أَمِلْ يا رَبِّ أُذُنَكَ و أستَجبْ لي فإنِّي بائِسٌ مِسْكين (مز 86 /1)
روحانيّة الحب الزوجيّ - الجزء الثالث
الحبُّ الزَّوجيّ يَظهرُ في خصوبةِ العائلةِ
تبلغ مسيرةِ الانتقالِ مِن الحبِّ الإيروس إلى الحبِّ الأغابي قمتها في العائلة.. فماذا يعني هذا؟ إنه ما لم يكن لدى الشخصٌ اليقينٌ بأنَّه محبوبٌ، فهو وبلا شكٌ شخصٌ لا يمكن الاعتمادُ عليه، لأنَّه لا يزال في بحثٍ عمَن يمكنه هو الاستنادُ عليه، فهو في حاجةٍ إلى سندٍ. وعندما يُعاش الحبُّ الجنسيّ في حقيقته، فثمرته الأولى هي يقينُ الشَّريكين- المؤسسُ على منطقِ العَلاقة والثَّقةِ بالآخر- في أنَّ كلَّ منهما بالفعلِ محبوبٌ؛ وبالتَّالي يُصبح الشَّخصُ المحبوبُ قادراً على أنْ يُحبَّ؛ فإنْ لم يشعر الشخَّصُ بأنَّه محبوبٌ، سوف يذهب بعيداً باحثاً عن الحبِّ. أمَّا عندما يبلغ الشخصان إلى اليقينِ بأنَّهما محبوبان، فإنهما سيصبحان بفضلِ هذا اليقينِ قادرين على أنْ يُحبا؛ ويمكنهما عندئذٍ أنْ يُنجبا الأولادَ، الذّين هم ثمارٌ لحبِّهما. وخلافاً لذلك، يصبح هذان الشَّخصان بسهولةٍ موضوعاً للامتلاك، ومجردَ وسائلٍ لإشباعِ الاحتياجِ الخاصِ إلى الحنانِ.
في المجالِ الرَّعويّ العائلي، لا يجدي نفعاً كثرة التَّأكيدُ على الحاجةِ إلى إنجاب أطفالِ؛ إنَّما يلزم أولاً وقبل كلِّ شيءٍ، مساعدةُ الشَّريكين على العودةِ إلى حقيقةِ سرِّ الزواج.
الأساس إذن هو اليقين الثابت بأن كلاهما محبوب لنا وإنَّ إنجابَ الأولادِ ما هو إلا نتيجةٌ لهذا اليقينِ المُتواصلِ، وكذلك الأمر في تأسيسُ عائلةٍ مُنفتحةٍ وإقامةُ شركةٍ في الحبِّ تُصبح قادرةً على استقبال الأصدقاءِ والأقاربِ وحتى الغريبِ الذّي يمرِّ بها، كلُّ هذا نتيجةٌ لليقينِ المُتواصلِ بالحبِّ. فمِن الضَّروريّ إذن توجيهُ الشَّريكين، نحو طريقِ نزعِ جذورِ الأنانيّةِ؛ لأنَّ إنجابَ الأولادِ لن يكون نتيجةَ أو ثَّمرةَ شريكين لا زالا يحييان على مستوى الأنانيّةِ، والحديثُ هنا لا يختلف كثيراً عن وصيةِ الله لهما بأنْ يُخصبا ويُثمرا. فكلَّما عاش الزَّوجان الحبَّ الإيروس كحقيقةٍ يتحوَّلَ هذا الحبٍّ إلى أغابي، ويتضح استعدادُهما الكاملُ للانفتاحِ على الحياةِ ورفضِ الحساباتِ، وبذلك يقبلون أولادهم- إنْ أعطاهما الله إياهم- في إطار قصةٍ مُتجذِّرةٍ في الحبِّ الحقيقيّ. وعلى ضوءِ هذا الحديثِ، يتضح أنَّ خصوبةَ الشَّريكين لن تُحبطها استحالةٌ محتملةٌ في إنجابِ الأولاد؛ فمثلِ هذه المشكلةِ، حتى وإنْ كانت مؤلمةً جداً، ستُقرأ وتُفسَّر في إطارِ النضوجِ النابعِ مِن الحبِّ الأغابي الذّي ينمو فيه الشَّريكان، وينفتحان أكثر فأكثر على الآخرين ويعتنيان بهم.
الجنسُ رمزٌ للموتِ مِن أجلِ الآخرَ
فَقَدَ الإنسانُ بعد الخطيئةِ الأصليّةِ، القدرةَ على الاتصالِ والعَلاقة بالله وبالآخرين وبنفسه وبالكلِّ؛ ومِن ثَمَّ أصبح وحيداً ومُنغلقاً على ذاته. ويمكننا الآن أنْ نضعَ في عبارةٍ واحدةٍ تعريفاً، لا وبل تحديداً كلِّيّاً للإنسانِ، "إنَّه الوجودُ الذّي يبحث عن عَلاقةٍ"، أي الذّي يبحث عن أنْ يكونَ مِن جديدٍ محبوباً، يبحث عمَّا فقده. فما هو يا تُرى البرهانُ الذّي يقنعه بأنَّه محبوب؟ إنَّ البرهانَ يكمن في شخص يُظهر له أنَّه اختاره هو بدلاً مِن ذاته نفسها، وبدلاً مِن الأشخاصِ الآخرين الذّين كان بإمكانه أنْ يختارهم. فبرهانُ العَلاقةِ المُستعادةِ هو اليقينُ بالعَلاقة الذّي يُماثل ويوازي اليقينَ بوجودِ الإنسان ذاته. فيمكن للشخصِ أنْ يتأكَّدَ مِن أنَّه فعلاً في عَلاقةٍ، عندما يصل مِن خلالِ هذه العَلاقةِ إلى خبرةٍ راسخةٍ ومتواصلةٍ أي عندما يحصل على ثقةٍ أكيدةٍ تُعادل اليقينَ بوجودِ الفعلِ نفسه.
يصل الشَّخصُ إذن إلى اليقينِ بوجوده ذاته، عبر الثقة الكاملة بأنَّ هناك آخرُ قد اختاره هو، وبأنَّ هذا الآخر متحدٌ به؛ فبالتَّالي هو واثقٌ مِن وجوده، وواثقٌ بأنَّه لن يهلك ولن يضيع في اللامعنى. إنَّ البرهانَ "الأنثروبولوجي"، يعني أنَّ يتمسَّك الشَّخصَ بالآخر أكثر مِن تمسّكه بنفسه، وأنَّه ينشغل بالآخر أكثر مِن انشغاله بنفسه، وأنَّه يختار الآخرَ بدلاً مِن نفسه؛ وأنه يبقى ثابتاً في هذا الاختيارِ في كلِّ ظروفِ الحياةِ المُحتملةِ، حتى أمام الموتِ؛ فإنَّ البرهانَ الأخيرَ الحاسمَ والقاطعَ هو الموتُ مِن أجلِ الآخر، بُعدُ التَّضحيّةِ مِن أجلِ الآخر، الذي نجده في قلبِ كلِّ الأديانِ، وهو موجودٌ بالأخصّ في المسيحيّةِ.
إنَّ البرهانَ الوحيدَ الذّي يُقنع شَّخصَ بأنَّه حقاً في عَلاقةٍ، هو إدراكه بأنَّه عوضاً عن انشغاله بذاته، ينشغل بآخرُ. فالعَلاقة تتحقَّق بفضلِ الثِّقةِ والولاء؛ فمثلاً إذا ائتمن أحدهما الآخر على بعضِ الأمورِ الشَّخصيّةِ، فما الضمانُ بأنَّ تلك الأمورَ ستظل سراً بينهما؟ فإنْ لم تكن الثِّقةُ المُتبادلةُ هي الضمانَ، فما هو الضمانُ يا تُرى؟! وبقدرِ ما يكون الحبُّ كبيراً، بقدرِ ما يَعظم اليقينُ بالثِّقةِ المُتبادلةِ بينهما. لذلك حتى الله نفسه، يتصرَّف بحسبِ منطقِ العَلاقةِ، فلا يُجبرنا أنْ نحبه وأنْ نُسلِّمَ له أنفسنا؛ ولكنَّه مِن خلالِ ذبيحةِ ابنه يُوحي لنا بحقيقةَ عَلاقته ومصداقيّةَ إخلاصه وعلينا الاختيار؛ ولذلك فالرجاءُ بالله ليس أبداً خداعاً وتضليلاً، فالرجاءُ به لا يخيب أبداً. وتُعتبر المسيرةُ التي يتطلَّبها الحبُّ الزَّوجيّ مسيرةً أصيلةً، ولأجلِ ذلك يمكنها أنْ تُصبح سراً.
وقد يعترض البعضُ: ولكن إذا مات الرَّجلُ ليُبيِّن للمرأةِ أنَّه يحبها ويختارها هي، فسوف ينتهي كلُّ شيءٍ! وللردِ على مثلِ هذا الكلامِ، نقرأ (تك 3/ 7)، حيث يدور الحديثُ عن ورقةِ التِّينِ، فنجد أنَّ الإنسان يكتشف أنَّ أعضاءه الجنسيّةَ خُلقتْ مِن أجل الاتحادِ، فيقوم بتخبئتها؛ وعندما يقوم بهذا الفعلِ، فهو يُقدِّم صورةً رمزيّةً للموتِ مِن أجلِ الآخر. فهو يعترف بأنَّ أعضاءه الجنسيّةَ هي منطقةٌ للمودة والألفة، وينبغي أنْ تُكشفَ فقط أمام هذا المخلوق الوحيد الضروريّ مِن أجلِ بلوغ اليقينِ بالعَلاقةِ. ويعني هذا كلُّه أنَّ الإنسانَ قد اكتشف في الجنسِ تلك الحقيقةَ الرَّمزيّةَ للبرهانِ الأعظمِ للعَلاقةِ المُستعادةِ، مِن حيث إنَّه يكشف لشخصٍ واحدٍ فقط حياته الجنسيَّةَ الخاصةَ؛ وبهذا يُصبح الجنسُ التَّعبيرَ عن الإخلاصِ والثِّقةِ الكاملةِ بالآخر. إنَّ البرهانَ الوحيدَ للعَلاقةِ الرَّاسخةِ هو الثَّقةِ التّي تُخلق مِن خلالِ هذه المودةِ والآلفةِ؛ فإنْ نقصت هذا الثِّقةُ، ستبدأ الغيرةُ وعدمُ الإحساس بالأمانِ في القضاء على كلّ شيءٍ. وإنْ لم يملك شخصٌ ما اليقينَ بأنَّه محبوبٌ، فلن يقدر على أنْ يُحبَّ أحداً؛ وبالطبع لا يجب فهمُ هذه العبارةِ الأخيرةِ بشكلٍ مُطلقٍ وحسابيّ.
يتحدث كثيرون اليومَ عن أزمةِ القيمِ، وعن الانعزاليّةِ والرُّوحِ الفرديّةِ، وعن نقصِ التَّضامنِ؛ ولدينا غالباً نوعٌ مِن التَّخوفِ في أنْ نقولَ أنَّ هذا يرجع، على الأرجحِ، إلى انتهاكِ حقيقةٍ الحبِّ الزَّوجيّ. ويحضرني هنا اجتماعٌ لأولياءِ الأمورِ، كان عددُ الحاضرين فيه يزيد على مائتيّ شخص، وقد طرحتُ عليهم السُّؤالَ التَّالي: مَن منكم واثقٌ ومتيقن بأنَّه فعلاً محبوبٌ؟ فأجابني بنعم شخصان أو ثلاثةٌ فقط مِن كلِّ الحاضرين! وهذا يعني ببساطةٍ، أنَّ المجتمعَ الذّي نعيش فيه يبعث على الفرديّةِ والبحثِ عن ضماناتٍ وعن الاستقلالِ الذَّاتيّ ، لأنَّه يفتقد هذا اليقينُ الجوهريّ، يقينُ بالعَلاقة. وفي هذا السِّياقِ يمكننا أنْ نفهمَ إصرارَ البابا يوحنا بولس الثاني في أحاديثه - وله كلُّ الحقِّ في ذلك- على موضوعِ التَّضامنِ الاجتماعيّ. فإنَّ يقينَ الإنسانِ المُتواصلِ بأنَّه محبوبٌ ومُختارٌ هو قاعدة وأساسٌ للتَّعايشِ الإنسانيّ؛ وانطلاقاً مِن هذا، يُصبح الإنسانُ ذاته قادراً على أنْ يُحبَّ.
المسيحُ ذاتُه رفعَ الحبَّ الزَّوجيّ إلى مرتبةِ السِّرِّ
لقد رفع المسيحُ هذا الحبَّ الزَّوجيّ ليكونَ سراً. والسِّرُّ كما نعرفه هو علامةٌ حسيّة أسّسها السيد المسيح تشير إلى النعمةِ وتمنحها. يدور الحديثُ في هذا المجال عن مُشاركةٍ شخصيّةِ للزوجين في المسيح، وهو سرُّ أساسيّ وأوليّ يعني التَّواصلُ الفعَّالُ لنعمةِ الله. فإنْ كان سرُّ الزواج يتمُّ ويتحقَّق في الفعلِ الزَّوجيّ، فهذا يعني أنَّه سرُّ، وأن مادته السِّريّةِ توجد هناك حيث يوجد الزَّوجان. إنَّ سرَّ الزواجِ هو السرُّ الوحيدُ الذّي لا تُصاحبه مادةٌ، فلا يلتصق به ماءٌ ولا خبزٌ ولا خمرٌ ولا زيتٌ، كما يحدث في الأسرارِ الأخرى؛ فمادة هذا السِّرِّ هي فقط الحبُّ بين الشَّخصين؛ فالزوجان والكنيسةِ المُمثّلةِ في الكاهنِ والشُّهودِ أي جماعة المؤمنين، يؤكّدون "أنَّ الحبَّ بين الشريكين هو حبٌّ مُعترفٌ به مِن قِبْل الله وعلى مثاله، هو مادةُ السِّرِّ". فلا وجود لهذا السرُّ إنْ غاب الحب؛ فما يوجد هذا الحبَّ المُتبادلَ لدى كلا الشّخصين، أو خدع أحدهما الآخر، فإنَّ هذا الزواجَ يصير باطلاً. ولذلك تُصبح الشَّهادةُ لهذا الحبِّ قَبل الزواج أمرٌ هامٌ للغايةِ؛ فالناسُ يجب أنْ تُلاحظَ أنَّ هذين الشَّخصين هما في مرحلةِ انتقالٍ وتغييرٍ، وأنَّهما أصبحا وسيصبحان باستمرارٍ قادرين على الحبِّ، لأنَّ الحبَّ قد زار قلبهما، كما يقول إفدوكيموف[31]؛ فإنْ لم تكن الأمورُ تسير هكذا، فهي إذن مجردُ مراسيمٍ خارجيّةٍ وكاميراتِ تصويرٍ.
إنَّ الاحتفالَ بسرِّ الزواج، هو بالأحرى، لحظةٌ في غايةِ الأهميّةِ بالنسبةِ لكلِّ الجماعةِ الكنسيّةِ، لأنَّ الاستبصارٌ والوعي بالحبِّ مُؤسسٌ فقط على الثِّقةِ في العَلاقةِ، ويمكن التَّحقَّقُ منه وإثباتُ صحته فقط مِن خلالِ العَلاقاتِ، وبالتَّالي مِن خلالِ الجماعةِ. فينبغي أنْ يُعترفَ بهذا الحبِّ كحبٍّ له نفسُ خصائصِ حبِّ الله، فهو حبٍّ أكثرُ مِن الحبِّ الإيروس، بمعنى أنَّه ليس مُوجَّه فقط إلى شخصٍ واحد، الشَّخصِ المحبوبِ، إنَّما يجب أنْ يتحوَّل باستمرارٍ إلى حبِّ أغابي مع الآخرين أيضاً؛ وبالتَّالي فهو حبٍّ يدخل في عَلاقاتِ مع الآخرين ومع العالمِ، وهو بمثابةِ حريةٍ منـزه عن المصلحةِ الشَّخصيّةِ، في سخاءٍ وإخلاصٍ، ورسوخٍ. وإنْ كان حبُّ الله هو حبٌّ مُطلقٌ، بمعنى أنَّه عطاءٌ كاملٌ لذاته، فلذلك ينبغي على الزَّوجين وعلى الكنيسةِ أيضاً أي جماعةِ المؤمنينِ التحقُّقَ، قبل الزواج، ومِن خلالِ العَلاقاتِ، مِن مدى كون حبُّهما له نفسُ خصائصِ الحبّ الإلهي؟ ففي فترةِ الخطوبةِ، عندما كان كلاهما يرى الآخر في شموله، يختبر الشَّريكان أنَّ الحبَّ كان يقنعهما بمعنى التَّضحيّةِ بأنفسهما؛ فقوةُ الحبِّ تُعرف حقاً، مِن خلالِ الاختبار الحياتي الذي يؤدي بالشخص إلى التخلّي عن مبدأِ إثباتِ الذَّات الأنانيِّ في سبيل إسعاد الآخر.
وبهذا المعني، تقدّر الكنيسةُ مُنذ نشأتها الدَّورَ الكبيرَ الذي يحتله الجنسُ، بحيث يستطيع الشَّخصَ أنَّ يتركَ الانجراف وراءِ الإشباعِ الجنسيّ، مِن أجل ثقته الكاملةِ في العَلاقةِ. فإنْ كان هناك حبٌّ بين شخصين، ولم يبلغ هذا الحبُّ إلى قدرته في تقديرِ الآخر والذَّاتِ معاً بشكل شامل، وكذلك تقديرهما أيضاً في كلِّ العَلاقاتِ الأخرى، فالفعلُ الجنسيّ هنا لم ينضج بَعدُ. عندئذٍ يتلاشى المضمونُ الشَّاملُ للعَلاقةِ والذي يُعاش في الثِّقةُ واليقينُ في العَلاقة، كما لو أخذنا كتلةً مِن جبل الثَّلجِ الذّي تحتها دون النظر إلى الجبلَ الذي يحملها.
وعندما يمتنع الشَّريكان عن إتمامِ الفعلِ الجنسيّ خارج الزواج ويؤجلاه إلى لحظةِ الاعترافِ به من كلِّ الجماعةِ، فهذا يعني أنَّ حبهما هو من حبَّ الله، ذاك الحبَّ الذي يُعطي الكمالَ للجنسِ. وبذلك يقبل الجنسُ مبدأَ الحبِّ الفعَّالِ، فيتمَّ الانتقالُ بفضلِ ذلك مِن جنسٍ قائمٍ على الهوى ومقتصر على الجسدِ، إلى جنسٍ بين جسدين يُعبِّران، مِن خلالِ انتظارهما للاتحاد معاً، عن القيمةِ الفريدةِ التي يراها الواحدُ في الآخر. والكنيسةُ في ذلك كلِّه تعمل على المحافظةِ على معنى الفعلِ الجنسيّ عندما تصون الحبِّ. فعندما يتمُّ اختبارُ الحبِّ في أوضاعِ كثيرةٍ في الحياةِ اليوميّةِ، والتَّحقَّقُ منه أيضاً مِن خلالِ الآخرين وبواسطةِ العَلاقة في الجماعة، وعندما يُعترف بقيمةِ التَّضحيّةِ في سبيلِ الحبِّ تفضيلِ الآخر عِن الذَّاتِ -على الأقلِ بدرجةٍ مُعيّنةٍ- فسيتحد الشَّخصان معاً جنسيّاً ويتذوقان ثمرةَ ذلك الحبِّ القادرِ على الاتحاد. بعد ذلك مهما يحدث، فإنَّ الشَّخصين يكونا قد توحدا معاً حقاً ويمكنهما الآن إتمامَ الفعلِ الزَّوجيّ على ضوء القيامةِ كيقينٍ بالثِّقةِ المُستعادةِ من خلال العَلاقةِ.
إنَّ الفعلَ الزَّوجيّ نفسه سينقل الزوجين إلى اختبارِ حبَّ الله، الذي في شخصهما يحبُّ الإنسانيّةَ كلها. لقد جعلتْ الخطيئةُ الأصليّةُ من الجنسَ وسيلةٍ مطبوعةٍ بالأنانيّةِ، ولذلك فإنَّ القدرةَ على التخلّي عن الانجراف وراءِ الأهواءِ هو أحدٌ البراهينِ الأكثرِ قوةٍ للشخصِ المحبوبِ، الذي يدرك بدوره أنَّ الآخرَ يحبه بشكلٍ كاملٍ وأنَّه مُستعدٌ مِن أجله للتَّخلّي عن أي شيء؛ إنَّ هذا البرهانَ هو برهانُ الأمانةِ أو الإخلاصِ، التي هي الخاصيّةُ الأساسيّةُ المُميزة لحبِّ الله.
ينبغي أنْ تكون الأمانةُ الزَّوجيّةُ حقيقةً فريدةً وثمينةً بوفاءِ الشَّريكين لبعضهما؛ إذ يربط القديسُ بولس بين أمانةِ الزَّوجين نحو بعضهما وأمانةُ المسيحِ نحو كنيسته، فيقول إنَّه "سرٌّ عظيمٌ"؛ فالحديثُ هنا يدور حول سرٌّ حقيقيّ: حيث يتشابه حبُّ الرَّجلِ والمرأةِ مع حبِّ المسيحِ لكنيسته[32]. فكما وُلدتْ حواء مِن ضلعِ آدم، هكذا وُلدتْ الكنيسةِ مِن جنبِ المسيحِ المفتوحِ.
المعنى الرَّوحيّ يتحاشى المثاليّةَ في الجنسِ
رأينا أنَّ المعنى الرَّوحيّ يصل إلى الكشفَ عن الحقيقةِ النهائيّةِ للجنسِ، التي هي الحقيقةِ الأسراريّةِ. ومِن المؤكدِ الآن أنَّه بدون الفهمِ الرَّوحيّ لهذه الحقيقةِ، فإن التَّفكيرُ التأملي حول الموضوعِ يمكن أنْ يخدعنا ويضللنا، وقد يقودنا إلى مثاليّةِ مغلوطةِ تقودنا بدورها إلى نوعٍ مِن عبادةِ الأصنامِ، تأليهٍ للجنسِ؛ وبالتَّالي يمكنها أمام عدمِ التَّوافقِ المُستمرِ مع الواقعِ المعاشِ أنْ تنتهي بنا، إلى خيبةِ أملٍ مريرةٍ.
فالمثاليّةٌ، عندما تصطدم مع الحياةِ، تُنشئ ردةَ فعلٍ عكسيّة؛ فبدلاً مِن المثاليّةِ المزعومةِ، تَنشأ رؤيّةٌ طبيعيّةٍ أي رؤيةٌ ماديّةٌ للجنسِ، ومِن ثَمَّ يحمل عدمُ التوافق بين الواقعِ الفعليّ المُعاشِ الناتج من المثاليّةِ، إلى اتهام الأشخاصِ والشَّكوى منهم؛ فيبدأ الشَّريكان في إلقاءِ اللوم على الظروفِ والأحوالِ، أو يعتقدَ أحدهما تحت الإحساس بالذَّنبِ، بعدمِ قدرته على أنْ يحيا الجنسَ بشكلٍ سليمٍ.
عندما ننظر إلى المراحلِ التَّاريخيّةِ المُختلفةِ والثَّقافاتِ المُتنَّوعةِ، يتضح لنا وكأنَّ بعضَ الثَّقافاتِ، كانتْ تُؤلّه الجنسَ، واضعةً إياه في صبغاتٍ تصوفيّةٍ؛ في حين أنَّ المجتمعَ وقتها لم يكن قادراً بَعدُ على أنْ يحيا هذه الصبغاتِ التَّصوفيّةِ بشكلٍ مُتزنٍ. حدث نفسُ الأمرِ أيضاً في البيئاتِ الثَّقافيّةِ التي تمَّ فيها تأسيسُ "مثاليّةٍ أخلاقيّةٍ/ فلسفيّةٍ" كبيرةٍ مُتعلِّقةٍ بالجنسِ، فبالمثلِ لم تكن الناسُ حينئذٍ قادرة أنْ تحيا مثلَ هذه المثاليّاتِ؛ فكانوا مِن ثَمَّ يصطدمون بالواقعِ المُعاشِ المُختلفِ تماماً عن المثاليّةِ؛ وقد انتهى بهم الحالُ لأنْ يبتكروا لأنفسهم مجالات أخرى للهروبِ والتَّنفيسِ.
وعلى عكس ذلك، نجد أنَّ الثَّقافةَ العبرانيّةَ، قد اعتبرتْ دائماً الجنسَ جزءً طبيعيّاً مألوفاً مِن الحياة؛ فكلُّ ما هو إنسانيّ أصيلٌ يتداخل ويرتبط بانسجام مع الواقعِ اليوميّ المُعاشِ. ولقد كشف المسيحُ عن المعنى الحقيقيّ الرُّوحيّ والخلاصيّ للجنس، رافعاً إياه إلى المستوى الأسراريّ. فليس "السرّ" نوع مِن عبادةِ الأصنامِ، "أي تأليهٍ لأمرٍ ما"، ولا هو أيضاً نوعٌ مِن "المثاليّةِ"، إنَّما هو "تحويلٌ وتجديدٌ"؛ بل وأكثر مِن هذا، فالجنس هو تحوُّلٌ للخليقةِ في المسيحِ بواسطةِ طاقاتِ الرُّوحِ القدسِ كتحوُّلِ الخبزِ والخمرِ؛ إنَّه وصولٌ نعمةِ الله إلى الإنسانِ بشكلٍ مُدركٍ وملموسٍ، ولكنَّه ليس نوعاً مِن السَّحر ولا يتعارض مع عمليةِ الخلقِ، بل بالأحرى هو كمالها المُتناغمُ. وعندما نقول "كمالها المُتناغمُ" لا يعني ذلك "رومانسيّةً" مغلوطةً؛ ولكنه يفترض مُسبقاً مسيرةَ الفصحِ، أي مسيرةَ الحبِّ الذي يخلص بفضلِ التَّضحيّةِ بالذِّاتِ.
إنَّ الحبَّ الزَّوجيّ هو مسيرةٌ تمرُّ بكثير من الصُّعوباتِ والاضطراباتِ، تمر بفترات من عدمِ التَّفاهمِ والصَّمتِ بل قد تصل إلى الإهاناتِ؛ ولكنَّ الحبَّ، يُقنع الشَّخصَ بأنَّه عندما يموت بسبب الإصرار على استمرار الشَّركةِ فلن ينتهي في الظِّلامِ وإنَّما يعبر دائماً إلى النورِ. وعندما يحيا الزَّوجان هذه الشَّركةِ الشَّخصيّةِ في حياتهما اليوميّةِ، صداقةٌ روحيّةٌ، يجعل البُعدَ الجنسيّ بمعناه الضِّيقِ يحتل مكانةً دائماً أقلَ في العَلاقةِ بين الزَّوجين.
خطواتُ نضوجِ الحبِّ نحو الرُّؤيةِ الأسراريّةِ
للانتقالِ مِن الحبِّ العاطفيّ العشقِ إلى الحبِّ الزَّوجيّ، هناك بعضُ المراحل الخاصّةِ بمثلِ هذه المسيرةِ، تحتاج إلى التَّقديرِ والأخذِ بعينِ الاعتبار. ومع ذلك، ينبغي أنْ يستدعي انتباهنا أيضاً ما يجب فعله، وما يلزم وضعه في الاعتبارِ دون أن نتجاهل ما لا يجب فعله.
· المُحاورُ الرُّوحيّ "المُرشدُ الرُّوحيّ"
تعاني العائلةُ اليومَ من صعوباتٍ مَلحوظةٍ؛ فالشبابُ المُقبلون على الزواج غالباً ما لا يجدون في عائلاتهم صداقةً روحيّةً توجههم وتقودهم لمواجهة متطلبات الحياة الجديدة، فمن ثَمَّ يبحثون لهم عن مُحاورٍ روحيّ في مكانٍ آخر. وغالباً ما يكون هذا المُحاورُ الرُّوحيّ إمَّا زوجين قد تزوجا مُنذ بضع سنواتٍ، وإمَّا كاهناً أو مُكرَّساً ناضجاً روحيّاً. ويعتبر مِن الحكمةِ أنْ يختارَ الشَّريكان في مرحلةِ العشقِ، فترةِ ما قبل الزواج، محاوراً من النوعيّةِ الجيدة، لأنَّنا نعيش اليومَ في عالمٍ متعارض في ثقافتهٍ مع الكثير من قيمِ الحبِّ الذي يجب أن يقوم بين الرَّجلِ والمرأةِ؛ بل لا نبالغ إذ نقول أن الثقافة المُعاصرة تمثل كثير من العقباتٍ والصعوباتٍ للحبُّ الزَّوجيّ والعائلةُ. ولذلك فقَبل اختيارِ المُحاورِ الرُّوحيّ، ينبغي التَّحقُّقُ أولاً مِن أنَّه ناضجٌ حقاً عاطفياً، ولديه صفاتُ وملامحُ الأُبوةِ/ الأُمومةِ الرُّوحيّةِ، وله قلبٌ صاف خالٍ مِن أيِّ مصالحٍ شخصيّةٍ مُتعلِّقةٍ بأحدِ الشريكين، وهدفه الأوحد أن يساعد الشخصين في تحقيقِ إرادةِ الله في حياتهما، كي يصلا إلى الحبِّ والحريّةِ.
وطالما أنَّ الخطيبين لم يتزوجا بَعدُ، فمِن المهمِ أنْ يفهما ويُقدِّرا أنَّ الأبَ الرُّوحيّ يبغي خيرهما هما الاثنين؛ ومِن المهمِ أيضاً، وعلى قدرِ المُستطاعِ، ألا يُشعرهما الأبُ الرُّوحيّ ذاته بأنَّه راضٍ عن زواجهما، أو أنَّه على العكس رافضٌ له. فغالباً ما تنشأ عواقبِ وخيمةِ عندما يتدخَّل الأبُ الرُّوحيّ في شئونِ الشَّريكين ويوجههما بدلاً مِن أن يرافقهما في مسيرةِ اكتشاف. وينبغي أنْ يكونَ هذا الشَّخصُ ذو خبرةٍ كافيّةٍ، ولديه معرفةٌ جيدةٌ بالعالمِ والواقعِ، ويعرف أيضاً ثقافةَ الشَّبابِ، وعلي وعي جيد بمراحلِ النموِ الرُّوحيّ؛ ومِن الضروري أيضاً ألا يكونَ فضوليّاً أو مُتَطفلاً أو محباً للتَّحريّ والتَّنقيبِ، وألا يتدخِّل بالذَّات في المجالِ الأخلاقيّ المُتعلِّقِ بالألفةِ والمودةِ الجسديّةِ بين الشريكين. ومِن الأفضلِ أنْ يجدَ الشَّريكان شخصاً يمكنهما أنْ يُخبراه بكلِّ شيءٍ بشفافيّةٍ كاملةٍ، حتى الصُّعوباتِ والشُّكوكِ المُرتبطةِ بالمستوى العاطفيّ؛ ولكن مِن الناحيّةِ الأخرى، مِن المهمِ أنْ يُجيدَ هذا الأبُ الرُّوحيّ استقبالَ كلِّ هذه الأمور وتقديمها لله كصلاةٍ، وأنْ يُحاولَ إيضاحَ وإنارةَ الأمور برؤيةٍ لاهوتيّةٍ وروحيّةٍ، دون أنْ يُقحمَ نفسه فيها.
مِن المهمِ أيضاً إيجادُ الوقت المُلائم لإقامِة حوار رُّوحيّ بين الثَّلاثةِ، الشَّريكين والأبُ الرُّوحيّ، ومِن المهمِ تدريبُ الشَّريكين على خصوصية السرِّ المصونِ للضميرِ الشَّخصيّ. ومِن المفيدِ أيضاً ألا يطلب أيٌّ مِن الخطيبين مِن الآخر أنْ يروي كلَّ شيءٍ أمام الأبِ الرُّوحيّ، وإنَّما عليهما التَّحدُّثَ بشكلٍ شخصيّ معه. وينبغي على الأبِ الرُّوحيّ بدوره، أنْ يكونَ مُنتبهاً لكلِّ ما يسمعه مِن كلٍّ منهما، وأنْ يتوخى الحذرَ في استعمالِ ما يسمعه، فأحياناً يجب عليه أنْ يلتزمَ الصَّمتَ تماماً؛ فواجبه الأساسيّ هو أنْ يُقود الشَّخصين باستمرارٍ نحو رؤيةٍ شاملةٍ، وعَلاقة منطقِية واستبصارِ واستنارةِ فصحيّةِ؛ فهو يقوم بشكلٍ مُتواصلٍ بمساعدةِ الشَّريكين على الانفتاحِ نحو الاستبصارِ الحقيقيّ مِن خلالِ فكره الرُّوحي، حتى يتجنبوا البطولاتَ الزائفة والتَّضحيّاتِ الوهمية والأحلامَ الرومانسيّةَ ويتفادوا الانهيارات العصبيّةَ...إلخ
وعليه أنْ يُذكِّرهما أحياناً بأنْ يأخذا أحد الأبعاد بعينِ الاعتبارِ في وقتٍ مُعيَّنٍ، وفي وقتٍ آخرَ يقدّم لهما بُعداً آخرَ، ثُمَّ يعود لربطه مِن جديدٍ بالبُعدِ الأولِ، حتى تكونَ هناك استمراريّةٌ. ولا يجب أنْ تُفهمَ هذه وكأنَّها مراحلٌ زمنيّةٌ إنَّما كأبعادٍ للحبِّ؛ حيث ينتبه الشَّريكان لبُعدٍ معين في فترةٍ محددة، ثُمَّ مِن خلالِ الصِّلةِ الباطنيّةِ، يكتشفان بُعداً آخرَ...
· مُذَكِراتُ الحبِّ
يُحبَّذ أنْ يُقومَ المحبوبان، مُنذ بدايةِ عَلاقتهما، بكتابةِ نوع مِن اليوميات لحبهم. ويُنصح بقدرٍ كبيرٍ مِن الاعتدالِ، أي بأنْ يُكتبَ القليلَ وأنَ يُكتبَ فقط ما هو جوهريّ. فلا شكٌ في أنَّ هذه المُذَكِراتَ تخدم بشكلٍ خاصٍ في تسجيلِ كلِّ ما يكتشفه الشَّخصُ في مسيرةِ نموه في الحبِّ؛ إنَّها مُذكَّرات النموِ في المعرفةِ، لأنَّها تُصبح بالفعلِ قصةَ حبٍّ "روايةً". والمبدأ الذي يقودَ الشَّخصَ في كتابةِ هذه المُذكَّراتِ هو مبدأٌ كتابيّ؛ فكما أقام يعقوب حجراً كتذكارٍ للحظةٍ مُهمةٍ في عَلاقته بالله، هكذا بواسطةِ هذه المُذكَّراتِِ يبدأ الشَّخصُ المحب أيضاً في تميزِ علاماتِ الحبِّ الحقيقيّةِ الأولى التي بدأت تظهر في حياته. بهذا الشَّكلِ يتعلَّمَ الاهتمامَ بجوانبِ من الحياةِ، ينيرها ويقودها الحبُّ. وهكذا يمكن أنْ تُصبحَ هذه المُذكَّراتُ أداةِ لتسجيلِ ووصفِ كيفيّةِ وصولِ خلاصِ المسيحِ من خلال الحب إلى الشَّخصين.
ولاحظتُ أنَّ محتوى المُذكَّراتِ اليوميّةِ يُمكن أنْ يُصبحَ في غايةِ الأهميةِ خلالِ مسيرةِ الحياةِ الزَّوجيّةِ؛ لاسيما في اللحظاتٌ العصيبةٌ، أوقات الإحباط، أو الشكٌّ، أو الجفافٍ، قال لي كثير مِن الأزواجِ أنْ مُذكَّراتَ يومياتِ حبهمِ كانتْ بالنسبةِ لهم، في تلك اللحظاتِ، كتذكارٍ لكلِّ ما هما عليه الآن ولكل ما يصبحانه؛ وأيضاً كنوعٍ مِن النورِ لخطواتِ مسيرتهم. وليس هذا فحسب، فإنني أرى اليومَ الأولادَ عندما ينمون ويصلون لسنِ 12- 15 عاماً، أراهم يملكون الكثيرَ مِن الأسئلةِ التي تتعلَّق أيضاً ببابا وماما؛ وقد رأيتُ كم تكون سعادتهم غامرة ورضاهم عميقاً عندما يقوم أحد الوالدين بقراءةِ شيئاً مِن هذه "المُذكَّراتِ السِّريّةِ"، على حدِّ تعبيرِ أحد الأبناء.
· معرفةٌ عميقةٌ للذاتِ وللآخرَ
مِن المهمِ أنْ تتمَّ مُساعدةُ الشَّخصين على توجيهِ انتباههما إلى تعميق معرفتهما بأنفسهما لأنهما في مرحلةِ تغييرٍ مُستمرٍ مُنذ بداية العَلاقةُ بينهما. فإنْ كان الحبُّ القائمُ بينهما هو حبُّ حقيقيّ، فسيبدأ كلاهما بالتَّالي، في مُلاحظةِ قدراته ومواهبه وطباعه التي كان غيرَ مُدركٍ لها مِن قَبل؛ وسيبدأ أيضاً، بشكلٍ مُتواصلٍ، في النظرِ إلى نفسه مِن خلالِ نظرةِ الحبِّ الجامعةٌ؛ فالآخرُ بالتَّحديدِ هو الذي يُساعد في تعميق لمسيرة معرفة الذات. كما ينبغي تذكيرُ الشَّخصِ، مِن حينٍ إلى آخرَ، وتوجيهِ انتباهه، لأنَّه يمكن أنْ يمرَّ بفتراتِ تفاؤلٍ وحماسٍ ومثاليّةٍ، أو على العكس بفتراتِ إحباطٍ وانهيار؛ فهو بذلك يتمكَّن مِن أنْ يكتشفَ خطوةً بخطوةً عدمَ انسجامه وتأقلمه معِ المناطقِ المُظلمةِ في شخصيته.
يحتاج الشَّخصُ إلى النموِ حتى يصلَ إلى تكوين نظرةٍ قادرةٍ على الجمعِ معاً بين الخيرِ الذي يحياه والخيرِ الذي لم يصلْ إليه بَعدُ، وبين كلِّ ما يوجد فيه وكلِّ ما هو ناقصٌ بَعدُ، وبين المميزات والنقائص، وحتى يصلَ أيضاً إلى نظرةٍ قادرةٍ على تَفهُّمِ الدَّعوةِ إلى حبِّ الآخرَ مِن خلالِ كلِّ خصائصه الشَّخصيّة، ومِن خلالِ كلِّ مُميزاته وعيوبه الخاصةِ؛ فيكون عندئذٍ قادراً على أنْ يقولَ للمحبوبِ: "أُحبُّكَ بكلِّ ما أنا عليه، أُحبُّكَ كما أنا".
وعلى هذا المنوالِ نفسه، ينبغي الوصولُ إلى معرفةٍ مُتدرِّجةٍ ومُتواصلةٍ لشريكِ الحياةِ؛ فيتمُّ الانتقالُ خلالِ مسيرةٍ شاقةٍ وصعبةٍ، مِن معرفةٍ عامةٍ و"إجماليّةٍ" إلى اكتشافِ الآخرَ في تفاصيله وجزئياته؛ ومع ذلك، تبقى هناك صعوبةٌ في الوصول إلى الرؤيةِ الكليّةِ؛ حيث غالباً ما يحدث نزوعٌ إلى إعطاءِ المُطلقيّةِ لجانبٍ مُعيَّنٍ أو لخاصية ما. وعلى كلِّ حالٍ، سيصل الشَّخصُ إلى النَّضوجِ في معرفةِ الآخرَ، عندما يتمُّ اكتشافُ عيوبِه ومناطقهِ المُظلمةِ؛ ولكنَّ يظل الحبَّ، مع ذلك، قادرٌ على احتوائها ووضعها في داخلِ العَلاقةِ، بدون أنْ يجعلَ الشَّخصُ مِن نفسه مُخلِّصاً للآخرَ مُعتبراً إياه مِسكيناً، وأيضاً بدون أنْ يدفعَ ذلك الآخرَ إلى الاستسلامِ شاعراً بأنَّ الآخر أرفعُ منه مُقاماً. فمن الضَّروريّ إذن أن تتم تلك المعرفةُ الواقعيّةُ التي بفضلهاِ يتأصَّل الشَّخصُ ليس فقط في التَّضحيّةِ، إنَّما أيضاً في القيامةِ مع الآخرِ. وعند هذه المرحلةِ، يظهر غالباً نوعٌ مِن "التَّحركِ نحو الآخر" ولذلك يبدأ الشَّخصُ في تقويمِ الآخرِ بدايةً مِن الأمورِ الصَّغيرةِ السَّطحيّةِ: كالأذواقِ، وكالعاداتِ، ...إلخ، وصولاً إلى المسائلِ الرَّئيسيّةِ المُتعلِّقةِ بالإيمانِ وبالحقيقةِ.
سيحتاج الشَّخصان إلى مسيرةٍ بطيئةٍ وفي غايةِ الصُّعوبةِ مِن أجلِ الوصولِ إلى الفطنةِ التي مِن خلالها يمكن لأحدهما أنْ يوجّه للآخرِ ملحوظة لكي يُصلحه، فسيحدث ذلك فقط عندما يقبله هكذا كما هو. فمِن خلالِ الفطنةِ يقدر الشَّخصُ أنْ يُظهرَ كلَّ شيءٍ للآخرِ، في حركةٍ مِن الدَّاخلِ إلى الخارجِ، حتى يجعلَه يفهم أنَّه يُقدِّر كرامته وجمال إنسانه الباطنيّ، وحتى يجعله يفهم أيضاً أنَّه عندما يقول له شيئاً فهو يهدف فقط إلى مساعدته لتجاوزِ بعضَ تعبيراته الخارجيّةِ العَرَضيّةِ التي لا تنسجم مع إنسانه الدَّاخليّ.
· العائلةُ والأصدقاءُ كمجالٍ للمراجعةِ والتقويمِ
إنْ كان العشقُ حقيقيّاً وإنْ أمكنه أنْ يَنضجَ إلى حبٍّ؛ فإنَّ أول مَن يدرك ذلك هم بالطبعِ أولئك الذين يعيشون بالقربِ مِن الحبيبين. فحينْ يبدأ الحبُّ داخلِ الشَّخصين، يكون التَّحقُّقَ الأكيدَ منه هو ذاك الذي يتمُّ مِن خلالِ العَلاقاتِ؛ حيث يبدأ الشَّخصُ في تغيير علاقته بالأبِ، والأمِ وبالأخوةِ، والأصدقاءِ، وبكلِّ الأشخاصِ القريبين جداً منه. ولكن إنْ حدثَ العكس، أي حمل العشقُ الشريكين إلى الانعزال عن العائلةِ والأصدقاءِ، فهذا علامةٌ على أنَّه لا يزال الأمرٌ ليس على ما يرام.
يحملُ الحب إلى انسلاخٍ مِِن العائلةِ؛ وهذا أمرٌ سليمٌ ومفهومٌ، لأنَّه يتعلِّق بابنٍ يُوشك على أنْ يتركَ أبيه وأمه ليتحد بامرأته، ليصبحا هو وهي "جسداً واحداً"؛ وإنْ كان التَّطورُ في العَلاقةِ صحيحٌ وسليمٌ، فإنَّ العَلاقةَ مع الوالدين ستصبح تدريجيّاً أقلَ شموليّةً على المستوى العاطفيّ، ولكنَّها ستصبح تدريجيّاً أكثرَ وعياً بالحبِّ الذي هو أساسها؛ فيبدأ الشَّريكان في إعطاءِ مجالٍ للشعورٍ بالعرفانِ بالجميلِ مِن أجلِ كلِّ ما تلقياه في حياتهما مِن قِبْل الوالدين؛ ويمكنهما أيضاً أنْ يسألاهما النصيحةَ، ولكن دائماً كشخصين ناضجين. أما إذا كان الوالدين مِن صُنِّاعِ المشاكلِ، ينبغي أنْ يكونَ موقفُ الشَّريكين في مثلِ هذه الحالةِ موقفِ الحبِّ الذي يتألم والقادر على أنْ يُزيلَ الكراهيةَ والعداءَ والاتهاماتَ مِن داخلِ قلوبِ الأشخاصِ؛ وينبغي هنا أنَ يواصلَ الشَّابان مسيرتهما بدون جرح لوالديّه، أو احتقارٍ لهما؛ بل بالأحرى عليهما مواصلة المسيرةَ برغم الألمِ الذي يُميِّز العَلاقةَ الناضجةَ القادرةَ على قَبولِ حتى الألمِ؛ وهذا النوعِ مِن العَلاقةِ أفضلُ مِن عَلاقةٍ قادرةٍ على القيامِ "بالعملياتِ الحسابيّةِ" والتّي تأخذ بمعاييرِ العالمِ في الحكمِ على الأمورِ.
فمِن المهمِ إذن الوصولُ إلى انسجامٍ طيبٍ في البيتِ؛ لأنَّه حيث لا يوجد هذا الانسجامُ، فإنَّ الحب يُمكن أنْ يُصبح مملوءً بالمتاعبِ، ومعه تزداد حياةُ الشَّريكين مشاكل هما في غنى عنها. وأمَّا بشأنِ العَلاقةِ مع الآخرين، فمِن المهمِ أيضاً التَّحقُّق مِن طريقِ ردّ الفعلِ والتصرُّفِ أمام الناسِ في المجتمعِ. فينبغي أنْ يعيشَ الشَّخصان حباً يتجِّه نحو نضوج حقيقي، في انفتاح على الآخر وعلى المجتمعِ؛ فالشَّريكان اللذان لا يطيقا البقاءَ وسط الجماعةٍ ويقضيا الوقتِ كلَّه مُتشبِّثين الواحد بالآخر شريكان لا يزال أمامهما الكثيرُ، فواضحٌ أنَّه لا تزال علاقتهما غارقةً تماماً في الاحتياجِ النفسيّ الواحد للآخر؛ وهو احتياجٌ لم يتحوِّلْ ولم يتمّْ احتوائه حتى الآنَ في الضَّرورةِ الأُنطولوجيّةِ، الوجوديّةِ للآخرِ، بحيث يُحَب الآخرَ، ولكن بلا استناد أعمى؛ فحواءُ عليها أنْ تساعدَ آدم على أنْ يُحبَّ ويخرجَ مِن ذاته.
· الرِّعايّةُ المُتبادلةُ للجذورِ
إنَّ الوعي بأنَّ الحبَّ يحمل إلى اليقينِ هو واحدٌ مِن العناصرِ الأساسيّةِ في العَلاقةِ. فمِن عَلاقةٍ "دمويّةٍ" حيث يمتص ويبتلع فيها الواحدُ الآخرَ، يبدأ المحبوبان في استيعابِ أنَّهما ينموان بقدرِ ما يعتني الواحدُ بجذورِ الآخرِ بشكلٍ مُتبادلٍ. فيعرف الشَّخصُ أنْ الآخرَ يحمله بداخله، ويحفظه في قلبه، ويُحدِّثه في أعماقه، ويريد له كلَّ الخيرِ مِن قلبه، ويطلب مِن أجله النعمةَ؛ ومِن أجلِ هذا، يمكن لهذا الشَّخصِ أنْ يكونَ مُطمئناً، ويمكنه أيضاً أنْ يعملَ ويدرسَ ويحيا مع الناسِ. إنَّ الوعي والانتباهِ إلى جذورِ الآخرِ مِن كلِّ القلبِ يُعتبر أمراً في غايةٍ الأهميّةِ؛ لأنَّه مِن ناحيّة يخلق ويؤكِّد الحريّةَ في الحبِّ -فهو يساعد بالتَّالي على العبورِ مِن الشَّعورِ بالحبِّ إلى الوعي بأنَّهما فعلاً محبوبان- ومِن ناحيةٍ أخرى، هو يخلق في القلبِ مساحةً مِن أجلِ المحبوبِ. فثَمَّة عَلاقةٌ وتأثيرٌ مُتبادلٌ أكيدٌ بين "تشكيلِ" القلبِ على صورةِ العَلاقةِ وبين الحبِّ الذي فيه أعتني بالآخر.
يواجه الزَّواجُ اليومَ مشكلةً كبيرةً، ألا وهي عدمُ قدرةِ الشَّخصِ المُتزوِّجِ على الانتقالِ مِن الشَّعورِ بأنَّه محبوبٌ إلى اليقينِ بأنَّه فعلاً هكذا، أي أنَّه فعلاً محبوبٌ. فعندما لا يشعر الشَّخصُ بتحقيقٍ لذاته في العَلاقةِ، ينتج أنَّ تنتهي العَلاقةَ أتوماتيكيّاً؛ ولذلك فغالباً ما يُصبح الابتعادُ الجسديّ هو ابتعادٌ أيضاً في العَلاقةِ، مما يُسهِّل ببساطةٍ قَطعِ العَلاقةِ.
· الإعدادُ مِن أجلِ حياةِ جنسيّةِ مُستقبليّةِ
يعيش الشَّبابُ اليومَ بلا شكٌّ حالةً مِن التَّمركُّزِ حول "الجنسِ" فكلُّ شيءٍ يبدو وكأنَّه نُظِّم مِن أجلِ خدمةِ الجنسِ؛ ويُفهم الجنسُ هنا ببساطةٍ، كما رأينا سابقاً، بالمعنى التَّناسليّ فقط؛ فتنبغي إذن مُساعدةُ المحبوبين لكي يوسِّعا ويجذِّرا علاقتهما في كلِّ أبعادِ الواقعِ المُعاشِ وليس في الجنسِ فقط. ومِن المفيدِ جداً أنْ يختارَ الحبيبان أنْ يقضيا فترةَ حبٍّ بدون لمساتِ حنانِ صريحةٍ. وقد رأيتُ شخصيّاً أنَّ المحبين قادرون دائماً على ممارسة هذا النوعِ مِن التَّقشُّفِ في لمساتِ الحنانِ الصَّريحةِ، وعندما تنتهي فترةُ هذا التَّمرينِ يعودون إليه غالباً مِن تلقاءِ أنفسهم؛ وقد كانوا بالطَّبعِ يكتبون في مُذكَّراتِ حبهم -حسب وجهةِ نظرهم- كلَّ ما تمَّ عمله أو ما تمَّ التَّفكير فيه يوميّاً، مِن أجلِ حبِّ الآخرِ فقط، بدون أنْ ينـزلقوا إلى كلِّ ما هو تلامس طبيعي ويمكن أنْ يُفهمَ على أنَّه حنانٌ بين الحبيبين. وعندما نتحدَّث عن "الحنانِ" لا ينبغي التَّفكيرُ في الفعلِ الجنسيّ ولا حتى في نوعٍ مِن الحنانِ المُستترِ وراءه خلفيّةٌ جنسيّةٌ صِرف؛ فالحنانُ يُمثِّل ركناً أساسياً مِن أي عَلاقةِ حبٍّ.
يحضرني الآنَ بعضٌ مِمَ كُتب في بعض المذكرات أن أحدهم مثلاً، لم تكنْ لديه أيُّ رغبةٍ في الدِّراسةِ، وإنَّما بسببِ قوةِ الدفع الداخليّةٍ نحو محبوبه وما يمكن أنْ تحققه هذه الدِّراسةُ بالنسبةِ لحياتهما المُشتركةِ والمُستقبليّةِ، كان يتحمَّل الجلوسَ للمذاكرةِ والدِّراسة؛ وأتذكر آخر ممن في سبيل الحب لم يعد يستجب للاستفزازات من حوله ولم يعُد يسعى لأن يكون الحق بجانبه دائماً في كل شيء كما كان قبل الحب.
فيبدأ الحبيبان هكذا في كشفِ كلِّ جانبٍ مِن جوانبِ حياتهما الشخصية والفردية للحبِّ، وفي إدخالِ الحبِّ في كلِّ هذه الجوانبِ حتى يبدأَ في تحوِّيلِ وتجديدِ الواقعَ المُعاشَ بكامله. فبواسطةِ هذا الانتباهِ وهذا الوعي يتمُّ تجهيزُ جبلَ الثَّلجِ لإقامةِ كتلةَ الجليدِ القادمةَ المُستقبليّةَ ومِن أجلِ هذا، عندما يضعف الفعلُ الزَّوجيّ كفعلُ جنسيّ، يمكن للزوجين، أنْ يتذوَّقا اللذةَ المُقدسةَ كاملةً، لأنَّهما سيملكان عندئذٍ اليقينَ بأنَّهما يعيشان الحقيقةَ غير منقوصة، وبأنَّهما لم يحييا وهماً أو رمزاً فارغاً. ولهذه المسيرةَ نفعُها أيضاً بالنسبةِ للشَّريكين المُقبلين على الزواج؛ فيقول المتخصُّصون في دراساتِ علمِ النفسِ الجنسيّ بأنه للوصولِ إلى حياةِ جنسيّةٍ سليمةٍ، ينبغي ألا ينحصرَ الحنانُ في الفعلِ الجنسيّ فقط؛ ففي الحبِّ الزَّوجيّ، يُعتبر الحنانُ خاصيّةً مُتعلِّقةً بكلِّ ذرات الواقعِ المُعاشِ، وهو ليس إذن خاصيةً تتعلِّق بالمجالِ الخاصِ بالجنسِ بمعناه الضَّيقِ. أتذكَّر ذاتَ مرةٍ روى لي زوجان عن رحلةٍ قاما بها فوق أحدِ الجبالِ، وكانتْ في موسمِ الشِّتاءِ؛ وقد تصادف موعدُ هذه الرِّحلةِ مع الفترةِ التي اختارا فيه أنْ يُظهرَ كلاهما حبَّه للآخرِ وبدون أنْ يقوما بأية مداعبات جسدية. وحدث أن وصلا إلى مجرى ماءٍ مُثلَّجٍ؛ فقام الرَّجلُ أولاً بكسرِ الثَّلجِ وبرشِ قليلٍ مِن الماءِ على زوجته قائلاً لها بأنه لم يُردْ مداعبتها بالأيادي، ولذلك قام بمداعبتها باستخدامِ الماءِ؛ وهكذا نشأتْ بينهما لعبةٌ بواسطةِ استخدامِ الماءِ؛ وعند حدٍّ مُعيِّنٍ، أُجبرا على العودةِ بسرعةٍ إلى المنزلِ، لأنَّ ملابسهما كانتْ قد ابتلتْ تماماً. فهكذا قد تمَّ إبداعُ خيالٍ مُعيِّنٍ، ومِن ثَمَّ لعبةٍ مُعيِّنةٍ.
ومِن المُهمِ ألا يتسرّع المحبوبان، لأنَّه سيأتي اليومُ الذي فيه سينتميان إلى بعضهما بشكلٍ تامٍ؛ فمِن المُهمِ إذن أنْ يختارا مسيرةَ الحنانِ كتعبيرٍ عن هذه العَلاقةِ التي تتجِّه نحو الحبِّ الزَّوجيّ في حقيقته الأنطولوجيّةِ الوجوديّةِ. ومِن المُهمِ أيضاً أنْ يُجدِّدا مِن حينٍ لآخرَ اختيارهما في أنْ يحييا الجنسَ في حقيقته فقط، أي في حقيقته الأسراريّةِ؛ وبالتَّالي اختيارهما في ألاَّ يكونَ الحنانُ مجردَ تمهيدٍ آليّ للفعلِ الجنسيّ، وألاَّ يكونَ أيضاً بديلاً أو تعويضاً للنقصِ والحرمانِ. فإنَّ الحنانَ هو بالضِّبطِ المناخُ الذي يتمُّ فيه إظهارُ حبٍّ قادرٍ على الاعترافِ بالآخرِ في حقيقته الشَّخصيّةِ. إنَّه حنانٌ يؤكِّد الشَّخصَ، ويُقدِّره بشكلٍ كاملٍ ولا يستعمله، ولا يمكنه أيضاً أنْ يُزعجه ولا أنْ يُثيرَ فيه مِن حينٍ لآخرَ الاضطرابَ والفوضى. فهو ذلك البُعدِ الأكثرِ قابليّةً للانجراحِ والسَّقوطِ بسببِ استيقاظِ أهواءِ الجسدِ.
إنَّه مِن الحكمةِ أيضاً الحصولُ على فترةِ انقطاعٍ للحنانِ بمعنى صومٍ عن الجنس، لأنَّه ينبغي أنْ يعيشَ المحبوبان في حياتهما أيضاً لحظاتِ ابتعادٍ؛ فعبر الانتباه إلى حقيقةٍ مثل هذه، ينمو الشَّريكان في إضفاءِ البُعدِ الشَّخصي تدريجياً على طريقةِ ارتباطهما وصلتهما الواحد بالآخر. وبهذا الشَّكلِ، يقوم كلاهما معاً بإعدادِ نمطٍ يستطيعان أنْ يعيشا الحبَّ مِن خلاله؛ فمِن المُهمِ، بالفعلِ، أنْ يمتلكا لغتهما الخاصةَ وتعبيراتهما الخاصة وألاَّ يتبعا ببساطةٍ نمطَ العالمِ. وهكذا يضفيان الطَّابعَ الشَّخصيّ على لمساتهما وعلى تواجدهما معاً وعلى طريقةِ تناولهما للطعامِ وعلى أسلوبِ إقامتهما للحفلاتِ وعلى أساليبِ استمتاعهما، وحتى على كيفيّةِ ارتدائهما للملابسِ. وفي مسيرةِ نضوجِ الحبِّ، يُعتبر البُعدُ الاحتفاليّ، ومعرفةُ استيعابِ معنى الاحتفالِ بالأمورِ الصَّغيرةِ اليوميّةِ، والتَّنسيقِ بين العملِ والعطلةِ، كلُّها مِن الأمورِ الهامةِ للغايةِ. فإنْ كانَ الحبُّ يجعل المادةَ تنغمس في الجسدِ، الذي هو بدوره حقيقةٌ ذات طابعٍ شخصيّ، فإنَّ هذا ينعكس على المحيطِ الذّي يحيا فيه الشَّريكان: حيث يتحوَّل ويتشكَّل المكانُ أكثرَ على صورةِ مبدأِ الحبِّ، ولذلك يُصبح أكثرَ جمالاً؛ بل حتى وإنْ كان شريكا الحياةِ يعيشان في وَسْطٍ فقيرٍ، فالحبُّ يجعل هذا الوَسْطَ مُبهجاً، وقائماً على معيارِ الجمالِ الذي هو حبُّهما ذاته المُعاشُ بداخلِ مكانٍ وزمانٍ واقعيين.
· الصلاةُ المُشتركةُ
« على أنْ يكونَ الثَّالثُ حاضراً، وهذا الثَّالثُ فليكنْ الحبَّ». إنَّه أمرٌ جوهريّ أنْ يبدأ الشَّريكان، في بداية مسيرةِ استعدادهما للزَّواجِ، في أنْ يتعلَّما الصَّلاةَ معاً. لقد رأينا أنْ هناك الكثيرُ مِن اللحظاتِ التي يُصاحب فيها الشَّريكان الواحدُ الآخرَ، بطريقةٍ فرديّةٍ بواسطةِ الصَّلاةِ والدُّعاءِ والشُّكرِ؛ ولكنَّ الوضعَ يختلف جداً عندما يقومان بالصَّلاةِ معاً؛ فالصَّلاةُ هي علاقة حقيقةٌ، يسعى الإنسانُ مِن خلالها بكلِّ كيانه أنَ يُقيمَ عَلاقةً شخصيّةً مع الله، بواسطةِ المسيح، في نورِ وقوةِ الرُّوحِ القدسِ. وكلُّ هذا يعني أنَّ الصَّلاةَ تُعمِّق جانب العَلاقةَ في قلبٍ الإنسانِ؛ فإنْ كانَ العشقُ أو الدِّخولُ في عَلاقةِ حبٍّ هو بالتَّحديدِ استيقاظٌ للقدرةِ على العَلاقةِ في الشَّخصِ، وإنْ كانَ يحمل إلى الشَّركةِ بين الأشخاصِ - في هذه اللحظةِ فقط يتمُّ تحقيقُ الحبِّ- فلذلك تُفهم مُباشرةً أهميّةُ الصَّلاةِ؛ حيث إنَّ صلتَهما الواحد بالآخر هي في الواقعِ خروجٌ مِن الذَّاتِ، واعتراف بالآخرِ، وإقامةٌ عَلاقةٍ راسخةٍ ومُخلِصةٍ معه.
إنَّ الصَّلاةَ هي بمثابةِ كشفٍ مُتدرِّجٍ ومُتواصلٍ للعَلاقةٍ بالآخر الأكبرِ القدوسِ الله، وصولاً إلى اعتراف أكثرِ كمالاً بحضورٍ يغمر ويروي رغبةَ الشَّخصِ، لدرجةِ أنْ تُصبحَ رغبةُ المُصلِّي هي أنَّ يتمكَّن الآخرَ الأكبرَ الله مِن أنْ يُنجزَ مشروعه فيه؛ فالصَّلاةُ تُنمِّي وتُضاعف الوعي بالإخلاصِ والثَّباتِ.
ومِن هنا يمكننا أنْ نُلاحظَ مُباشرةً أنَّه كما أنَّّ للصَّلاةِ تأثيرٌ وأنها تلعب دوراً في تدعيم العَلاقةِ في حدِّ ذاتها، فإن لها تأثيراً وتلعب دوراً مع الحبيبين؛ حيث يُصاحب كل من الحبيبين الآخر أمام الله، ويشعر كلاهما بالآخرِ عندما يُقدِّمه لله. وعلى هذا المنوالِ تدخل الصَّلاةُ، خطوةً خطوةً، في حبِّهما الذي يأخذ بدوره طابعاَ تعبديّاً.
إنَّ مثلَ هذه الصَّلاةِ تساعد الشَّخصين على اكتشافِ دعوةِ الحبِّ الزَّوجيّ تدريجيّاً وبشكلٍ مُتواصلٍ، وصولاً إلى قَبولِ هذا الحبَّ أيضاً كرسالةٍ أُفيضتْ عليهما مِن قِبْل الله، حتى يمكنَ للحبِّ نفسه أنْ يمرَّ، بواسطتهما، إلى العالمِ. ويمكن أنْ تكونَ الصَّلاةُ في البدايّةِ عبارةً عن صلاةٍ عفويّةٍ تلقائيّةٍ، أو كتابيّةٍ، أو تسبيحيّةٍ أو تكون صلواتٍ مُختصرةٍ يكرراها- ولكن خطوةً الصَّلاةُ نفسها، التي تتطَّور بواسطةِ حبهما، تحملهما إلى الصَّلاةِ مع الكنيسةِ كلِّها، بالقربِ مِن الجماعة الكنسية الليتورجيّا.
إنَّ الصَّلاةَ المُشتركةَ والمُشاركةَ في صلاةِ الكنيسةِ تعنيان أيضاً "تدريباً" على قَبولِ الحياةِ والآخرِ كحقيقةٍ موضوعيّةٍ. ويُقصد بالحديثِ هنا قَبولَ مسيحِ الأناجيلِ والمسيحِ الإفخارستيّ، وليس مسيحاً خياليّاً مُتخيَّلاً خفيّاً. ولذلك تُصبح الصَّلاةُ أكثرَ واقعيّةً وجزءً مِن الحياةِ ، وتحمل بدورها الشريكين مِن جديدٍ إلى الحياةِ. فحتى الأمورِ المُؤسفةِ والصَّعبةِ واللحظاتِ الدِّراميّةِ المأسويّةِ مِن خلالِ صلاةٍ مُوجِّهةٍ إلى المسيح الحقيقيّ، تدخل كلُّها في الصَّلاةِ؛ فيبدأ الشَّخصان في رؤيةِ الأمورِ بنورٍ جديدٍ يعطي هذه الأمورِ معنىً أكثرَ عمقاً وأكثر ارتباطاً بالحبّ. حيث يصل الشَّريكان إلى تحقيقِ نوعٍ مِن النضجِ عندما يبدءان في قراءة واقعِهما اليوميّ في العملِ وفي أحداثِ كلِّ يومٍ. بالإضافة إلى العلاماتِ التي تتحدِّث عن الحبِّ وتقود الواحدَ إلى الآخرَ، فإنَّ رؤيةَ الأمورِ في ضوءِ نورِ الحياة الرُّوحيّة يعني رؤيتها بطريقةٍ تُذكِّرنا بالله وبحبه؛ وفي هذا تكمن حقيقيّة النضجُ الرُّوحيّ.
· المغفرةُ
يحمل النضوجُ الحبيبين إلى أن يتعرَّف أحدُهما على الآخرِ معرفةً تزداد مِن يومٍ لآخر وهما يقومان بذلك مِن خلالِ نظرةِ الحبِّ. فلذلك يبدأ كل منهما في ملاحظة الجوانبِ المُظلمةِ والمناطقِ المُعتمةِ التي تُناهض الحبَّ وتعرِّقله أكثرَ وبشكلٍ مُتبادلٍ؛ لأنَّه بدون رؤيةِ مثلِ هذه الأمورِ، وبدونِ التَّحقُّقِ منها، لا يمكن بالطَّبعِ الحديثُ عن حبٍّ حقيقيّ ناضجٍ مُرتبطٍ بالسِّرِّ.
فثَمَّة حاجةُ للوصولِ إلى التحقُّق مِن أنَّ الحبَّ قوي للدرجةِ التي يقدر أنْ يقبل الآخر بدون نزعاتٍ بطوليّةٍ أو ماسوخيّة[33]ٍ إنَّما بروحٍ تسعى نحو تغييرٍ واقعيّ من خلالِ تقدير الآخرَ والنظرِ إليه بواقعيّةِ. فيمكن للشَّخصينِ هكذا أنْ يقبلا بوعٍي حقيقةَ كلٍّ منهما، وأنْ يريا في حبهما حضورَ نعمةِ حبِّ الله، التّي بواسطتها يستطيعان أنْ يُحبَ أحدُهما الآخرَ وأنْ يقوما بتكميل هذه الجوانبِ المُظلمةِ. فيتوقعان، مِن خلالِ وعيهما بقوةِ القيامةِ، أنَّه بالرغمِ مِن المناطقِ المُظلمةِ التي توجد بداخلهما، يمكنهما أنْ يُحبَ أحدُهما الآخرَ وأنْ يساعدَ أحدُهما الآخر على أنْ يتعهَّد بأنْ يوجِّه حياته مِن أجلِ خيرِ الشَّركةِ بينهما.
بواسطةِ الغفرانِ للخطايا، يختبر الشَّخصُ الله ويتذوَّقه واثقاً بأنَّه غيرُ مخدوعٍ؛ ولذلك فسرُّ المُصالحة هو جوهر التَّعليمِ المسيحيّ ِ. لقد اختبرتْ أنَّ الاعترافَ أمرٌ نافعٌ للغايةِ مِن أجلِ نموٍ سليمٍ في الاتحادِ الزَّوجيّ. وهو أيضاً أمرٌ نافعٌ للغايةِ حين يتعلق الأمر بخبراتِ جنسيّةِ مأسويّةِ قد يمر بها الكثير مِن الشَّبابِ في سنٍ مُبكرٍ، والتي تخلق لديهم إحساساً برفض تلقائي لفكرة أنَّ الاتحادَ الجنسيّ يمكن أن يشكّل حبّاً أو اتحاداً جذرياً كاملاً بالآخرِ، لذلك فسرَّ المُصالحةِ يحمل بالفعلِ إلى مُعجزةِ تغييرٍ حقيقيّةٍ؛ فهؤلاء الأشخاصِ، مِن خلالِ مسيرةٍ روحيّةٍ مصحوبةٍ بالصَّلاةِ وبالتَّأملِ الإلهيّ وبالمُشاركةِ والمواظبةِ على الحياةِ الليتورجيّة، يمكنهم أنْ يبلغوا إلى المُصالحةِ التي تُثبِّتهم خطوةً خطوةً في الإيمان وتساعدهم في التَّحوُّلِ عن الخطيئةِ والوصولِ إلى الفداءِ، بطريقة يرون أنفسهم وأجسادهم مِن جديدٍ كمكانٍ للحبِّ والعطاءِ الكليّ لذواتهم، بكلِّ سماتِ الحبِّ الحقيقيّ. فمِن المُهمِ أيضاً مساعدةُ الشَّريكين في الدُّخولِ إلى منطقِ الغفرانِ المُتبادلِ. ولكن هنا بالتَّحديدِ قد يتخَّفى وراء ذلك الغفرانِ فخٌ؛ ففي الواقعِ لا يدور الحديثُ عن غفرانٍ نفسيّ، إنَّما عن غفرانٍ مُرتبطٍ بالإيمانِ، أي لاهوتيّ؛ فلا يمكن للناس أنْ تغفرَ لمجردِ أنَّهم مُرغمون على القِيامِ بكلِّ ما قد يكون نافعاً لهم، إنَّما ينبغي عليهم أنْ يصلوا إلى المقدرةِ على الغفران لأنَّ الله قد سبق فغفر لهم.
خاتمةٌ
تُقدِّم هذه المسيرةُ القصيرةُ العناصرَ الأساسيّةَ أو الخطوطَ العريضةَ فقط لتأملٍ لاهوتيّ روحيّ حول الموضوعِ الذي تناولناه. ويتضح لنا الآنَ أنَّ العديدُ مِن الدُّروبِ قد تفتَّحتْ لبحثٍ متاح ولمواقفٍ رعويّةٍ مُتنوعةٍ. وأجد نفسي مِن جديدٍ مدفوعاً لأُكرِّرَ القولَ بأنه بجانبِ الواقعِ الرَّعويّ الفعليّ، فإن العودةُ الدَّائمةُ إلى المسائلِ الأساسيّةِ وإلى الحقيقةِ الأنثروبولوجيّةِ للشخصِ تُعتبر أمراً رئيسيّاً.
فعلى ضوءِ النورِ اللاهوتيّ الإلهيّ للأنثروبولوجيّة، يتمُّ توضيحُ الصِّلاتِ العميقةَ السَّرمديّةَ الغيرَ قابلةِ للذوبانِ أو للانحلال بين ما هو بينيوماتيّ روحيّ وما هو سيكولوجيّ نفسيّ وما هو فسيولوجيّ جسديّ.
وانطلاقا فقط مِن رؤيّةِ روحيّةِ حول الإنسانِ يمكن قَبولُ الحبِّ الزَّوجيّ كمسيرةٍ نحو تقديسِ الأجسادِ التي هي بدورها مُلتصقةٌ وغيرُ مُنفصلةٌ عن الهويّةِ الشَّخصيّةِ، وتتحقَّق مسيرةُ التَّقديسِ هذه بشكلٍ كاملٍ في الشَّركةِ بين الأشخاص بالتَّحديدِ. ومع ذلك، فإنَّ مثلَ هذه الشَّركةِ تصبح ممكنة فقط بفضلِ الأجسادِ المُتسمةِ بالخاصيّةِ الذَّكريّةِ والأُنثويّةِ، والتي تتميَّز جوهرياً بالقدرةِ على العَلاقةِ، وبحبِّ الواحدِ للآخر.
إنَّ الرَّجلَ والمرأةَ هما هويتان تصبحان، بفضل الحبِّ- جسدين روحيّين، وأيضاً جسدين يوحيان بالحبِّ الشَّخصيّ الذي يخلِّص ويخطف مِن الموتِ كلَّ ما ترك عليه الزَّمنُ علاماته؛ وهذه هي الليتورجيّةُ الخاصةُ بالأزواج، الذين يعبثون بأجسادهم مِن أجلِ موتٍ فصحيّ.
لقد أضحى مِن الصَّعبِ، الحديثُ عن الإيمانِ وعن الله بطريقةٍ حرةٍ صريحةٍ في عالمنا المُعاصرِ؛ إنَّما ربما مازال الحديثُ عن العَلاقةِ وعن الحبِّ ممكناً حتى الآنَ، مِن حيث إنَّ الإنسانَ يبقى أمامه مُرهفَ الحسِ نحو كل ما هو علاقة. فبالرغم مِن أنَّ الحبِّ يتأثَّر بأزمةٍ المجتمعِ الشَّاملةِ، يظل الرَّجلُ والمرأة يبحثان دائماً الواحد عن الآخر، وهذا البحثُ بدوره يفتح أمامنا إمكانياتٍ عظيمةً لفهمِ الحقيقةِ الأساسيةِ الخاصةِ بالإيمانِ.
فلقد رأينا أنَّ الحبَّ بين الرَّجلِ والمرأةِ هو أمر خاص بالقدرة على العَلاقةٌ؛ ونعرف أيضاً أنَّ الإيمانَ والمبدأ الدِّينيّ هما بالدَّرجةِ الأولى حقيقةٌ عَلائقيّةٌ؛ ولذلك، فمِن أجلِ تهيئةِ الإنسانِ المُعاصرِ للانفتاح على ما هو دينيّ، ينبغيّ العملُ بنوعٍ خاصٍ في مجال قدرة الإنسان على العلاقة.
ومن هذا المنطلق نرى أنه يمكن معرفة الله الثَّالوثَ، إلهَ المحبةِ، في الحبِّ وبواسطةِ العَلاقاتِ الشَّخصيّةِ؛ بل بالأحرى يمكن القول أن الاستيعابُ البشريّ لله، يُقبل مِن الإنسانِ أيضاً كحبٍّ وانفتاحٍ على العَلاقة. ولذلك فإنَّ حفظَ وتوطيدَ معنى الجنسِ في حقيقةِ الإنسانِ، يعنى بالدَّرجةِ الأُولى المساعدة في تطوير تلك الخاصيّة التي تصبُّ في الحبِّ، والتي يمكن أنْ تكونَ بمثابةِ انفتاحٍ على مبدأٍ إيمانيّ حقيقيّ وخاص. فيمكن للإنسانِ، في الواقعِ، أنْ يُؤمنَ لأنَّه وجد مَن يُحبه؛ ويمكنه أيضاً أنْ يُسلِّمَ ذاته لله لأنَّه بواسطته ينال الخلاصَ. ويمكن للإنسان أيضاً أنْ يصرفَ نظره عن ذاته ويعترفَ بالله بفضلِ الحبِّ الذّي يحرق ويُزيل أنانيته وحججَ لتبريرِ انغلاقه على ذاته.
وأخيراً فإنَّ الأشخاصَ الذين يدخلون في منطقِ الحبِّ، والذين لمستهم بعمق تلك الخبرةُ، يمكن بسهولةٍ جداً أنْ يرافقهم إيمانٌ ناضج واعٍ في المسيحِ؛ فلا يعود هؤلاءُ الأشخاصِ يتمسكون بَعدُ بتلك المقاومةَ التّي سببها العنادُ والتَّصلبُ، والانغلاق، والأحكامُ المُسبَّقةُ الافتراضيّةُ؛ فالحبُّ يُغيِّر عقليّةَ الإنسانِ.
1 كلّ الاستشهادات الكتابيّة مأخوذة مِن الكتاب المقدّس الطبعة اليسوعيّة: لبنان، بيروت، دار المشرق،1991. "الترّجمة"
2 البابا يوحنا بولس الثاني: وُلد في 18 مايو 1920، ودُعي كارول جوزيف فوجتيلا. قام رئيسُ الأساقفةِ شخصياً بسيامته كاهناً في أول نوفمبر 1946. سُيِّم أسقفاً في 28 سبتمبر 1958 في كاتدرائيّةِ "فافل" في كراكوف. وقد أصبح رئيساً لأساقفة كراكوف في 30 ديسمبر 1963. وفي 22 أكتوبر 1978 كان الاحتفالُ بالقداس الإلهي بتنصيبه على الكرسي البابوي، وكان يبلغ مِن العمرِ 58 عاماً. وهو أولُ حبر أعظم غير إيطالي يتمُّ اختياره منذ 450 سنة. راجع كارل برنشتاين وماركو بوليتر، صاحب القداسة، ترجمه أنطوان رياض دويده، د.م، 1998. وقد انتقل إلى بيتِ الآب في يوم السبت الموافق 2 أبريل 2005.
3 تُجرى في يومِ الأربعاء المُقابلةُ الأسبوعيّةُ العامةُ لقداسة البابا؛ وتُجرى في قاعةِ البابا بولس السَّادس، المجاورةِ لميدانِ القديسِ بطرس في مدينةِ الفاتيكان؛ حيث يقوم البابا بإلقاءِ بعضِ الأحاديثِ الرُّوحيّةِ والتَّعليميّةِ أمام المؤمنين الحاضرين.
4 ملحوظةٌ: جميعُ الحواشيِ التَّوضيحيَّةِ، وأيضاً الجملُ التَّوضيحيَّةِ المُوضوعةِ بين القوسين "..." هي مِن وْضعِ التَّرجمةِ.