كاْرتفاعِ السّماَءَ عنِ الأَرضِ عَظُمَت رَحمَتُه على الَّذينَ يَتَّقونَه (مز 103 /11)
قطار التربية السليمة يسير على سكتي المزيد والمحبة الصيرة - الاب سامي حلاق اليسوعي
قطار التربية السليمة
يسير على سكّتيّ المزيد والمحبّة البصيرة
الأب سامي حلاق اليسوعي
بوجه عام، لا يعرف الإنسان عن نفسه إلاّ القليل. ومعرفته الناقصة لذاته تجعله يسعى إلى غاية محدودة. حين يبلغها يكفّ عن التطوّر مدّعياً أنّه لا يستطيع أن يكون غير ذلك. لكنّنا نرفض هذا المبدأ، ونحثّ المتربّين عندنا على "المزيد". ونقصد بكلمة "المزيد" تلك الحركات المستمرّة في انطلاقة مندفعة مستديمة بلا كلل ولا ملل، من أجل تمجيد الله وخدمة البشر بازدياد لا حدّ له. فالمزيد مسيرة نحو الأفق. يتقدّم فيها المرء نحوه باستمرار دون أن يبلغه. وفي أثناء تقدّمه، يكتشف كم لديه من طاقات وإمكانات دفينة كان يجهلها.
أمّا "المحبّة البصيرة"، فهي القدرة على حبّ الأشياء باعتدال ومنطقيّة، والتعامل معها بوعي. بالمحبّة البصيرة يستطيع المرء أن يختار ما هو أفضل بالنسبة إليه في هذا الوضع وبموجب هذه الظروف وبمقتضى هذه الأحوال. ويغيّر اختياراته مع تغيّر تلك العناصر أو بعضها. ويفرض اتّباع أسلوب "المحبّة البصيرة" علينا ألاّ نحتمي وراء القانون أو القرار، بل أن نستثني بعض الأشخاص نظراً إلى أوضاعهم وظروفهم، حتّى وإن بدا الأمر للعامّة سلوكاً مستهجناً نفضّل فيه أناساً على آخرين.
إنّنا نسعى، في جوّ من "المحبّة البصيرة"، إلى ضبط المندفعين وحثّ البليدين وإثارتهم. وهذا يضفي على عمليّتنا التربويّة ديناميكيّة خاصّة، ويحثّنا على تطبيقها بأسلوب شخصيّ. فـ"المزيد" هدفنا، و "المحبّة البصيرة" وسيلتنا. لأنّ المزيد يجمع بين ما هو مطلق ونسبيّ. مطلقيّة الهدف ونسبيّة تحقيقه. أمّا "المحبّة البصيرة" فتجمع بين ما هو نسبيّ ومطلق. نسبيّة الوسائل المستخدمة ومطلقيّة السعي في سبيل "المزيد". وهكذا، يستمدّ "المزيد" من "المحبّة البصيرة" روح المحبّة الّتي تحرّك العمليّة التربويّة وتلهمها، وتستقي "المحبّة البصيرة" من "المزيد" حيويّته وسعيه الدؤوب نحو ما هو أفضل وأعظم وأثمن. وحقيقة نهجنا التربويّ تكمن في تفاعل هذين القطبين وتضافرهما وتوحيدهما جدليّاً: لا "المزيد" وحده، ولا "المحبّة البصيرة" وحدها، بل كلاهما في آن واحد.
يتعلّق "المزيد" بما هو شموليّ ومجرّد. و"المحبّة البصيرة" بما هو خاصّ وواقعيّ. لذلك تتميّز تربيتنا في أنّها شاملة/واقعيّة كما أنّها مطلقة/نسبيّة. ويرتبط "المزيد" بالمثل العليا الّتي تدفع إلى الأمام وتحثّ على التقدّم. إنّه انطلاقة الحرّيّة نحو الآفاق الشاسعة. أمّا "المحبّة البصيرة" فترتبط بالواقع. إنّها الجهد والعناء. فلولا "المزيد" لانغمست التربية في رتابة الواقع. ولولا "المحبّة البصيرة"، لهربت التربية من الواقع.
"المزيد" هو الهدف. به يتجاوز الشخص محدوديّته. أمّا "المحبّة البصيرة" فهي الوسيلة، بها تميّز الوسائل والأساليب الملائمة للسعي إلى ذلك الهدف. إنّها تحقّقه بما يتلاءم وظروف الشخص والمكان والزمان. ويرتبط "المزيد" بالتربية في حدّ ذاتها، وبأهدافها العامّة للجميع. أمّا "المحبّة البصيرة" فترتبط بأساليب التربية المكيّفة لتناسب الشخص في بيئته وبحسب كيانه. لهذا السبب، نسعى في عمليّتنا التربويّة إلى إبراز "المزيد" تارة و"المحبّة البصيرة" طوراً، ونسعى إلى الجمع بينهما، مدركين صعوبة الوصول إلى التوازن الكامل بينهما. فقد يدفعنا طبعنا إلى "المزيد" أكثر منه إلى "المحبّة البصيرة" أو العكس. غير أنّ فعلنا التربويّ محاولة مستمرّة لجمعهما في توازن يسعى وإن لن يصل إلى الكمال.
قابليّة التقدّم والنموّ
إنّ روح "المزيد" تفترض أن نؤمن إيماناً راسخاً بأنّ كلّ شخص قابل للتقدّم والنموّ باستمرار، وقادر على تجاوز ذاته بلا حدود. ويعود ذلك إلى أنّه شخص خاضع للزمان الّذي هو تقدّم ونموّ دائمان. لذلك علينا احترام مراحل تطوّره والوقت اللازم لها. فنتمهّل مع هذا ونسرع مع ذاك، كلّ بحسب ما هو عليه وما هو قادر عليه، في محبّة بصيرة وصبر وطول أناة.
ولا يحرّكنا في سلوكنا التربويّ هذا أمل بشريّ بل رجاء روحيّ. ففي كثير من الأحيان، نصاب بخيبة أمل ونيأس أمام أشخاص صعبيّ المراس، عاجزين عن أيّ تغيّر. لكنّ الرجاء المسيحيّ يذكّرنا بأنّ كلّ شخص يحمل في طيّات نفسه قابليّة للتأثّر، واستعداداً للتغيير، ورغبة في التقدّم، واشتياقاً إلى النموّ، حتّى وإن دلّت المظاهر الخارجيّة على عكس ذلك. وأساس رجائنا هو أنّ الله يعمل في الشخص أكثر ممّا نعمل نحن. وكما يقول القدّيس بولُس: "أنا غرستُ وأبُلُّس سقى ولكنّ الله هو الّذي أنمى. فليس الغارس بشيء ولا الساقي، بل ذاك الّذي ينمّي وهو الله" (1كورنثس 3/6-7).
خلاصة القول، إنّنا نؤمن بأنّ كلّ شخص هو حرّ/ فريد/ قابل للتقدّم والنموّ. وهذا يجعلنا نثق بالمتربّي ثقة تحرّكها "المحبّة البصيرة". إنّها ثقة لا تتجاهل الصعاب والعراقيل الّتي تعيق حرّيّة المتربّي وفرادته وتقدّمه ونموّه، بل تؤمن بأنّه قادر على تجاوزها بروح المزيد. وعلى أساس تلك الثلاثيّة، نحدّد طبيعة تعاملنا مع المتربّي. فنسعى إلى اكتشاف الإمكانات الكامنة فيه ونساعده على اكتشافها من أجل "المزيد". وكذلك الحدود الّتي تعرقل مسيرته، فنسعى إلى تربيته تربية شاملة "بمحبّة بصيرة".
الإمكانات والحدود من أجل تربية شاملة
إنّنا نشجّع الّذين يتربّون عندنا ونحثّهم وندفعهم ونحمّسهم كي يكتشف كلّ واحد منهم غناه الشخصيّ وديناميكيّته الداخليّة ورغباته العميقة وتطلّعاته الطموحة. ونعرض على كلّ واحد قيماً ومُثُلاً عليا لتحقيق ذلك. ونسعى إلى أن نكون مثلاً لهم في التضحية والفرح الداخليّ والانشراح والمحبّة وحبّ الاكتشاف والفطنة ... أي بالسعي إلى "المزيد". كما نتمسّك بأهداب "المحبّة البصيرة". وكم مرّة أصابتنا الدهشة حين اكتشفنا الإمكانات الدفينة أو الظاهرة عند المتربّي، فسعينا إلى أن نرافقه في مسيرته بمحبّة أخويّة.
إنّنا نساعد الشخص أيضاً على اكتشاف حدوده الّتي تعيق تقدّمه، وعلى الإقرار بها وقبولها إن لم يكن باستطاعته تخطّيها. ومن الحدود الثقيلة الوطأة ماضي الشخص وطباعه وعلاقاته وظروفه ... فالإقرار بها يساعده على التآلف معها لأنّه، كما يقول بعض الفلاسفة الوجوديّين، "ما من حرّيّة مطلقة في العالم، فجميع الحرّيّات مشروطة".
علاقة المربّي بالمتربّي
تكوين العقل
إنَّ سعينا إلى كشف الإمكانات والحدود عند الشخص يصبو إلى تربيته تربية شاملة: الذاكرة والعقل والإرادة والحرّيّة والضمير والأفكار والأقوال والأفعال والمخيّلة والحواس والجسد والوجدان والمحبّة. وأهمّ هذه الأمور ثلاثة نعدّها بالترتيب: العقل/ الإرادة والوجدان/ المحبّة.
شعارنا في تكوين العقل هو التالي: "إنّ ما يُرضي النفس ويشبعها ليس العلم بغزارة وإنّما الشعور بالأشياء والتذوّق الباطنيّ لها". لذلك لا نرمي، في عمليّتنا التربويّة، إلى التثقيف بقدر ما نرمي إلى التكوين. فعلى المتربّي ألاّ يتعلّم كثيراً. لأنّ هذا يجعله يحشو المعلومات في رأسه حشواً بأسلوب الحفظ الغيبيّ من دون تفكير. بل عليه أن ينمّي قواه العقليّة، بحيث يسمو في عقله إلى أقصى حدّ من النموّ، وأن يزيد من مستواه الثقافيّ ويُسَرّ بالمعرفة والحكمة في الحياة والرغبة في الله.
تكوين العقل
حين أدخِلَ المسرح والنشاطات الفنّيّة في أنشطة التعليم. أثيرَت انتقادات كثيرة. فقال الناس إنّ المربّي، بدل أن يدرّب المتربّين على تذوّق الله وإغناء المعارف، لا يسعى إلاّ إلى التدريب على الذوق السليم والعادات الجميلة، شأنه في ذلك شأن أساتذة آداب الحياة الاجتماعيّة. ولازال بعض الأشخاص، حتّى من بين المربّين، يعتبرون النشاطات الفنّيّة والرياضيّة أموراً لا تمسّ للعمليّة التربويّة بصِلة. فهم يفهمون العمليّة التربويّة كعمليّة تعليميّة صرفة، ولا يليق بهيئة تربويّة تعليميّة أن تنظّمها، وهي مضيعة لوقت الأولاد. إنّهم يستهجنون أيضاً كلّ نشاط جسديّ أو ترفيهيّ أو فنّيّ، ويعدّونه مضيعة للوقت، لأنّ الطفل أو الشابّ في رأيهم هو مجرّد "آلة للدرس وتحصيل العلامات". وكلّ ما خرج عن ذلك فهو من الشرّير.
إنّ موقفنا واضح لا يحتمل الالتباس. إن أردنا العمل من أجل مجد الله، لا يكفينا أن نعلن البشارة ونمنح الأسرار، بل علينا، تحت طائلة عدم الأمانة، أن نهتمّ بكلّ الإنسان، وبكلّ ما يمتّ إليه في حساسيّته ومخيّلته وعاطفته وطموحه وسعيه ومواهبه ونظرته إلى الجمال والحق. لذا، يجب على المربّي أن يستند إلى جميع إمكانات المتربّي ليساعده على أن يصبح إنساناً بكلّ ما في الكلمة من معنى. فلا يقوم دوره على تعليم الجاهل وتثقيفه ليصبح إنساناً مثقّفاً، بل على مساعدته في التقدّم بحسب مبدأ "المزيد" نحو الحقّ وفي الاكتمال إلى أبعد حد. ويتجلّى هذا الأمر في أسلوبنا التربويّ. فنحن لا نشرح كلّ النصوص حول موضوع معيّن، بل نكتفي بقراءة نصٍّ واحد، وهو ما نسمّيه "القراءة التمهيديّة"، وندرّب المتربّي على فنّ التعمّق في فكرة كاتبه وأسلوب تأمّله واستخراج كنوزه، بحيث يصبح قادراً على التفكير والتأمّل والاستنتاج أمام أيّ نصّ يقع بين يديه، سواء كان دينيّاً أو عاديّاً. وبأسلوبنا هذا نعلن عداءنا لحشو الرؤوس.
ثلاثة مبادئ لتكوين العقل
تُختصر مبادؤنا لتكوين العقل في نقاط ثلاث:
1) طريقة سقراط في طرح الأسئلة،
2) إثارة الإبداع عند المتربّي،
3) ممارسة المراجعة لتثبيت النتائج.
على هذا الأساس، يلتزم المربّي بالأمرين التاليين:
آ- لا يجوز له أن يكون حاجزاً بين تفكير المتربّي والحق، ما لم يكن ذلك لتعزيز الاتّحاد بينهما. ففي العمليّة التعليميّة، يعاني المربّون مشقّة كبيرة كي لا يتصوّروا التعليم بأسلوب يخالف أسلوب توزيع المعلومات على مستمعيهم. إنّهم يُملون الدروس عادة أو يقرأونها، فيضعون بذلك حاجزاً بين عقل المتربّي والحقيقة الّتي يجب أن يكتشفها بنفسه بوساطة عمليّة التفكير والاستنتاج.
ب- عليه أن يحثّ المتربّي على العمل الشخصيّ، وأخذ موقف خاصّ من الأحداث الّتي يعيشها والعلوم الّتي يكتسبها. وفي الآن نفسه، ينصحه ويشجّعه ويتابعه ويقيّم معه سير الأمور ونتيجتها.
لهذا لا نُملِ الدروس إلاّ بعد مناقشتها ثمّ شرحها. ولا يهم إن كتّبنا الطالب كلّ شيء قلناه أم لا. فالإملاء يضيّع على المربّي فرصة عرض التفكير النقديّ (لا الانتقاديّ). وبدل أن يجد المتربّي ماءً لا ينال إلاّ الوحل. فالكتابة عمل كاذب، والوقت الّذي تستغرقه وقت ضائع، لأنّه يمكننا أن نجد ما ندوّنه في كتب تعرضه بأسلوب أفضل من دفاترنا.
يقوم المربّي بطرح الأسئلة بحسب طريقة سقراط كي يثير اهتمام المتربّي ونشاطه. فلا تُطرح الأسئلة لمراقبة معلومات المتربّي أو لامتحان ذاكرته، لأنّ هذا لا يتطلّب من المتربّي أيّ مجهود عقليّ ولا يكوّن العقل. فحمل الطالب على التفكير يختلف عن تسميع الدروس. وهناك فرق شاسع بين الفاحص الّذي يحمل الطالب على أن يقول ما يعرفه، والمربّي الّذي يسعى إلى مساعدة عقله، المغشّى بالغوامض، على اكتشاف ما يظنّ أنّه يجهله أو ما يفكّر فيه تفكيراً غامضاً. فعلى سبيل المثال، إذا كان الدرس عن الشر، يسأل المربّي:
س. ما هو الشر؟
ج. إنّه كلّ عملٍ سيّء يقوم به الإنسان وكلّ كارثةٍ طبيعيّة تؤذيه.
س. ومن خلق الشر؟
إذا كان الجواب "الله"، نسأل مباشرة، إذا كان الله هو الّذي صنع الشرّ فهو شرّير! وإذا كان الجواب "الشيطان"، نسأل، وهل الشيطان خالق ليخلق الشر؟ وهكذا، يبدأ المتربّي بالتفكير.
ويرافق التمرين الشفهيّ في طرح الأسئلة تمارين أخرى خطّيّة متنوّعة إلى أقصى حدّ في التأليف، ممّا يفسح المجال لقوّة الإبداع عند المتربّي. ففنّ التأليف يضع المتربّي في صلة حميميّة بالمجهود الإبداعيّ الّذي قام به المؤلِّف، في حين أنّ الإلقاء، ولا سيّما التمثيل، يمكّنانه من الانفتاح على الشعور بالجمال. ففي التمثيل يعبّر المتربّي بصوته وحركاته ومواقفه وحساسيّة جسده عن الأفكار والمشاعر الّتي وجدها في النصّ. لهذا نعير التمثيل اهتماماً بالغاً.
أمّا المبدأ الثالث لأسلوبنا التربويّ لتكوين العقل فهو المراجعة. على المربّي أن يخصّص قسماً كبيراً من اللقاء لتثبيت النتائج المكتسبة، والتحقّق ممّا اكتسبه الطلاّب. ولا تكون المراجعة تكراراً يتناول الذاكرة، بل عودة إلى الموضوع نفسه، ولكن من ناحية أكثر تآلفاً من الأولى. فبعد مناقشة نصّ ما، تُعاد قراءته، فيتمتّع المتربّي به، ويتذكّر جميع النقاشات الّتي دارت حوله. وفي المرّة التالية، يُحاول الطلاّب تذكّر ما قيل. والمراجعة تكشف للمربّي جدوى أسلوبه التعليميّ. بها يستطيع أن يدرك إلى أيّ درجة أصغى إليه المتربّي وفهم كلامه وحفظه واستوعبه، وأين يبدأ جهله وقلّة إدراكه. ولا ضير في أن يقضي المربّي في تدريب طلاّبه على التعبير ضعف الوقت الّذي كرّسه للتعليم (الدرس).
علاقة المربّي بالمتربّي
تكوين الإرادة والوجدان
إنّ غاية تكوين الإرادة والوجدان هي تحويل المتربّي إلى إنسان حرّ واعٍ لأعماله. والحرّيّة في نظرنا هي التغلّب على أهواء النفس والطواعيّة الإراديّة لعمل النعمة. وهذا لا يتمّ بطريقة عفويّة، بل بتدريب مستمر على "التغلّب" على النفس، وعلى فرض نظام يُخضع جميع قوى الإنسان لقدرة عُليا. فنحن لا نفرض أنظمتنا من أجل الخير العام، بل من أجل تكوينٍ له هدف روحيّ ألا وهو اكتشاف الحرّيّة وممارستها.
تكوين الإرادة والوجدان
لا يقتصر هدفنا في التربية على تكوين عقل المتربّي وحسب، بل يشمل تكوين إرادته أيضاً. أو بعبارة أدق، نحن نكوّن الإرادة بتكويننا للعقل. ودور المربّي هو شحذ العزيمة بقدر ما هو إيقاظ العقل. لذلك نسعى في أنشطتنا إلى تدعيم عنصر المغامرة، وعلى المتربّي أن يتعلّم كيف يواجه الصعوبة ويذلّلها من دون يأس. وهذا من شأنه أن يقوّي إرادة المتربّي ويجعله ينتصر على أعدائه الباطنيّين من ميول لا تفيده في بناء شخصيّته. ونعتمد في إثارة الهمم وإشعال روح الحماس على العلاقة بين المربّي والمتربّي. وقوامها الثقة المتبادلة والصراحة والفرح.
إنّنا نقوّي الإرادة والوجدان من خلال خلق شعور من الشرف عند المتربّي. ونرفض أسلوب العقاب الشرس. فالتوبيخ الكلاميّ المهذّب، الّذي يتمّ في جوّ من "المحبّة البصيرة"، يأتي بنتائج أفضل بكثير من العقاب. وكثيراً ما يعدّل المتربّي سلوكه بدافع الخجل لا الخوف. والشعور بالخجل يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالشعور بالشرف. أمّا العقاب، فيصطبغ على الدوام بصبغة الخدمة. حين يقوم المتربّي بعمل سيّء، نعاقبه بأن نطلب منه أن يقوم بعملٍ حسن للتكفير عن خطئه. وحين ينفّذ ما طلبناه منه، يشعر براحة التكفير وفخر العمل الصالح في آنٍ واحد. وإذا يئسنا من مذنب، نفصله إلى حين كي يشعر بألم خطيئته من خلال ابتعاده عن المركز وما فيه من نشاطات وجوّ فرح. ومن الوصايا الّتي نراعيها في القصاص نذكر ما يلي:
- لا تتجاوز العقوبة أبداً ذنب الولد.
- يُنـزَل القصاص عند الضرورة فقط.