَيتِ الله فإِنَّ الاْقترابَ لِلاْستماع خَيرٌ مِن تَقْديمِ ذَبيحَةِ الجُهَّال الَّذينَ لا يَعرِفونَ أنهم يَصنَعونَ الشَّرّ (جا 4 /17)
هل إسرائيل هي شعب الله المختار ؟!! - لنيافة الأنبا رافائيل
همسات روحية
لنيافة الأنبا رافائيل
هل إسرائيل هي شعب الله المختار؟!!
بعد الأحداث الأخيرة التي تعاني منها منطقتنا في الشرق الأوسط، وبالأخص على أرض فلسطين.. بدأت تساؤلات ترد على أذهان الشباب:
- هل إسرائيل هي شعب الله المختار؟
- هل وعود الله لإسرائيل في العهد القديم لا زالت سارية المفعول؟
- هل يرتبط مجيء السيد المسيح الثاني ببناء هيكل سليمان؟
- وهل سيخلص إسرائيل؟
دعونا نفحص معًا فكر الإنجيل من جهة هذا الأمر:
(1) شعب الله المختار:
كان إسرائيل هو الشعب الوحيد الذي يعبد الله، وبقية الشعوب كانت تعبد الأوثان. كان "لهُمُ التَّبَني والمَجدُ والعُهودُ والاِشتِراعُ والعِبادَةُ والمَواعيدُ" (رو9: 4).
من هذا المنظور كانوا شعب الله المختار، والآن لم يعد الأمر هكذا لأن شعوب كثيرة صارت تعبد الله وتعرفه، وهذا الشعب "صُلبُ الرَّقَبَةِ" (خر32: 9). في أعز أيامه كان مُخالف لله، ومتعبًا له "لم تشتَرِ لي بفِضَّةٍ قَصَبًا، وبشَحمِ ذَبائحِكَ لم تُروِني. لكن استَخدَمتَني بخطاياكَ وأتعَبتَني بآثامِكَ" (إش43: 24).
لقد اختاره الله وجعله متميزًا عن جميع الشعوب، ولكنه لم يكن كفؤًا لهذا الاختيار "الثَّوْرُ يَعرِفُ قانيَهُ والحِمارُ مِعلَفَ صاحِبِهِ، أمّا إسرائيلُ فلا يَعرِفُ. شَعبي لا يَفهَمُ" (إش1: 3).
طوال التاريخ المقدس لم يكن إسرائيل يعرف الرب إلاَّ إلى فترات قليلة. فيتكلم سفر القضاة عن الجيل المعاصر ليشوع بن نون والجيل الذي يليه قائلاً: "وعَبَدَ الشَّعبُ الرَّبَّ كُلَّ أيّامِ يَشوعَ.... وقامَ بَعدَهُمْ جيلٌ آخَرُ لم يَعرِفِ الرَّبَّ، ولا العَمَلَ الذي عَمِلَ لإسرائيلَ. وفَعَلَ بَنو إسرائيلَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّب وعَبَدوا البَعليمَ. وترَكوا الرَّبَّ إلهَ آبائهِمِ الذي أخرَجَهُمْ مِنْ أرضِ مِصرَ، وساروا وراءَ آلِهَةٍ أُخرَى مِنْ آلِهَةِ الشُّعوبِ الذينَ حولهُمْ، وسجَدوا لها وأغاظوا الرَّبَّ. ترَكوا الرَّبَّ وعَبَدوا البَعلَ وعَشتاروثَ. فحَميَ غَضَبُ الرَّب علَى إسرائيلَ، فدَفَعَهُمْ بأيدي ناهِبينَ نَهَبوهُمْ، وباعَهُمْ بيَدِ أعدائهِمْ حولهُمْ، ولم يَقدِروا بَعدُ علَى الوُقوفِ أمامَ أعدائهِمْ. حَيثُما خرجوا كانَتْ يَدُ الرَّب علَيهِمْ للشَّر.... ولقُضاتِهِمْ أيضًا لم يَسمَعوا، بل زَنَوْا وراءَ آلِهَةٍ أُخرَى وسجَدوا لها. حادوا سريعًا عن الطريقِ التي سارَ بها آباؤُهُمْ لسَمعِ وصايا الرَّب، لم يَفعَلوا هكذا (قض: 2: 7-17).
واستمر إسرائيل في هذا الجحود بطول التاريخ، لذلك أسلمهم الله إلى السبي والتشتيت لعلهم يتأدبون، ولكن هيهات.. فهم شعب "صلب الرقبة" شهد ضدهم إيليا قائلاً: "يارَبُّ، قَتَلوا أنبياءَكَ وهَدَموا مَذابِحَكَ، وبَقيتُ أنا وحدي، وهُم يَطلُبونَ نَفسي!" (رو11: 3)، كما هو مكتوب: "أعطاهم الله روح سبات وعيونًا حتى لا يبصروا وآذانًا حتى لا يسمعوا لله في هذا اليوم".
وداود يقول: "... لتَصِرْ مائدَتُهُمْ فخًّا وقَنَصًا وعَثرَةً ومُجازاةً لهُمْ. لتُظلِمْ أعيُنُهُمْ كيْ لا يُبصِروا، ولتَحنِ ظُهورَهُمْ في كُل حينٍ" (رو11: 8-10).
كيف إذًا لهذا الشعب العنيد الذي يشهد ضده أنبياؤه.. كيف لهم أن يدَّعوا أنهم شعب الله المختار؟
حتى إذا سلّمنا أن الله اختارهم من دون الشعوب ليكون خاصة له.. لكنهم لم يحافظوا على هذا الاختيار وهذه الدعوة المقدسة. وهذا ما ينصحنا به مُعلِّمنا بطرس الرسول: "لذلكَ بالأكثَرِ اجتَهِدوا أيُّها الإخوَةُ أنْ تجعَلوا دَعوَتَكُمْ واختيارَكُمْ ثابِتَينِ. لأنَّكُمْ إذا فعَلتُمْ ذلكَ، لن تزِلّوا أبدًا" (2بط1: 10).
وإن كان الأمر هكذا في العهد القديم فماذا يكون بعد صلب المسيح؟ وماذا بعد رفضهم للمسيح الذي "إلَى خاصَّتِهِ جاءَ، وخاصَّتُهُ لم تقبَلهُ" (يو1: 11).
(2) هل وعود الله لإسرائيل في العهد القديم لازالت سارية المفعول؟
لقد وبخهم السيد المسيح كثيرًا لعدم إيمانهم. وانتهى عهده بهم بهذه اللعنة "هوذا بَيتُكُمْ يُترَكُ لكُمْ خَرابًا" (مت23: 38).
لقد لعن السيد المسيح التينة غير المثمرة ? وكان يقصد الأمة اليهودية ? قائلاً: "لا يأكُلْ أحَدٌ مِنكِ ثَمَرًا بَعدُ إلَى الأبدِ!" (مر11 :14).
وهذا ما سبق وأنبأ به يوحنا السابق قائلاً: "والآنَ قد وُضِعَتِ الفأسُ علَى أصلِ الشَّجَرِ، فكُلُّ شَجَرَةٍ لا تصنَعُ ثَمَرًا جَيدًا تُقطَعُ وتُلقَى في النّارِ" (مت3: 10).
أما من جهة الهيكل، فقد تكلّم عنه السيد المسيح بالخراب قائلاً: "أما تنظُرونَ جميعَ هذِهِ؟ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنَّهُ لا يُترَكُ ههنا حَجَرٌ علَى حَجَرٍ لا يُنقَضُ!" (مت24: 2).
وقد سأله التلاميذ عقب هذا التصريح الخطير قائلين: "قُلْ لَنا مَتَى يكونُ هذا؟" (مت24: 3). فأعطاهم العلامات وختمها بقوله: "الحَقَّ أقولُ لكُمْ: لا يَمضي هذا الجيلُ حتَّى يكونَ هذا كُلُّهُ" (مت24: 34).
وهذا ما تحقق بالفعل، إذ هجم القائد الروماني على المدينة المُقدَّسة سنة 70م، وهدمها وهدم الهيكل وخرب المكان وقتل اليهود، ولم تعد لهم قائمة منذ ذلك التاريخ حتى تجمعوا مرة أخرى سنة 1948 بعد وعد بلفور بإقامة دولة قومية لليهود في فلسطين.
- لقد مزق رئيس الكهنة ثيابه (مت26: 65)، مُعلنًا بذلك انتزاع الكهنوت من الأمة اليهودية.
- وانشق حجاب الهيكل إلى اثنين من فوق إلى أسفل (مت27: 51)، معلنًا انتهاء العبادة اليهودية.
- وطرد السيد المسيح الباعة من الهيكل معلنًا انتهاء عصر الذبائح الدموية.. لم تعد هناك حاجة إلى بقرة وماعز وحمام ويمام، بل "دَمُ يَسوعَ المَسيحِ ابنِهِ يُطَهرُنا مِنْ كُل خَطيَّةٍ" (1يو1: 7).
لقد انتهى عصر اليهود وجاء عصر المسيحيين، وهذا ما عبَّر عنه مُعلمنا بولس وبرنابا قائلين: "كانَ يَجِبُ أنْ تُكلَّموا أنتُمْ أوَّلاً بكلِمَةِ اللهِ، ولكن إذ دَفَعتُموها عنكُمْ، وحَكَمتُمْ أنَّكُمْ غَيرُ مُستَحِقينَ للحياةِ الأبديَّةِ، هوذا نتوَجَّهُ إلَى الأُمَمِ" (أع13: 46).
ومرة أخرى:
& "وإذ كانوا يُقاوِمونَ ويُجَدفونَ نَفَضَ (بولس) ثيابَهُ وقالَ لهُمْ: دَمُكُمْ علَى رؤوسِكُمْ! أنا بَريءٌ. مِنَ الآنَ أذهَبُ إلَى الأُمَمِ" (أع18: 6).
& "فليَكُنْ مَعلومًا عِندَكُمْ أنَّ خَلاصَ اللهِ قد أُرسِلَ إلَى الأُمَمِ، وهُم سيَسمَعونَ!" (أع28: 28).
(3) هل يرتبط مجيء المسيح الثاني ببناء هيكل سليمان؟
لقد أعطى مُعلمنا بولس الرسول علامة لمجيء المسيح هي: "لا يأتي إنْ لم يأتِ الاِرتِدادُ أوَّلاً، ويُستَعلَنْ إنسانُ الخَطيَّةِ، ابنُ الهَلاكِ، المُقاوِمُ والمُرتَفِعُ علَى كُل ما يُدعَى إلهًا أو مَعبودًا، حتَّى إنَّهُ يَجلِسُ في هيكلِ اللهِ كإلهٍ، مُظهِرًا نَفسَهُ أنَّهُ إلهٌ" (2تس2: 3-4).
هذا المقاوم سيجلس في هيكل الله ويظهر نفسه كإله، كثيرون يفهمون هذا الهيكل على إنه هيكل سليمان، وبناء عليه يتوقعون حتمية بناء الهيكل حتى يجلس فيه الضِد للمسيح، ذلك كله يجيء قبل مجيء المسيح الثاني.
ولكن دعنا ? بقليل من التأمل فيما كُتب في العنصر السابق ? نفهم أن هيكل الله لم يعد هيكل سليمان، بل هو الهيكل المسيحي، وهو كل قلب يصير هيكلاً للرب.. لماذا ? بروح يهودية ? نقصد هيكل الله على هيكل سليمان فقط.. هل سنرجع ليصير الله لليهود فقط؟
إن ضِد المسيح سيجلس في أي هيكل لله، وفي أي قلب كان قد تكرس للمسيح ولكنه انحرف.. سيجلس ويملك على كنيسة لا تسير في خط الإيمان الصحيح والتقوى والأمانة للمسيح، سيجلس ويملك على كل قلب يخضع له ويؤمن بمبادئه، ويجعله إلهًا له.
إذًا مجلس المسيح الثاني لا يرتبط من بعيد أو قريب بإعادة بناء الهيكل.. فما هو وزن اليهود الآن في خطة الخلاص بعد أن رفضوا الله وصلبوه معترفين "دَمُهُ علَينا وعلَى أولادِنا" (مت27: 25).
(4) هل سيخلص إسرائيل؟
لقد تكلم مُعلمنا بولس الرسول عن هذا الأمر بوضوح قائلاً: "وهكذا سيَخلُصُ جميعُ إسرائيلَ. كما هو مَكتوبٌ: سيَخرُجُ مِنْ صِهيَوْنَ المُنقِذُ ويَرُدُّ الفُجورَ عن يعقوبَ" (رو11: 26).
إذًا سيخلص إسرائيل ولكن كيف؟ هل وهم بعد يهود وإسرائيليون؟ وكيف وقد قيل عن السيد المسيح: "ليس بأحَدٍ غَيرِهِ الخَلاصُ. لأنْ ليس اسمٌ آخَرُ تحتَ السماءِ، قد أُعطيَ بَينَ الناسِ، بهِ يَنبَغي أنْ نَخلُصَ" (أع4: 12). إن المسيح وحده هو المُخلِّص.. "لأنَّهُ يُخَلصُ شَعبَهُ مِنْ خطاياهُمْ" (مت1: 21).
فإسرائيل سيخلص إن قبل المسيح وآمن به واعتمد.. "مَنْ آمَنَ واعتَمَدَ خَلَصَ، ومَنْ لم يؤمِنْ يُدَنْ" (مر16: 16).
وهذا ما شرحه السيد المسيح لنيقوديموس مُعلِّم اليهود قائلاً:
& "الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكَ: إنْ كانَ أحَدٌ لا يولَدُ مِنْ فوقُ لا يَقدِرُ أنْ يَرَى ملكوتَ اللهِ" (يو3: 3).
& "لأنَّهُ هكذا أحَبَّ اللهُ العالَمَ حتَّى بَذَلَ ابنَهُ الوَحيدَ، لكَيْ لا يَهلِكَ كُلُّ مَنْ يؤمِنُ بهِ، بل تكونُ لهُ الحياةُ الأبديَّةُ" (يو3: 16).
إذًا..
& "لم يَرفُضِ اللهُ شَعبَهُ الذي سبَقَ فعَرَفَهُ" (رو11: 2).
& "فأقولُ: ألَعَلَّهُمْ عَثَروا لكَيْ يَسقُطوا؟ حاشا! بل بزَلَّتِهِمْ صارَ الخَلاصُ للأُمَمِ لإغارَتِهِمْ (اليهود). فإنْ كانَتْ زَلَّتُهُمْ غِنًى للعالَمِ، ونُقصانُهُمْ غِنىً للأُمَمِ، فكمْ بالحَري مِلؤُهُمْ؟" (رو11: 11-12).
& "وهُمْ إنْ لم يَثبُتوا في عَدَمِ الإيمانِ سيُطَعَّمونَ" (رو11: 23).
& "... أنَّ القَساوَةَ قد حَصَلَتْ جُزئيًّا لإسرائيلَ إلَى أنْ يَدخُلَ مِلؤُ الأُمَمِ، وهكذا سيَخلُصُ جميعُ إسرائيل"َ (رو11: 25-26).
إن الباب مفتوح أمام إسرائيل ليخلص لكن الباب هو المسيح. ولا يمكن أن نصدق أن إسرائيل بما هي عليه الآن يمكن أن تخلص أو أن تكون شعب الله المختار أو أن تتمتع بوعود الله وعهوده للآباء.
حقًا "لأنَّ هِباتِ اللهِ ودَعوَتَهُ هي بلا نَدامَةٍ" (رو11: 29). ولكن هذه الهبات والدعوة تنتظر الآن عودة جماعية إلى معرفة الله وقبول المسيا الذي رفضوه وصلبوه فيصير لهم خلاص به وحده