كما أرسلني الآب أرسلكم أنا أيضا (يو 20 /21)
كلامنا يصنعنا في الباطن - الأخت أمل الباني
كلامنا يصنعنا في الباطن
الأخت أمل الباني
أنظرُ إلى الطبيعة فأرى أنها ما زالت في ألوانها الخافتة، إنها موسيقى التقشف قبل كرم العطاء الربيعي.
ولكن هل نعرف ما لون الكلمات في داخلنا..؟
الكلمات التي نطرحها على الحياة ؟ الكلمات التي نتلفظ بها أحياناً باللامبالاة والخفّة وفي أكثر الأحيان بالتذمّر والحُكم..!
إنّنا نتذمّر كثيراً في الوقت الذي نعيش فيه، من قلّة لوقت، من الوقت الذي مضى ولن يعود، نتذمّر من الآخرين، من الشباب والشيوخ والغرباء، من كلّ الذين يهدّدون راحتنا واستقرارنا. نتذمّر كثيراً وننسى أن عيشنا السلبي هذا يقسّمنا على ذواتنا ويشوّشنا، إذ لا نعود نعيش على ألحان التسبيح، والتسبيح دعوتُنا الأولى، ذلك التسبيح الذي يوحّدنا مع أغنية الخليقة ومن خلاله نصبح أكثر إنسانيّة، التسبيح يرفع بينما التذمّر يُذلّ، التسبيح يَصِلُ بينما التذمّر يفصل، التسبيح يوقِفنا على أرجلنا بينما التذمّر يُركعنا على رُكبتينا.
لكن الاحتفال بالحياة لا يعني بالضرورة أن ننكر خشونتها، علينا أن نرجع خطوة إلى الوراء كي نندهش من كلّ ما يرتجف تحت غلاف الأيام وحيث الحياة غائبة.
لنفكّر في المزامير، إنّها بالتأكيد ألحان موسيقيّة، ولكنها في الوقت نفسه، تعطي المكان الواسع للتأوّه والنفور والتذمّر، إنها تسأل الله بقدر ما تغنيه، ولكن في عمقِها كلها تسابيح نُزعت من قساوة الحياة كما من جمال الواقع.
نحن في النهاية ما نريد أن نكون، وكلامنا يصنعنا في الباطن.
فعندما تكون السماء منخفضة بالغيوم الثقيلة، نستطيع أن نختار الخروج من التذمّر لندخل في ترنيم المزامير، وهذه طريقة للعيش على مستوى ما تحدّثنا به نفسنا، وليس على مستوى ما نشعر به بمرارة.
إنها طريقة للتخلّي عن البكاء الذي يجرّنا نحو الأسفل كي نصل إلى التضرّع الذي يتوق إلى رؤية الوجه المتألّق للأشياء والكائنات.
كل ما لا نضعه في العالم من المجانية سوف لا يكون.
لنسبّح الربّ كي تُبنى من جديد بالفرح، خيمتُه التي في داخلنا ( طوبيا 3/11 ).
الاحتفال بالحياة هو إعادة بناء أنفسنا قبل كلّ شيء، لأن خيمة اللقاء هذه التي نحملها في داخلنا، تقودنا في الواقع إلى ما نتوق إليه، لأنها هي التي تحملنا في مسيرتنا عبر صحراء هذه الدنيا، إنها واحة من الفرح الذي لا يغيب أبداً