Skip to Content

قصةوعبرة : الحمام الطائر و الراهب كرياكو

 

 

لا تنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون

 

(عب 13 : 2)

 

 

الحمام الطائر

 

توقف الشاب البسيط كرياكو ليجفف عرقه ويستريح فقد ثقلت قدماه جدًا، وأحسّ أنه غير قادرٍ علي حمل الحقيبة البسيطة التي لا تحتوي إلا على القليل من ملابسه، وظهرت علامات الإنهاك الجسدي علي ملامحه.

عاد الشاب يكمل طريقه وهو يردد اسم يسوع المسيح، مطمئنًا نفسه أنه قد اقترب جدًا من بلدة تاريح حيث يتمتع ببركة الدير وينعم بالوجود بين آبائه. وبالفعل بدأت قباب الدير تظهر من بعيد، وقد علت عليها الصلبان، ففرح جدًا.

للحال ركع كرياكو علي الأرض، ورفع عيني قلبه نحو السماء، وهو يتمتم، قائلاً:

 

"أشكرك يا ربي يسوع المسيح...

يا من أهلتني لهذه الساعة أن أرى الدير.

اسمح لي أن أتمتع ببركة آبائه.

هل تقبلني خادمًا لآبائي؟

هل تقبل حياتي كلها ذبيحة حب لك يا من أحببتني؟

هل لي أن أُكمل كل بقية غربتي في أحضانك؟!

لست أطلب إلا أن تكون معي وأكون أنا معك!"

بدأت الدموع تذرف من عينيه، لكن حنينه نحو الدير جذبه للقيام سريعًا، فقد ملأ الفرح قلبه، وشعر كأنه حُمل بسحابة لينطلق نحو الفردوس، أو أُعطي جناحي حمامة ينطلق بهما نحو الفردوس...

ذهب عنه كل تعب جسماني بغير رجعة، وانطلق نحو الدير مسرعًا، فقد حان الوقت الذي طال انتظاره.

أمسك الشاب كرياكو بالحبل وشدَّه بلطف وهدوء ليسمع دقات جرس الدير بغير إزعاج. بعد دقائق سمع كرياكو صوتًا هادئًا من وراء الباب يسأله: من بالباب؟

- ابنك كرياكو يا أبي!

- ماذا تريد يا ابني؟

- اسمح لي بالدخول يا أبي، فإني جئت من مكانٍ بعيدٍ جدًا لأنال بركة الدير وبركة آبائي الرهبان.

- في العالم كنائس كثيرة يا ابني. تستطيع إن أردت أن تنال البركة، ويوجد آباء اعتراف كثيرون يسندونك!

- لقد سمعت عنكم يا أبي. أنا محتاج إلى صلواتكم وإرشادكم. اسمح لي بدقائق مع رئيس الدير.

- سامحني يا ابني لا أقدر أن أفتح.

- أرجو من أجل المحبة اقبلني فإني غريب وتحملت الكثير لأنال بركة الدير.

- من أين جئت يا ابني حتى أُخبر رئيس الدير ربما يسمح لك بالدخول إلى فترة قصيرة؟

دخل رئيس الدير إلى مكان الضيافة ليلتقي بالشاب كرياكو الذي أصر على مقابلته، وكانت البشاشة على ملامح الأب.

فرح كرياكو وأسرع نحو الأب يُقبل يديه ويطلب صلواته عنه.

بدأ الشاب يفتح قلبه للرئيس، ويروي له اشتياقاته نحو الرهبنة منذ سنوات طويلة. وكان الأب يسأله عن أب اعترافه وتداريبه الروحية وقراءاته. وبعد حوار هادئ بسيط طال قرابة ساعتين قال الرئيس:

"لا أستطيع يا ابني أن أعدك بشيء،

لكنني أتركك هنا لفترة قد تطول لتختبر نفسك،

فإن طريق الرهبنة ليس سهلاً، وحربها عنيفة ومرة.

سأرعاك بنفسي، لكنني أريدك أن تكون صريحًا مع نفسك ومعي، فإن الرهبنة ليست هدفًا في ذاتها، إنما هي طريق يُعطى ليس للجميع. إن أبديتك وحياتك مع المسيح هي فوق الكل!"

وإذ كادت الجلسة الروحية أن تنتهي وأراد رئيس الدير أن يستأذن من كرياكو ليهيئ له مكانًا يعيش فيه تحت الاختبار، سأله الشاب: أما تعرفني يا أبي؟

دُهش الرئيس لهذا السؤال بعد جلسة روحية دامت الساعات كشف فيها الشاب كل جوانب حياته الروحية، لكنه في بساطة أجاب:

- ماذا تقصد يا ابني؟

- أنا كرياكو ابن أختك يا أبي!

تفرس الرئيس فيه جيدًا، فإنه لم يره منذ زمان طويل. ثم أخذ يسأله: وما هي أخبار والديك يا ابني؟

- كلها خير يا أبي.

- هل والدك موافق على رهبنتك؟

- نعم يا أبي، فقد ذهب هو أيضًا إلى أحد الأديرة لكي يترهب.

- وأين والدتك؟

- لقد رحلت إلى الفردوس.

هزَّ رئيس الدير رأسه دون أن تفارقه بشاشته، وكان يقول: "لقد انطلقت أمك إلى الراحة. وعرف أبوك أن يهرب لحياته".

ثم طلب رئيس الدير من ابن أخته أن ينسى القرابة الجسدية، وأن يضع في قلبه ألا ينشغل إلا بالعبادة للَّه... ففرح كرياكو جدًا.

مرت السنوات، وكان كرياكو ينمو في النعمة، فقد تعلق بمسيحه جدًا والتهب قلبه بحب الأبدية. انعكس هذا على ملامحه، فكانت البشاشة لا تفارقه، وعُرف بالبساطة الشديدة، وجاءه الكثيرون يطلبون صلواته ويثقون في قداسته.

حسده البعض من أجل شهرته التي ذاعت في بلاد كثيرة بأرمينيا، فجاءوا إلى الدير ووشوا به لدى رئيس الدير، مدَّعين أن الراهب كرياكو، المعروف ببساطته الشديدة وكثره نسيانه، إنما يتظاهر بالقداسة ويفتعل النسك.

طلب رجال غرباء من رئيس الدير أن يقدمهم للراهب كرياكو كجماعة من الضيوف، وهم يكشفون له حقيقة هذا الراهب. حقق الرئيس لهم طلبهم، وبالفعل استقبلهم الراهب باهتمام شديد ومحبته المعهودة فيه... وبعد أن تحدث معهم كثيرًا عن ملكوت اللَّه سألهم أن يباركوه ويأكلوا عنده فقبلوا طلبه.

إذ عرف الراهب أنهم جاءوا من بلد بعيد وأنهم جائعون أسرع وذبح لهم "حمامًا" وقام بشيِّه ثم وضعه أمامهم وجلس وسطهم يصلي... وكان اليوم "أربعاء" وهو لا يعلم. لعلَّه كان يصوم طول العام، وإنما يضطر أن "يفطر" أحيانًا من أجل محبته لإضافة الغرباء.

استأذن أحد الاخوة وبسرعة استدعى رئيس الدير ليرى الراهب الناسك كرياكو يأكل حمامًا مشويًا يوم الأربعاء.

دخل رئيس الدير وحده وتباطؤ الأخ خارج القلاية حتى لا ينكشف أمره. وهنا سأل أحد الضيوف الراهب كرياكو: "ألا تعلم يا أبانا كرياكو أن اليوم صوم، فكيف أعددت لنا حمامًا؟ وكان يقصد بذلك إحراجه أمام رئيس الدير.

صمت الراهب البسيط قليلاً دون اضطراب، وإنما في هدوء سأل: "أحقًا يا أبانا... اليوم أربعاء؟" وإذ لم يجبه رئيس الدير قال الراهب: "إني آسف جدًا، إذ لم أكن أعرف أن اليوم أربعاء... فهل تسمحوا للحمام أن يطير؟"

ضحك الحاضرون في سُخرية إذ رأوه يرسم على الحمام المشوي علامة الصليب وهو يقول: "ما دام اليوم صوم، فلماذا تبقون هنا أيها الحمام؟! فلتطيروا إذن!" لكن سرعان ما توقف الكل عن ضحكهم إذ رأوا الحمام المشوي ينطلق من الطبق طائرًا في الجو!

 

من كتاب أبونا تادرس يعقوب



عدد الزوار

free counters



+ † + AVE O MARIA+†+ لم يكن هذا الموقع صدفةً عابرة، بل دبّرته العناية الإلهية ليكون للجميع من دون اسثناء، مثالاً للانفتاح المحب والعطاء المجاني وللخروج من حب التملك والانغلاق على الانانية. مُظهراً أن الله هو أبَ جميع الشعوب وإننا له أبناء. فمن رفض أخاه الانسان مهما كان انتماءه، رفض أن يكون الله أباه. + † + AVE O MARIA +