لا تشتهِ امرأتك قريبك
باركت طبيعتي فيك بركات التجسد 3 - بركات التجسد - الانبا رافائيل
همسات روحية<?xml:namespace prefix = o ns = "urn:schemas-microsoft-com:office:office" />
لنيافة الأنبا رافائيل
باركت طبيعتي فيك
3- بركات التجسد
ولكي نفهم ما نلناه في التجسد على أصول آبائية كما شرحها القديس أثناسيوس والقديس كيرلس ينبغي أن نرجع قديماً إلى بدء الخليقة:
فالإنسان حينما خُلق (قبل السقوط) كان يحمل خمس صفات أساسية تميزه عن غيره من الكائنات والمخلوقات وهى:
+ على صورة الله ومثاله "فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه" (تك 27:1).
+ خلق على غير فساد (الخلود) أي ليحيا، ونحن نصلى في صلاة الصلح بالقداس الباسيلى قائلين: "جبل الإنسان على غير فساد"
+ يعرف الله معرفة الشركة والمعاشرة والخبرة.
+ يعيش في القداسة والبر والبراءة.
+ يشعر باتحاده بالآخر كمثال الثالوث الواحد.
وعندما سقط الإنسان فقد هذه السمات الخمس:
+ صورة الله في الإنسان تشوهت وتحطمت.
+ مات الإنسان وبدأ الفساد يعمل في طبيعته البشرية، بسبب الانفصال عن الله الذي هو ينبوع الحياة.
+ فقد القداسة وصار يميل إلى الشر وسكنت في جسده الميول الرديئة.
+ برهن بسقوطه وتصرفاته وإجاباته على الله بعد السقوط بأنه فقد معرفته بالله وخبرته بالألهيات.
+ تمزقت البشرية وتناثرت ودب فيها الأنانية والعزلة والقتل والحروب.
وكان على الله إما أن:
+ يهمل الإنسان ويتركه لشأنه.. وهذا يتنافى مع صلاح الله وقوته ومحبته.
+ يهلك الإنسان ويصنع إنساناً جديداً، وهذا أيضاً يتنافى مع صلاح الله ومحبته ويجعل الشيطان منتصراً.
+ أن يعيد صياغة الإنسان ويجدد طبيعته. ويعيد إليه السمات التي فقدها بالسقوط. وهذا هو الحل الذي أراده الله وقد نفذه بالتجسد.
في التجسد استعاد الإنسان...
1- صورة الله:
"الله لم يره أحد قط" (يو18:1)، "ليس أن أحداً رأى الآب" (يو46:6)، ومع ذلك فبالتجسد قد "رأيناه بعيوننا، شاهدناه ولمسته أيدينا" (1يو1:1) لأن المسيح هو "صورة الله غير المنظور" (كو15:1)، "وهو بهاء مجده ورسم جوهره" (عب 3:1) حتى أنه فى تجسده قال: "الذي رآني فقد رأى الآب" (يو 9:14).
وليس المسيح مثل آدم، لأن آدم كان على صورة الله، أما المسيح فهو "صورة الله" (2كو 4:4)... وآدم تشوهت فيه هذه الصورة أما المسيح فلا يمكن طبعاً لأنه هو الله بالحقيقة
"الذي إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله. لكنه أخلى نفسه، آخذاً صورة عبد، صائراً في شبه الناس" (فى 6:2،7).
وكما أننا قد ورثنا من أدم الصورة المشوهة بميلادنا منه جسدياً، كذلك يمكننا أن نرث من المسيح صورة الله الحقيقية بميلادنا منه ثانية، ميلاداً روحياً بالمعمودية... "لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح" (غل 27:3).
ففي المعمودية نصير خليقة جديدة "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديداً" (2كو 17:5) ونصير أيضاً أولاد الله بالحق: "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله، أي المؤمنون باسمه. الذين ولدوا ليس من دم، ولا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل، بل من الله" (يو 12:1،13)، وبالطبع فإن أبناء الله يصيرون على صورة الله "لأن الذين سبق فعرفهم سبق فعينهم ليكونوا مشابهين صورة ابنه، ليكون هو بكراً بين إخوة كثيرين" (رو 29:8)، "وكما لبسنا صورة الترابي (آدم)، سنلبس أيضاً صورة السماوي (يسوع)" (1كو 49:15).
وهذه الصورة نأخذها في المعمودية "الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله فى البر وقداسة الحق" (أف 24:4)،
ولكنها تتجلى فينا بالممارسة الروحية "نتغير إلى تلك الصورة عينها، من مجد إلى مجد، كما من الرب الروح" (2كو 18:3)،
وتحتاج إلى مجهود ومثابرة لتتجلى فينا بوضوح واستنارة
"يا أولادي الذين أتمخض بكم أيضاً إلى أن يتصور المسيح فيكم" (غل 19:4) والصورة نأخذها الآن بالعربون لأنها ناقصة بسبب نقصنا، ولكننا سنأخذها بالحقيقة كاملة في الأبدية
"إذا أظهر نكون مثله، لأننا سنراه كما هو" (1يو 2:3)، "الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده" (فى 21:3).
فلولا التجسد ما كنا رأينا الله (في الجسد) وما أمكننا أن نولد ثانية من الله لنصير على شبهه ونستعيد الصورة الإلهية فينا بأكثر بهاء بالنعمة بالمعمودية وبالجهاد الروحي وبالحقيقة في الأبدية...
بعد أن كنا أبناء أدم بالطبيعة صرنا أبناء الله بالنعمة...
2- الحياة:
السيد المسيح هو القيامة والحياة... "وفيه كانت الحياة" (يو 4:1)، وبدونه لا توجد حياة، وهذا هو سر (الموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس).
إن الإنسان انفصل عن مصدر حياته (الله)... لذلك عندما اتحد اللاهوت (الله) بالناسوت (الطبيعة البشرية) في بطن العذراء، انسكبت الحياة من اللاهوت في الناسوت، وصار هذا الجسد جسداً حياً بل ومحيياً "هذا هو الجسد المحيى" (الاعتراف - القداس الألهى).
وأمكن للإنسان مرة أخرى أن يحيا، إن اتحد بهذا الجسد الإلهي المحيى "من يأكل جسدي ويشرب دمى فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير" (يو 54:6)،
"لأن خبز الله هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم"...
"أنا هو خبز الحياة... هذا هو الخبز النازل من السماء، لكي يأكل منه الإنسان ولا يموت. أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد، والخبز الذي أنا أعطى هو جسدي، الذي أبذله من أجل حياة العالم... الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان، وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم. من يأكل جسدي ويشرب دمى يثبت فىّ وأنا فيه... كما أرسلني الآب الحي، وأنا حى بالآب، فمن يأكلني فهو يحيا بى..." (يو 33:6-58)،
"لأنه كما في آدم يموت الجميع، هكذا في المسيح سيحيا الجميع" (1كو 22:15).
كيف كان يتسنى للبشرية أن تحيا بدون هذا الجسد الإلهي الحي المحيى، الذي أتخذه الله له - بالتجسد - من العذراء؟
على الصليب مات المسيح (إنسانياً وطبياً كأي إنسان فينا بانفصال روحه الإنسانية عن جسده) ولكنه كان حياً بلاهوته، إذ لاهوته لم ينفصل قط لا عن نفسه ولا عن جسده.. لذلك نسبحه قائلين:
(قدوس الحي الذي لا يموت الذي صلب عنا ومات ارحمنا). وهذه الحياة نفسها تصير فينا، عندما نتناول من جسد الرب ودمه.
3- مشكلة المعرفة والقداسة:
وهذه استعادها لنا المسيح بأربعة مستويات :
أ- بالنموذج والمثال: فالسيد المسيح عاش بيننا ليعلمنا كيف نسلك مثله، إذ هو المعلم الصالح "نتبعه بكل قلوبنا" (لبش الهوس الثالث). وهو نفسه قال: "تعلموا منى" (مت 29:11)،
وقصد السيد المسيح أن ينقل إلينا كل المعرفة عن الآب، حتى انه لكي لا نشك في مجد الآب بسبب تخلى المسيح عن مجده قال: "أبى اعظم منى"
لكي نفهم أن الآب له مجد وبهاء وعظمة أعظم بكثير من شكل تواضع الابن، بسبب التجسد الذي جعله يتنازل عن مجده (إلى حين)، حيث سيعود إليه بعد القيامة والصعود.
لذلك نصلى في القداس الغريغورى قائلين: "أعطيتني علم معرفتك... الذي أظهر لنا نور الآب... الذي أنعم علينا بمعرفة الروح القدس الحقيقية" وكان اللقب المحبوب للمسيح هو "المعلم الصالح"، وهذا يفسر لنا لماذا صام السيد المسيح، وصلى ومارس الناموس، واعتمد من يوحنا.. إنه عمل كل ذلك ليعلمنا إن نسلك مثله.
ب- بالسبق: فالمسيح كان سابقاً لأجلنا... فتح لنا الأبواب المغلقة التي كانت لا تحلم البشرية بفتحها... فهو أول إنسان يدخل الفردوس فدخل في أعقابه جميع القديسين من آدم حتى اللص اليمين... وسوف يقود هذا الموكب بعينه حينما يكمل العبيد رفقاؤهم "إذ سبق الله فنظر لنا شيئاً أفضل، لكي لا يكملوا بدوننا" (عب 40:11)، سوف يقود نفس الموكب بعد اكتماله؛ لندخل معه، به، وفيه إلى الملكوت الأبدي بصفتنا أعضاء في جسده المقدس وهو يدخل سابقاً لأجلنا...
وكذلك كان المسيح سابقاً لأجلنا في كل الممارسات الروحية.. فهو يصلى؛ لكي يجعل لصلواتنا معنى وقبولاً أمام الله أبيه؛ وكذلك صام المسيح ليجعل لصومنا قيمة لاهوتية، وبُعداً إلهياً، وقبولاً ومعنى أمام الله أبيه.
وقَبِلَ المسيح الروح القدس في مياه الأردن، ليفتح لنا باب إمكانية قبول الروح القدس فينا بالمعمودية، وبالإجمال كل ما عمله المسيح بالجسد كان لأجلنا ولحسابنا ولصالح بشريتنا.
ج- بالتقديس: المسيح عاش حياتنا المادية بكل تفاصيلها ماعدا الخطية والخطأ؛ لأنه شابهنا في كل شئ، وبالتالي فقد قدس كل شئ في حياتنا حتى الأكل، والشرب، والنوم، والمشى، والجلوس، والقيام وأصبح الآن لنا فرصة أن تتقدس أدق تفاصيل حياتنا المادية، إذا شاركنا المسيح في حياته، وأشركناه في حياتنا
"فإذا كنتم تأكلون، أو تشربون، أو تفعلون شيئاً؛ فافعلوا كل شئ لمجد الله" (1كو 31:10).
د- بالوساطة: لاشك أن المسيح هو الله الكامل، وهو أيضاً إنسان كامل، فيه كل صفات الله، وكل صفات الإنسان.. ومعروف لاهوتياً أن اللاهوت لم يلاش الناسوت (فهذا فكر أوطاخى الهرطوقى الذي رفضته الكنيسة)، وكذلك لم يغيره، ولم يلغ أيا من صفاته. فالمسيح إلهنا المتجسد العظيم يحمل فى داخله كل ما للإنسان وكذلك كل ما لله باتحاد عجيب فريد... فصار بذلك أعظم وسيط بيننا وبين الله أبيه... فبه يصير لنا قبول أمام الله الأب، ويرضى عنا فيه، ويمنحنا كل نعمة، يهبنا معه كل شئ
"الذي لم يشفق على ابنه، بل بذله لأجلنا أجمعين، كيف لا يهبنا أيضاً معه كل شئ؟" (رو 32:8)، ونرث أيضاً معه وفيه كل شئ، ونرث أيضاً معه ملكوت السموات
"فإن كنا أولاداً، فإننا ورثة أيضاً، ورثة الله، ووارثون مع المسيح" (رو 17:8).
وعلى الصعيد الآخر... فيه نرفع صوتنا لله الآب: "يصرخون إليك وبك إلى الأب معك قائلين" (القداس الغريغورى).
لذلك ففيه صرخنا: "إلهي، إلهي، لماذا تركتني" (مز 1:22)، وفيه سمعنا صوت الآب: "أنت أبنى الحبيب بك سررت" (لو 22:3)، فالمسيح نفسه قال: "إني أصعد إلى أبى (بالطبيعة) وأبيكم (بالتبنى) وإلهي (بالتجسد) وإلهكم (بالطبيعه)" (يو 17:20)، فهو صار إنساناً لكي يجعل الإنسان شريك الطبيعة الإلهية... "لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية" (2بط 4:1).