همسات روحية<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" />
لنيافة الأنبا رافائيل
مملوء من الروح القدس وحكمة
فيما تحتفل الكنيسة بتذكار الشهداء الأطهار، دعونا نتوقف قليلاً عند أول الشهداء لنتعلم من حياته وشخصيته، فنأخذ دروسًا لحياتنا وسلوكياتنا كشباب مسيحي.
إنه استفانوس أول الشمامسة وأول الشهداء. لقد قيل عنه في سفر الأعمال أنه كان "رَجُلاً مَملوًّا مِنَ الإيمانِ والرّوحِ القُدُسِ" (أع6: 5).
(1) مملوء من الروح القدس (أع6: 5):
لقد كان الشرط الأساسي لاختيار الشمامسة أن يكونوا "مَشهودًا لهُمْ ومَملوينَ مِنَ الرّوحِ القُدُسِ وحِكمَةٍ" (أع6: 3).
والمملوء بالروح القدس هو شخص مطيع لعمل الروح، كمثل عجينة لينة في يديّ الخزاف، يُشكل فيه صورة المسيح، وهذا ما رأيناه في القديس استفانوس، إذ كانت شهادته كمثل المسيح في الخدمة والوعظ ومواجهة المنحرفين وتوبيخهم بقوة، وأيضًا كانت شهادته كمثل المسيح حيث غفر لراجميه كما غفر السيد لصالبيه.
إن خدمة استفانوس كانت خدمة بسيطة، هي خدمة الموائد.. "فدَعا الاِثنا عشَرَ جُمهورَ التلاميذِ وقالوا: لا يُرضي أنْ نَترُكَ نَحنُ كلِمَةَ اللهِ ونَخدِمَ مَوائدَ" (أع6: 2)، فقد تفرغ الرسل لخدمة الكلمة والكرازة والتعليم، وتركوا لاستفانوس هذه الخدمة المتواضعة (خدمة الموائد)، ولكنها أيضًا كانت تحتاج إلى شخص عظيم مملوء بالروح القدس.
إن خدمة المسيح لا تقاس بعظمة المكان أو المكانة التي يتبوأها الخادم، لكن تقاس بمقدار امتلاء الخادم من الروح القدس. وهذا ما قاله القديس حنانيا لشاول الطرسوسي (بولس الرسول): "قد أرسَلَني الرَّبُّ يَسوعُ... لكَيْ تُبصِرَ وتمتَلِئَ مِنَ الرّوحِ القُدُسِ" (أع9: 17).
وهي نفس الوصية التي أمرنا بها بولس الرسول: "امتَلِئوا بالرّوحِ" (أف5: 18).
(2) مملوء بالإيمان (أع6: 5):
إن الممتلئ بالروح القدس لابد أن يكون مملوءًا أيضًا بالإيمان، كما قيل عن استفانوس. والإيمان هو المنظار الذي نرى به ما لا يُرى، فهو "الثقَةُ بما يُرجَى والإيقانُ بأُمورٍ لا تُرَى" (عب11: 1)،
والله يعطينا عطايا بحسب إيماننا "ولكن بدونِ إيمانٍ لا يُمكِنُ إرضاؤُهُ" (عب11: 6). ولذلك "استِفانوسُ فإذ كانَ مَملوًّا إيمانًا وقوَّةً، كانَ يَصنَعُ عَجائبَ وآياتٍ عظيمَةً في الشَّعبِ" (أع6: 8)، كلما امتلأنا بالإيمان أدركنا أنه لا يوجد مستحيل عند الله بل تتحقق فينا المعجزات.
إنه إيمان جبار يحطم العوائق، كمثل إيمان المرأة الكعنانية (راجع مت8: 10)، وإيمان أصدقاء المفلوج (راجع مت9: 2)، وإيمان نازفة الدم (راجع مت9: 22).
أما عدم الإيمان.. فيحرمنا من بركات كثيرة "لم يَصنَعْ هناكَ قوّاتٍ كثيرَةً لعَدَمِ إيمانِهِمْ" (مت13: 58).
طوبى لتلك المرأة التي قال لها السيد المسيح: "يا امرأةُ، عظيمٌ إيمانُكِ! ليَكُنْ لكِ كما تُريدينَِ" (مت15: 28). إنه الإيمان الذي يكفي منه مقدار حبة خردل لينقل الجبال (راجع مت17: 20). لذلك قال السيد المسيح: "وكُلُّ ما تطلُبونَهُ في الصَّلاةِ مؤمِنينَ تنالونَهُ" (مت21: 22).
فإذا كان هناك جبل يعوق طريقي في المسيح نحو المسيح، فإن الإيمان يهز هذا الجبل وينقله، ويصير طريقي سهلاً أمامي "كُلُّ وطاءٍ يَرتَفِعُ، وكُلُّ جَبَلٍ وأكَمَةٍ يَنخَفِضُ، ويَصيرُ المُعوَجُّ مُستَقيمًا، والعَراقيبُ سهلاً" (إش40: 4)، "مَنْ أنتَ أيُّها الجَبَلُ العظيمُ؟ أمامَ زَرُبّابِلَ تصيرُ سهلاً!" (زك4: 7).
نحن بحاجة إلى إيمان في خدمتنا، ومسيرتنا مع الله. وإيمان في صلواتنا، ونحتاج الإيمان بالأكثر في الأزمات.
(3) مملوء بالحكمة (أع6: 1):
كل إنسان منا له قدر من الحكمة، ولكنها حكمة أرضية نتيجة الذكاء البشري والخبرة الإنسانية والمعارف التي نتقبلها، لكن هذه الحكمة محسوبة عند الله أنها جهالة "ألَمْ يُجَهلِ اللهُ حِكمَةَ هذا العالَمِ؟" (1كو1: 20)، "ليستْ هذِهِ الحِكمَةُ نازِلَةً مِنْ فوقُ، بل هي أرضيَّةٌ نَفسانيَّةٌ شَيطانيَّة" (يع3: 15).
ولكن ما نقصده هو الحكمة الممنوحة بالروح القدس "أمّا الحِكمَةُ التي مِنْ فوقُ فهي أوَّلاً طاهِرَةٌ، ثُمَّ مُسالِمَةٌ، مُتَرَفقَةٌ، مُذعِنَةٌ، مَملوَّةٌ رَحمَةً وأثمارًا صالِحَةً، عَديمَةُ الرَّيبِ والرياء"ِ (يع3: 17).
هذه الحكمة نأخذها من الله "وإنَّما إنْ كانَ أحَدُكُمْ تُعوِزُهُ حِكمَةٌ، فليَطلُبْ مِنَ اللهِ الذي يُعطي الجميعَ بسَخاءٍ ولا يُعَيرُ، فسَيُعطَى لهُ" (يع1: 5).
فهي حكمة سماوية لا تستطيع حكمة هذا العالم أن تقف في وجهها "ولم يَقدِروا أنْ يُقاوِموا الحِكمَةَ والرّوحَ الذي كانَ يتكلَّمُ بهِ" (أع6: 10).
ليتنا كمثل استفانوس، ودانيال، وبولس، وسليمان.. نطلب هذه الحكمة ليكون تصرفنا بين أهل هذا العالم يمجد الآب السماوي "مَنْ هو حَكيمٌ وعالِمٌ بَينَكُمْ، فليُرِ أعمالهُ بالتَّصَرُّفِ الحَسَنِ في وداعَةِ الحِكمَةِ" (يع3: 13).
(4) مملوء بالقوة (أع6: 8):
لا توجد قوة بدون الروح القدس "ستَنالونَ قوَّةً مَتَى حَلَّ الرّوحُ القُدُسُ علَيكُمْ" (أع1: 8).
الله يملأنا بالقوة لأنه يريد أن نكون رجالاً أقوياء "اِسهَروا. اثبُتوا في الإيمانِ. كونوا رِجالاً. تقَوَّوْا" (1كو16: 13).
والقديس استفانوس كان قويًا في مواجهة محاوريه وأعدائه، فلم يرهب وجوه الناس، ولم يخش تجمعهم عليه وتهديداتهم له، بل بقوة كان يؤدي الشهادة بالمسيح، والتكلم بالحق.
وكان قويًا في اقتبال آلام الرجم حتى الاستشهاد، والمسيحيون أبدوا شجاعة فائقة على مر العصور في مواجهة أعداء الإيمان. إننا لا نؤمن بالعنف، ولا نقابل الإساءة بالإساءة، بل نُظهر قوتنا في قوة الاحتمال وقوة تغيير العداوة إلى صداقة، وتحويل الأشرار إلى أخيار.
(5) مملوء بالنور (أع6: 15):
كان وجه استفانوس كوجه ملاك، لأن قلبه كان ممتلئًا بنور المسيح. إنه يشبه موسى النبي الذي نزل من لقائه مع الله على الجبل، وكان وجهه يلمع، وهو لم يكن يعلم. هكذا كل من هو مملوء بالروح القدس فهو لا يدرك مدى التغيير الذي يحدث فيه، ولكن الناس يرون فيه نور المسيح.
هل سيعرف الناس المسيح عندما يروننا؟ وهل سيعرفون أننا مسيحيون من وجوهنا المملوءة بالنعمة ونور المسيح؟ هل نحن نشبه المسيح كمثل استفانوس؟
& "ارفَعْ علَينا نورَ وجهِكَ يارَبُّ" (مز4: 6).
& "طوبَى للشَّعبِ العارِفينَ الهُتافَ. يارَبُّ، بنورِ وجهِكَ يَسلُكون"َ (مز89: 15).
& "يا بَيتَ يعقوبَ، هَلُمَّ فنَسلُكُ في نورِ الرَّب" (إش2: 5).
(6) مملوء بكلمة الله (أع7):
كان استفانوس مُلمًا بالكتاب المقدس، لذا فقد سرد بكل عناية ودقة وتفاصيل كثيرة، كثيرًا من أحداث وقصص العهد القديم. لقد استخدم معرفته بالكتاب المقدس للمنفعة وليس للتباهي.
إن استخدام الكتاب المقدس في مواجهة الحرب مع الشيطان هي أقصر طريق للغلبة، كما معلمنا من السيد المسيح من فوق جبل التجربة، وكذلك استخدامه لاعلان الحق الإلهي هو أبلغ تعبير، كمثلما فعل معلمنا بطرس يوم الخمسين (أع10: 44-48)، واستخدامه في الكرازة والتبشير هو أنجح الوسائل، كمثلما فعل فيلبس مع الخصي الحبشي (أع8: 26-40).
يجب علينا أن نمتلئ بمعرفة ورحانية الكتاب المقدس كلمة الله، بصلوات استفانوس رئيس الشمامسة وأول الشهداء يارب انعم لنا بغفران خطايانا