هاءَنذا أُرسِلُكم كالخِرافِ بَينَ الذِّئاب: فكونوا كالحَيَّاتِ حاذِقين و كالحَمامِ ساذِجين ( مت 10 /16)
بستان الرهبان: تدبير الروح: 3 /3 التوبة: رابعاً - حياة التوبة
حياة التوبة
( أ ) الحرص والغربة
قال مار
اسحق
:
+ من اقتني
الفضائل العظيمة ، مثل الصوم والسهر ، ولكنه لم يقتن حراسة القلب واللسان ،
فانه في الباطل يتعب ويعمل .واذا وضعت كل اعمال التوبة في ناحية ،والحفظ في
ناحية أخري ، فان الحفظ يرجح ، فان المسيح وضع قياس الوصايا علي أصل
الأفكار القلبية ، وموسي علي الأعمال المحسوسة .
+ حفظ الحواسس يقلع الخطايا . وحفظ
القلب يقطع الآلآم التي تلد الخطايا .
+ انسان
مماحك لا يظفر بسلامة الفكر ، والعادم من السلامة هو العادم من الفرح ،
الانسان الذي يطلق لسانه علي الناس بكل جيد ورديء ، لن يؤهل للنعمة من الله
+ احفظ
لسانك كيما تسكن فيك مخافة الله .
ابغض كلام العالم لكي يعاين قلبك
الله .
وردع صادر عن جسد كسهم مسموم .
+ قال
القديس أنطونيوس :
لا تسكن في
القرية التي أخطأت فيها .
+ قال احد
الشيوخ :
اني لا
اتذكر ان الشياطين أطغوني مرتين فقط في أمر واحد .
شيخ حدثته
أفكاره قائلة له " " استرح اليوم وتب غدا " فقال : " لن يكون ذلك أبدا ، بل
علي أن أتوب اليوم ، ولتكن مشيئة الرب غدا " .
+ قال
القديس باسيليوس :
علامة الخوف
الهرب من العيوب الصغار ، حذرا من الوقوع في الذنوب الكبار .
فسر أحد
الشيوخ قول الله :
" علي
خطيتين وثلاث خطايا انا صبور . وأما الرابعة و فلا أحتمل " .
فقال :
الأولي هي
التفكير في الشر ، والثانية هي الخضوع للفكر ، والثالثة هي التحدث
،والرابعة هي اتمام الفعل ، وعن هذه ينتقم .
+ قال انبا
اسحق :
" رأيت مرة
أخوة يحصدون في حقل ما ، فأراد أحدهم أن يفرك سنبلة
فأستأذن صاحب الحقل في لك ، فأجابه متعجبا : أن الحقل كله بين يديك
أيها الأب ، وتستأذن في هذا "
الي هذا
الحد من التحفظ كان ذلك الأخ يحتاط لنفسه .
+ قال شيخ :
أنا قلت
لنفسي
" يوم خروجي من العالم ، هو اليوم الذي فيه أكون قد ولدت ، وبدأت
بعبودية الرب . كمذلك كن كل يوم بمنزلة الغريب الذي يترجي الرجوع بالغداة "
.
+ وقال
آخر :
حيثما تجلس
قل : " غريب أنا ، غريب انا " .
+ قال
القديس برصوفينوس :
" ان غلب
الانسان بالله التجرية الأولي ، فلن يقوي عليه العدو فيما بعد ، أماأ،
أنغلب في التجرية الاولي ، فان العدو متي أراد أتي بع الي عبادة الاصنام .
+ قيل عن
انبا أور أنه لم يكذب قط ، ولم يحلف ،ولم يلعت ، ولا كان يتكلم الا للضرورة
، وكأن يوصي تلميذه قائلا : " انظر يا أبني ألا تدخل هذه القلاية كلمة
غريبة " .
+ حدث
مرة أن مضي تلميذ أنبا أور ليبتاع خوصا ، فقال البستاني :
" ان انسانا
أعطانا عربونا من ثمن الخوص ، ولم يرجع الي الآن فادفع الثمن وخذه " فأخذه
وجاء وأخبر الشيخ بما قالهله البستاني ، فلما سمع الشيخ بذلك ، وضع يديه
علي الأرض وقال : " أن أور لن يعمل في هذا العام عملا " ، وفعلا لم يدع
الخوص يدخل قلايته ، فأخذه التلميذ ورده الي صاحبه .
( ب ) امتزاج الفضائل بروح التوبة
+ كان انسان
جندي من بلاد الأكراد ،
قد عمل خطايا كثيرة ودنس جسده بكل
أصناف النجاسات ، وبرحمة الله ، تخشع قلبه ، فزهد في العالم ومضي الي موضع
فقر ، وبني له قلاية في أسفل الوادي ،وأقام فيها مهتما بخلاص نفسيه . فلما
عرف مكانه بعض معارفه صاروا يخضرون له خبزا وشرابا وكل حاجاته ، فلما رأي
ذاته في راحة ، وأصبح لا يعوزه شيء ، حزن وقال في نفسه : " أننا ما عملنا
شيئا يستوجب الراحة ،وهذا النياح الأن يفقدني النياح الأبدي ، لأني لست
مستوجبا لنياح البتة " . وهكذا ترك قلايته وانصرف قائلا : " لنسر الي
الضيعة ، لأنه ينبغي لي أن آكل الحشيش طعام البهائم ، اذ كنت قد فعلت أفعال
البعائم " وهكذا أصبح راهباً مجاهجا .
+ وكان
هناك أمرأة بأورشليم اسمها سستروتين،
هذه كانت خاطئة ، وتأبت بحرقة قلب
، ورجعت الي الله ، وتنسكت ، وعملت فضائل كثيرة ، حتي أنها من كثرة الفضائل
التي عملتها ، ونعمة الرب يسوع التي معها ، صارت مديرة لدير عذاري .
ولما صارت مدبرة للدير ، زادت علي
نسكها وصبرها ، حتي أنها من كثرة نسكها وصبرها ، ضعفت قوتها ، فسألتها
العذاري قائلات : " يا أمنا ، كلي قليلا من الطعام ، كي يكون في جسدك غذاء
قليلا ، وتستطعين أن تمشي الي داخل الموضع المقدس "
فقالت لهن :
" يا بناتي ، لا تتعبنني لأجل طعام
قليل بأكله أرجع الي عادتي القديمة ، فلأجل هذا أنا أخاف من الأكل " .
( ج ) الانسحاق والدموع
قال القديس
أنبا أنطونيوس :
+ لا تجعل
نفسك معدودا بالجملة وأنت تتفرغ لتبكي علي خطيئتك .
+ الزم
الحزن علي خطاياك كمثل من عنده ميت .
+ اوقد
سراجك بدموع عينيك .
+ الزم
البكاء فيترحم الله عليك لكن احذر من أن تكون صغير القلب لأن صغر القلب
يجلب الأحزان .
وقال أيضا :
+ ينبغي لمن
يشتم أن يعتقد في نفسه أنه هو السبب في شتمه لسوء فعله . فيصبح الشاتم
مذللا له من الخارج في الوقت الذي يصبح هو مذللا لنفسه من الداخل مثله في
ذلك مثل داود النبي الذي منع صاحبه من قتل شاتميه اذ قال لهم : دعوه فان
الرب جعله يشتمني . دعوه ( أتركوه ) حتي ينظر الرب ذلي ويرحمني . وأن يشتبه
( المشتوم ) بالسيد المسيح . لأنه لما شتم لم يشتم . وأن اتفتكر في شاتمك
انه قد عتقك من السبح الباطل ان احتملته بمعرفة . وانه قد أرسل لك علي
لسانه الدواء النافع . اقتسر ذاتك وتعود قطع مشيئتك وبنعمة المسيح تبلغ الي
ممارسة كل أمرك بدون اقتسر ذاتك وتعود قطع مشيئتك وبنعمة المسيح تبلغ الي
ممارسة كل أمرك بدون اقتسار ولا حزن . أحسن الي كل أحد وأن لم تقدر فأحب كل
أحد . وان لم تستطيع فلا أقل من ان لا تبغض احدا . ولن يسير لك شيء من ذلك
ما دمت تحب العالميات .
+ لا تحزن
ولا تتألم ولو قليلا علي شيء لهذه الدنيا ، ولا تقلق اذا شتمك جميع الناس ،
فهم يشبهون الغبار الذي تحمله الريح ، بل أحزان بالحري اذا ماعملت ما
يستوجب الشتيمة .
+ ما منفعة
كلام الكرامة ، فأنه انما يطير في الهواء ، وماذا يحدث من الخسارة
العارضة من الشتيمة الصائرة مجانا ، فهوذا الناس يموتون ، وتموت كرامتهم
وشتيمتهم أيضاً تذهب معهم .
+ اخوان
كانا يجتمعان في بعض الديرة ، كل واحد منهما منفرد في قلايته فقال احدهما
لرفيقه : أنا أقصد المضي لأنبا زينون فأعرفه فكري . فقال الآخر أيضاً :
وأنا أريد ان اقول له فكرا . وانطلقا سويا . وأخذ كل منهما الشيخ علي
انفراد . وأقفر له بأفكاره . فأحدهما سجد بدموع علي قدمي الشيخ ، يسأله ان
يصلي عليه . فقال له الشيخ : اذهب ولا تدفع ذاتك الي شر ، ولا تقع في خطية
، ولا تضطجعن في صلاتك . وبعد مضيه خارجا اعترف الآخر للشيخ بفكره وقال له
صل علي ، ولم تكن طلبته بوجع واجتهاد .
وبعد مدة من
الزمان اتفق انهما اجتمعا فقال الواحد لصاحبه لما زرنا الشيخ هل اخبرته
بفكرك الذي ذكرت أنك تريد أن تقوله له فقال : نعم فقال : هل انتفعت بعد
اقرارك له ؟ فأجابه : نعم بصلوات الشيخ شفاني الله . فقال له ذلك الآخر :
أما أنا وان كنت قد اعترفت له ، الا انني ما احسست بالشفاء . فقال له ذلك
الذي انتفع .وكيف سألت الشيخ فقال
: قلت له الأن صل علي يا أبي فان الفكر الفلاني يؤذيني.
فقال له الآخر :
أما انا فعندما أعترفت له : بللت
رجليه بدموعي طالبا اليه أن يبتهل في أمري . وبصلواته شفاني الرب .
هذا الخبر
الذي حدثنا به الشيخ يعلمنا انه يجب علي من يسأل أحد الأباء في أمر أفكاره
، أن يطلب الي الله بكل قلبه وببكاء شدسد فينال مراده . ومن يعترف بتوان
وفتور فليس من شانه ان يعدم المتعة فقط بل ويدان ويعاقب .
قال مار
اسحق
+ أعمال
التوبة والصلوات والدموع باتضاع وكير القلب ، لا تغلب الآلام من النفس فقط
بل ومن الموت تقيمها .
+ الويل لمن
له وقت واستطاعه ، ويساعده جسده ، ويتهاون بأعمال التوبة لأنه يبكي وينتخب
عندما ينتبه ، ويطلب زمان الراحة فلا يجد . سماء وماء التوبة هما الضوائق
والمحقرات والتجاري . وموتها حب الأرباح والكرامة والراحة ، لأنه من
الضوائق تتولد الراحة الداخلية ، ومن الحزن والكآبة الذين من اجل الله ،
يتولد الفرح وعزاء النفس ، وبايجاز فان السلامة التي لم تتولد من هذه
الأعمال هي ضلالة .
+ الذي يعمل
التوبة ويفلح في النسك بل وفي ممارسة الأعمال والفضائل ولكنه يتكل علي بره
، لا علي النعمة ، لا فرق بينه وبين من يجمع حجارة ويوجد بصومه أبعد من
الحق ، وأخر بنسكه ، وآخر بحرده ، وآخر بسهره ن واخر بعمله ، وآخر بصدقته
وآخر باحتماله وآخر بكمال اعمال تدعي الهية . لأن ربنا حزم الأمر بقوله :
بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئا ، أي بالهدوء وتواضع القلب اللذان بهما انا
غلبت العالم " .
+ كان شاب :
في المدينة قد صنع شرورا كثيرة ،
وكان منغمسا في الخطايا وبرحمة الله
?
أحسن بعد ذلك بكثرة خطاياه فحبس نفسه في قبر لكيما يتوب عما صدر منه ، وطرح
وجهه علي الأرض وهو يقول : " لا ينبغي لي أن أرفع نظري الي السماء لكثرة
خطاياي ولا أن أذكر اسم الله بفمي النجس ولا أن أصلي " ، وكان يقول في نفسه
: " اني لا أستأهل السكني مع الناس والأحياء ، ولكن مع الموتي " ، فحبس
نفسه في القبر وهو يائس من الحياة ، وكان يتنهد من وجع قلبه ، فلما انقضي
اسبوع وهو علي هذه الحال ، أتاه بالليل أجناد الشياطين وهم يصيحون قائلين :
" أين ذلك الحبس الذي لم يشبع من الدنس ، هل الأن ان يصير نصرانيا ؟ ألا
تنطلق بعجلة من هنا ، لأن الزواني والخمارين أصحابك يتوقعون حضورك اليهم ،
فاطرح عنك هذا الأمر البطال ، فما الذي
يحملك علي أن تقتل نفسك أيها الأرعن . انما انت بجملتك لنا وقد وهبت
لنا حياتكم بعهود ، فأنت غريم لنا . لماذا تهرب منا ؟ ألا ترد علينا جوابا
؟ ألآ تقوم وتذهب معنا . " أما هو ، فمن وجع قلبه لزم السكوت ، فلما كثر
عليه الكلام ولم يجبهم ، حينئذ بدأوا يضربونه ، واستمروا يضربونه حتي مزقوا
جسده ، فلم يستطيع أن يتحرم كما لم يقدروا ان يزويغوه علي فكره الصالح ،
فتركوه قبل ميت وانصرفوا وهو في تنهد شديد مسلما نفسه لله ، ثم أن أهل بيته
خرجوا يطلبونه ، فلما وجدوه سألوه عن أمره ، فأخبرهم بما حل به ، فأرادوا
أن يأخذوه معهم ، فامتنع ، وفي الليلة التالية ، عاد اليه الشياطين ،
وضربوه ، ولما كانت الليلة الثالثة ، أتوه أيضاً وضربوه حتي بقي فيه قليل
نفس ، فلما رأي الله انكسار قلبه ، منعهم عنه ، فهربوا وهم يقولون : " قد
غلبتنا " ولم يعودوا اليه بعد ذلك ، فسكن في ذلك القبر بقية حياته ، وأقتني
رهبنة فاضلة ، وصار سببا لرجوع خطاة كثيرين الي التوبة : .
+ اقتل
أنبا سيصوي
وكان الآباء
جلوسا حوله ، فسمعوه يخاطب قوما ، فقالوا له : " ماذا تعاين أيها الأب ؟ "
فقال : " ها أنذا اعاين قوما له أحد الشيوخ : " وان هم أمهلوك ، هل تقدر
الآن أن تنجح في التوبة وأنت في هذا السن ؟ "
فقال :
" وان كنت
لا أقدر أت اعمل عملا فاني أتنهد وابكي : ، فقال له الشيوخ : " ان توبتك قد
كملت أيها الآب "
فقال لهمن :
" صدقوني ، اني لست اعرف من ذاتي
اذا كنت قد بدأت الي الآن ؟ " ولما قال هذا ، أشرق وجهه كالشمس ، ففزع
الذين كانوا حوله .
فقال :
" أنظروا :
أن الرب قال : ائتوني بتائب البرية " ، ولوقته أسلم الروح وامتلأ المنزل من
رائحة زكية " .
-خوف الله ?
قال أنبا
موسي الأسود
+ أن أثرت
ان تتوب الي الله فاحترز من التنعم فانه يثير سائر الأوجاع ويطرد خوف الله
من القلب .
+ أطلب خوف
الله بكل قوتك فانه يزيل كل الخطايا .
+ سأل أخ
الأب أورانيوس قائلا :
" كيف يأتي خوف الله الي النفس ؟ "
قال له الشيخ : " اذا وجد في الانسان الاتضاع والكفر بكل الأشياء وبنفسه
أيضا ، وكان لا يدين أحداً ، فخوف الله يأتيه"
+ قال شيخ :
" الضجر
انما يعرض لنا من أن خوف الله لم يغرس بعد في فكرنا . ولم ننسي الي الآن
أكل خبزنا من صوت تنهدنا . فحب الجسد ،لا يدع عقولنا تسير الـي فوق " .
-
خطيتي أمامي
?
قال أخ
لأنبا بيمن :
" أني خاطيء
فماذا أعمل ؟"فقال له : مكتوب :" خطيئتي أمامي في كل حين
فأنا أهتم بآثامي وأعترف بذنبي ، فقلت أكشف خطيتي أمام الرب وهو
يغفر لي نفاق قلبي " .
وقال الشيخ
:
" اذا تقدمت
لأخذ القربان لا تفكر أنك أهل لذلك ولكت اعتبر انك خاطيء ، وأجعل في نفسك
أن الخاطيء اذا تقدم الي المخلص بايمان ، وتحفظ حسب قوته ، استحق أن ينال
مغفرة خطاياه . فتقدم بتوبة ،
واعتقد في نفسك أنك مريض وغير مستحق ، بل مثل مجروح ومحتاج الي الشفاء ،
وآمن انك تتقدس بأخذ القربان ، اذا كنت علي توبة ، لأن كل الذين تقدموا
اليه بايمان شفوا " .
-النوح ?
قال شيخ :
النوح
يغسل الخطايا ، ويتعب كثير يصل الانسان اليه . اذ لا يأتي البكاء
ألا بكثرة الهذيذ ، وبذكر الموت ، والدينونة المرهوبة ، والعذاب الدهري ،
وأن تفكر في نفسك وتقطع هواك وتحمل الصليب .
وقال آخر :
ان كان
انسان يجربه ابليس بأوجاع الخطية ، ويبكي وينوح لذلك بين يدي الله ، ، فان
الله يشتاق اليه ، لأن لأن التنهد قادر أن يحل الخطية ، والبكاء يغسل
الذنوب .
وقال مار
اسحق :
أحذر من
حياة الخلطة لنها تعوق سائر أنواع التوبة ، التخاطب مع كثيرين يعوق الحزن
الذي من أجل الله .
لقي أنبا جراسيموس
امرأة في البرية عريانة ، فلما
أبيصرته توارت عنه لكنه أراد أن يكلمها فتوارت خلف صخرة وكلمته ، فقال لها
: " كم لك في هذه البرية " من الزمان " ؟ " قالت : " خمسون سنة " قال لها :
" ماذا كان غذاؤك ؟ " قالت : " أن الخالق لا يضيع ما خلق "
قال لها :
" فماذا
أبصرت في البرية ؟ " قالت : " ما ابصرت غير المسيح وأعماله وصنائعه " قال
لها : " ففيم الخلاص ؟ قالت : " في ترك ما أنت فيه " قال لها : " وما هو ؟
" قالت : شغلك بالبكاء علي خطاياك اولي من سؤالك امرأة عما لا ينفعك قال
لها " صدقت " وعمل مطانية ، مضي أنبا بيمن في بعض الأوقات قاصدا مصر ، فنظر
أمرأة جالسة علي قبر تبكي بكاء مرا ، فقال لمن كان معه : " لوجيء لهذه
المرأة بكل مرطبات العالم وكل الملاهي ، لما انتقلت عما هي عليه من الحزن ،
وهكذا يجب علي الراهب أن يكون حزنه دائما أبداً .
سأل أخ الأب
ماطوس قائلا :
" قل لي
كلمة " فقال له : " أقطع عنك مما حكة الأمور كلها ، وابك ونح فقد قرب الوقت
" . أطلب الي الله أن يعطيك نوحا في قلبك وتواضعا في نفسك وتأملا دائما في
خطاياك ، ولا تدن آخرين ، ولا تجعل لك صداقة مع صبي ، ولا معرفة بامرأة ولا
صديقا مخالفا ،ولا صلة بانسان ما ، واضبط بطنك ولسانك ، وان تكلم أحد
بحضرتك فلا تحاججه ، وأن قال لك جيدا قل نعم ، وان تكلم رديئا فقل : أنت
أخبر بما تتكلم به ، ولا ثمار ، فهذا هو حد الخلاص " .
+ حدث أن
مضي ثلاثةاخوة الي الأب بفنوتيوس :
وسألوه كلمة
، فقال لهم الشيخ : " أمضوا ، وليكن عندكم الحزن أفضل من الفرح ، والتعب
أفضل من النياح ، والاهانة أفضل من الكرامة ، وليكن عطاؤكم أكثر من أخذكم "
.
+ سأل أخ
الأنبا مادانا :
" قل لي
كلمة " فقال له الشيخ : " امضي وأسال الله ان يهب لك في قلبك نوحا واتضاعا
، واجعل بالك من خطاياك كل حين ولا تدن أحدا . بل اجعل نفسك تحت كل الناس ،
ولا تجعل لك مرافقة مع صبي ،
ولا معرفة بامرأة ، ولا صداقة مع هيراطيقي ، واقطع عنك الدالة ، واحفظ
لسانك ، وامسك بطنك من الخمر قليلا ولا تكن محبا للقنية ولا تلاجج احدا ولا
تحارنه ،وهذا هو الاتضاع .
+ جاء عن
أنبا يوحنا صاحب القلالي :
كانت زانية
بمصر ، وكانت جملية جدا وموسرة ، وكان الرؤساء يأتون اليها، وفي بعض الأيام
جاءت الي الكنيسة وأرادت الدخول فلم يدعها الايبودياكون ماسك الأبواب قائلا
: " لست أنت مستحقة أن تدخلي بيت الله لأنك نجسة " واذا كان معها في الكلام
سمع الأسقف الخصومة فخرج فقالت له الزانية " من الآن ما أوني " فقال لها
الأسقف : " ان جئتي بغناك كله الي هنا علمت أنك ما تزنين " فمضت وأتت
بمالها جميعه ، فأخذه وأحرقه بالنار . ولما دخلت الكنيسة كانت باكية قائلة
: " أن كان ههنا حل حل بي هذا ، فهناك ماذا يحل بي ? " وعملت توبة حسنة
وصارت اناء مختارا .
( د ) اذكرت محبتك الأولي
قال مار
اسحق :
في الوقت
الذي تكون مغلوبا مقهورا وفي كلل وكسل وقد قيدك عدوك بسماجة فعل الخطية
أذكر الوقات القديمة التي فيها تنشطت ، وكيف كنت مهتما حتي بصغائر الأمور ،
وكيف كنت تتحرك بالغيرة علي الذين يعوقون مصيرك . وتنهد علي أقل شيء فاتك
في عمل الفضيلة
? وكذلك اذكر كيف كنت تحظي
باكليل الغلبة علي الأعداء .
بمثل هذه
التذكارات تتيقظ نفسك كمثل من هو في نوم عميق وتلبس حرارة الغيرة
? وكمثل من في الموت تقوم النفس
من مسقطها وتصلب ذاتها حتي تعود الي طقسها الأول بالجهاد الحار قبالة
الشيطان والخطية .
( هـ ) ذكر ساعة الموت والدينونة
قال القديس
موسي الأسود :
+ أعد نفسك
للقاء الرب فتعمل حسب مشيئته ، افحص نفسك هاهنا واعرف ماذا يعوزك فتنجو من
الشدة في ساعة الموت ويبصر اخوتك اعمالك فتأخذهم الغيرة الصالحة .
+ اذا قمت
كل يوم بالغداة ، تذكر انك سوف تعطي الله جوابا عن سائر اعمالم فلن تخطيء
البتة ، بل يسكن خوف الله فيك .
+ فكر في
نار جهنم لكيما تمقت أعمالها .
+ ذكر
الدينونة يولد في الفكر تقوي الله . وقلة خوف الله تظلل العقل .
قال شيخ :
كل من يجعل
الموت مقابله كل حين ، يغلب الضجر وصغر النفس .
وقال آخر :
" أن
ابراهيم أول دخوله أرض الميعاد اشتري قبرا فورث هو وزرعه الأرض
بكمالها ، هكذا الذي يتخذ له بيتا لموته من هذا العالم ، ويحزن فيه علي
نفسه ، فانه يرث أرض الحياة " .
قال القديس
اكليمكوس :
" لا يستطيع
انسان أن يختار يوما كما ينبغي ، أن لم يحسبه آخر يوم من حياته في الدنيا "
.
قالت الأم
سارة :
" أنني أضع
رجلي علي السلم لأصعد فأتصور الموت قدامي قبل أن أنقل الرجل الثانية" .
قيل لشيخ
:
" لماذا
تضجر يا أبتاه ؟ " فقال : " لأني في كل يوم أتوقع الموت "
قال انبا
ابرام :
" ساعة
الموت مرهوبة ، وهي تأتي علي الانسان مثل الفخ ، حينئذ يلحق النفس ندم عظيم
وتقول : " كيف جازت أيامي
وأنا مشغولة بالأعمال الفارغة التي .
وقال أيضا :
يا أخي في
كافة أعمالك تذكر اواخرك فلا تخطيء أبدا .
يا أخي احضر
الي ذهنك النار التي لا تطفأ ، والدود الذي لا يموت ، ففي الحال يخمد
التهاب الأعضاء ، لئلا تسترخي ويغلب ، وتستدركك نار حزن الندامة ، وتعتاد
أن تخطيء فتندم ، اقتن صرامة منذ الابتداء مقابل كل هشوة لئلا تغلب لها ،
ولا تتعود الهزيمة في الحزن ، لأن العادة طبيعة ثانية ، لأن اعتياد الهزيمة
لا يبين أن هناك صرامة وشهامة ، بل كل حين يبني هذا الانسان وينقض ، وفي كل
وقت يخطيء ويندم .
أيها الحبيب
ان اعتدت ان تتراخي أن توتلت ، فسوف يكون تسطير كتابة ندامتك لا يمحي الي
الأبد . من اعتاد ان يغلب لبعض الشهوات ، فذاك يصير موبخا كل وقت من ضميره
، فتحرز بكل نفسك من الخطر ، حاويا في ذاتك المسيح في كل وقت لأن المسيح هو
للنفس حلاوة لا تموت ، فله المجد الي الأبدج آمين .
ومن أقوال
القديس اوغريس :
+ أن من كان
همه في تذكار الموت ، فذلك يهديه بخوف الله .
+ "
أخبروا عن أخ حريص علي خلاصه . جاء من غربة فأقام في قلاية لطيفة بطور
سيناء . فلما جلس في اليوم الأول ، وجد علي خشبة صغيرة كتابة قد كتبها الأخ
الذي كان فيما مضي ساكنا فيها وهو يقول فيها : " أنا موسي ابن تادرس قد
حضرت وأقمت " وكان الأخ يضع تلك الخشبة قدامه طول النهار يوميا . ويسأل .
" من كتب
هذه الكتابة ؟ " ثم يردف قائلا : " أيها الانسان . ليت شعري ابن أنت الآن .
لأنك قلت " قد حضرت وأقمت " فالي من كتبت هذا يا تري ؟ تري في أي عالم أنت
في هذه الساعة ؟ " فكان يداوم هكذا علي هذا العمل طول النهار متذكرا الموت
. ثابتا في النحيب والبكاء وكانت صناعته الخط الحسن ، فتناول من الاخوة
ورقا ليكتب لهم شيئا كتذكار منه لهم . لكنه لم يكتب لأحد شيئا سوي صيغة
واحدة . كتبها في ورق كل واحد منهم وذكر فيها : " أغفروا لي ايها الاخوة
قساوتي ، فأنه كأن لي عمل مع ذاك القادر علي خلاصي ، لذلك لم أفرغ منه حتي
أكتب لكم"
+ قال شيخ :
" اني مرتعب
فزع من تلك الشدة التي سوف تعانيها النفس عن خروجها من الجسد ، اذ تأتيها
اجناد الشر ،وما سكو ظلمة هذا العالم الخبيث ، فيأخذونها ويظهرون لها كل ما
عملته من الخطايا ، بمعرفة وبغير
معرفة ، ويحاجونها علي كل ما عملت ، فأي شدة ورعب تلحق بالنفس في تلك
الساعة حتي يصدر الحكم بمصيرها ، وتصبح في عتق . هذه هي ساعة الشدة ، التي
تقاسيها حتي تبصر حاتمة أمرها فان كانت مستحقة النعيم ، يأخذها الملائكة
بكرامة ويحفظونها من الشياطين الأشرار ،وحينئذ تصبح من ذلك اليوم معتوقة
منهم ، كما هو مكتوب : " أن مسكن جميع الفرحين فيك يا مدينة الله " ،
وحينئذ يتم المكتوب ان الوجع والتنهد والتعب يهرب ، وحينئذ تفلت من اجناد
الظلمة ، لتمضي الي لك المجد الأسني الذي لا ينطق به . أما أن وجدت النفس
وقد مانت عائشة بالتواني ، فأنها تسمع ذلك الصوت المحزن : " ليبعد المنافق
كيلا يعاين مجد الرب " . وحينئذ يدركها يوم السخط ، يوم الحزن والشدة نيوم
الظلمة وظلال الموت ، فتلقي في الظلمة الخارجية ، ويحكم عليها بالعذاب
المؤبد في نار غير منطفئة ، حيث يهرب كل نعيم والتذاذ وحيث لا يوجد فرح ولا
نياح ، ولا غني ، ولا جاه ، ولا من يخلص من ذلك اللهيب المعد للنفوس
الخاطئة ، فاذا كانت هذه الأمور هكذا ، فأي تدبير ذي امانة وقداسة ، ينبغي
لنا أن نتدبر به في هذا العمر ، وأي تسبيح وأية صلوات واي تحفظ يجب ان
نقتني بغير دنس وبغير عيب ، بطهارة وسلام ، لتؤهلوا لسماع ذلك الصوت
المملوء فرحا القائل : " هلموا يا مباركي أبي ، رثوا الملك المعد لكم من
قبل انشاء العالم " ، الدائم الي دهر الداهرين آمين .
+ أحاط أخوة
بشيخ
عند وفاته ،
ففتح عينيه وضحك ثلاث مرات ، المرة بعد الأخري . فقالوا له : " لماذا تضحك
با أبتاه ونحن نبكي ؟ " فقال لهم : " أما ضحكي الأول فهو لأني رأيتكم
تخافون الموت ، والثاني فهو لانكم رغم خوفكم منه فانكم لا تستعدون له ، أما
ضحكي الثالث فهو لأني ماض من التعب الي الراحة " . وهكذا تنبح فانتفع
الأخوة منه .
+ كان انسان
اسمه اسطفان :
ساكنا طريق
النساك ساكني البرية ، وقد أقام في مصارعة التقشف سنين عديدة ، وكانت
قلايته في منحدر الجبل الذي سكنه ايليا ، وفي أواخر أيامه صعد الي ذروة
الجبل في مواضع حرجة مغشوشة ليس فيها عزاء . فأقام هناك مصليا نادبا متجملا
بجميع الفضائل ، فمرض مرضا قضي فيه نحبه ، وقبل موته بيوم واحد ، شخص بعقله
وعيناه مفتوحتان والتفت يمنة ويسرة ، وكأن محاسبا يحاسبه والجماعة تسمع ،
فكان مرة يقول " نعم هذا صحيح : ،
ومرة يقول " لا ، هذا كذب " ، ومرة اخري " نعم ، الا أني صمت عوض
هذا كذا وكذا وبكيت وتعبت " ، وفي أشياء أخري كان يقول : " لا هذا كذب ، لم
أفعله " ، وكان المنظر مبهرا مفزعا ، وعلي هذه الصفة فارق الدنيا محاسبا ،
وأما ما انتهي اليه امره ، ومصير القضية بالنسبة اليه فما أبانها .
+ سأل
أخوة اثناسيوس الرسولي :
" لماذا نري
قوما من الصديقين ينازعون ( عند الموت ) اياما ويحاسبون .؟ وقوما خطاة
نراهم يقضون اجلهم بسكون وهدوء
؟ " .
الجواب :
" ان عرفنا
جميع احكام الله فنحن اذن آلهة ، فيحسن بنا ألا نفتش تفتيشا زائدا عن مثل
هذه الأحكام لأنه يتفق ان رجالا أبرارا يعاقبون في وقت نزعهم الأخير ، لنري
نحن ذلك ونفزع ونخف ، كما أنه ربما كان لأولئك القديسين
?
بما أنهم بشر ?
زلة صغيرة ، فينظفون بذلك العقاب في وقت نزعهم تنظيفا تاما بليغا ، ويمضون
بلا عيب أنقياء " .
+ قال
القديس اغريغوريوس :
" أن هذا
النزع ينظف النفوس الخارجة من العالم من الخطايا الدنية الخفيفة ، وذلك
بحسب ما سمعته من رجل قديس ، حكي لي عن قديس آخر فقال : " انه لما حضرته
الوفاة فزع فزعا عظيما ، وبعد موته ظهر لتلاميذه بحلة بيضاء ، دالا بذلك
علي البهاء الذي حصل عليه " .
+ تحدث
الآباء عن شيخ أخذت روحه ، وبعد ساعة رجعت اليه فسألوه : " ماذا أبصرت يا
أبانا ؟ " فقال وهو يبكي " سمعت هناك قوما يقولون وهم باكين : الويل لي ،
الويل لي " .
+ سأل بعض
الأخوة شيخا قائلين : <