مِن فَعَلَةِ الإثْمِ أَنقِذْني و مِن رِجالِ الدِّماءِ خَلِّصْني (مز 59 /3)
بستان الرهبان: تدبير الروح: 3 /5 الصوم: ثانيا" - كيف اصوم
كيف أصوم ؟
( أ ) الصوم .
وكمية الأكل ( الطعام )
+ قل شيخ :
" كما أن الذئب لا يجتمع مع النعجة لانتاج ولد شبع البطن لا يجتمع مع توجع
القلب لانتاج فضيلة " .
+ وقال آخر :
" لا تملأ بطنك من الخبز والماء ، ولا تشبع من نوم الليل ، فأن الجوع
والسهر ينقيان أوساخ القلب من الأفكار ، والجسد من قتال النجاسة ، فيسكنه
الروح القدس ، لا تقل " اليوم عيد آكل وأشرب " فأن الرهبان ليس لهم عيد علي
الأرض ،/ وانما فصحهم هو خروجهم من الشر ، وعنصرتهم تكميل وصايا المسيح ،
ومظالهم حصولهم في ملكوت السماء فأما الشبع من الخبز فأنما هو والد الخطية
"
+ قال أنبا أولوجيوس لتلمذه
:
" يا بني عود نفسك أضعاف بطنك بالصوم شيئا فشيئا ، لأن بطن الانسان انما
يشبه زقا فارغا فبقدر ما تمرنه وتملأه تزداد سعته ، كذلك الأحشاء التي تحشي
بالأطعمة الكثيرة ، ان أنت جعلت فيها قليلا ضاقت وصارت لا تطلب منك الا
القليل " .
+ قال أخ :
" مقاتلا بالزني ، فسأل شيخاً أن يبتهل في أمره لكيلا يقهره الشيطان ، فسأل
الشيخ الله في أمره سبعة أيام وبعدها سأل الأخ عن حالته فقال له : " لم يخف
القتال بعد " فتعجب الشيخ لذلك ، واذا بالشيطان قد ظهر له قائلا : " أما
أنا ، فمنذ اليسوم الأول في ابتهالك الي الله بشأنه ، انصرفت عنه ، انما هو
يقاتل ذاته وحده ، لأنه يأكل ويشرب وينام كثيرا " .
( ب ) الصوم . ونوع الطعام (
الأكل )
+ قالت القديسة سفرنيكي :
" لا يخدعنك تنعم العلمانيين الأغنياء ، كأن فيه شيئا نافعا من اجل اللذة ،
لن أولئك يكرمون صناعة
الطباخين لا غير ، فجز أنت بالصوم ساعة الأطعمة ، لأنه قد قيل : " أن نفسا
مترفهة ، اذا أنتهرت من أربابها ألا تشبع خبزا ، فلن تطلب خمرا " .
+ قيل عن يوحنا ذهبي الفم :
" أنه مدة اقامته في البرطيركية كان غذاؤه ماء الشعير والدشيشة يوميا كما
كان يأخذ طعامه بوزن ومقدار ، وهذا ما جعله أن ينسي الشهوة ، أما ثوبه فقد
كان من خرق وشعر خشن ، ولم يكن له ثالث
" .
( جـ ) الصوم . وفترة الانقطاع
+ قال الأب أوغاريتوس :
" أقرن محبة اللاهوتية بالجوع ، لأنه يأتي بالراهب الي ميناء عدم الأوجاع"
+ قال الأب لوقيوس :
" توجعت معدتي مرة وطلبت طعاما في غير أوانه ، فقلت لها : موتي ما دمت قد
طلبت طعاما في غير اوانه ، فها أنا أقطع عنك ما كنت أعطيك أياه في أوانه "
.
+ قالت القديسة سفرنيكي :
" إذا صمت قلا تحتج بمرض . لأن الذين يصومون قد يسقطون في مثل هذه الأمراض
، وإذا بدأت بالخير فلا تتعرق بقطع الشيطان أياك ، فأنه سيبطل بصبرك"
( د ) الاعتدال في الصوم
+ سؤال :
" كيف ينبغي للراهب أن يمارس خدمته في الترتيل وتقدير الصوم؟ " .
+ الجواب :
" سبيله الا يعمل شيئا يزيد علي المرسوم ، وذلك لأن كثيرين أرادوا أن
يزيدوا علي ما رسم ، فما أستطاعوا فيما بعد أن يعملوا ، حتي ولو أقل منه
" .
+ سأل أخ الأب لوقيوس قائلا
: " أريد أن أصوم يومين يومين "
فقال له شيخ : " قد قال أشعياء النبي أن أنت أضنيت عنقك كالحلقة ، وأفترشت
المسوح والرماد ، فلن يعتبر ذلك صوما مقبولا ، أما أردت الصوم حقا فأصرف
الأفكار الخبيثة " .
+ قيل :
أنه كان في الصعيد راهب قد بلغ من التقشف مبلغا عظيما ، ظافرا علي صلوات
وطلبات وسهر ، ومالكا عدم القنية الي أبعد غاية ، يفني جسده بالأصوام
والأتعاب . هذا كان قد بدأ جهاده بأن كان يتنازل كل عشية ملء راحته قطينية
مبلولة وكفي . وصار يتدرج الي أن أصبح يتناول ذلك القدر يوما بعد يوم ،
وهكذا حتي استطاع بعد مدة أن يأكله مرة واحدة كل أسبوع مساء الأحد أو يأكل
مما اتفق له من الحشائش النباتنية ، ومكث علي هذه الحال مدة من الزمان ،
فحسده الشيطان وأراد أن يرميه في الكبرياء ، فوسوس له بأنه قد سلك في النسك
مسلكا لم يبلغه أحد من البشر ، وأنه يجب أن يجترح الآيات كي يزداد نشاطه ،
ويري الناس العجدائب فيمجدوا الله ، لأن الرب نفسه ايضا قال : " ليري الناس
أعمالكم الحسنة فيمجدوا أباكم الذي في السموات " .
فسأل الرب من أجل هذا الأمر / وإذا لم يشأ الاله المتعطف أن يظلم تعبه ،
فقد ألهمه فكرا بأن الرسول يقول : " لسنا كفأة أن نري رأيا من أنفسنا " .
وقال : " أن كان ذلك السيد لم يجد نفسه كفئا لان يري رأيا من ذاته ، فكم
بالحري يجب علي أنا الشقي أن أقول هذا القول ، أقول أذن وأمضي إلي فلان
المتوحد ، ومهما قال لي أقبله كمرسل لي من قبل الله " .
وكان ذلك المتوحد راهباً كبيراً وقد نجح في عمل المشورة ، حتي استطاع أن
يفيد من يسأله . فقام للوقت ومضي اليه ، فلما دخل قلايته رأي المتوحد قردين
جالسين علي كتفيه ، ممسكين عنقه بسلسلة ، وكان منهما يرهقه جذبا اليه ،
فلما شاهد هذا المنظر عرف السبب اذ كان متفقها جدا . وأنه تنهد باكيا بسكون
ومن بعد الصلاة وما جرت بع العادة من السلام ، جلسا مدة ساعة صامتين لأنه
هكذا كانت عبادة الآباء الذين هناك ، ثم فتح الراهب القادم فاه قائلا : "
أيها الأب ، انفعني وأردني مرشدا للخلاص . لا تردني يا أبي ني موقن بفضلك
وقد ألزمت قبول مشورتك " .
فأجاب الشيخ : " أني أخشي أنك لا تسمع مني ، ولذلك أفضل أن أمتنع من ذلك "
فحقق وأكد له أنه قبل مجيئه قد عاهد نفسه قائلا : " مهما قلت لي اقبله كما
من فم الله " .
فقال الشيخ : " خذ هذه النقود وأمض الي المدينة وابتع عشر خبزات وقسط نبيذ
وعشر أرطال لحم وعد بها الي " . فحزن الأخ لذلك جدا ، لكنه علي كل حال أخذ
ما أعطاه له مضي كئيبا ، وفي طريقه جاءته الأفكار قائلة :
" أي شيء يقصده هذا الشسخ ؟ وكيف أستطيع أنا أن أبتاع هذه الأشياء وكيف
أحملها . وما هي موقفي من العلمانيين مما يضطرني الي أن أذوب خجلا ؟ "
وهكذا سأل واحدا فابتاع له الخبز ، وآخر ابتاع له النبيذ ، ولما جاء دور
اللحم قال : " يا ويلي كيف أحصل علي اللحم ، سواء أبتغيه أنا بيدي أم كلفت
آخر " ، ثم كلف رجلا علمانيا فأبتاع له اللحم ، وحمل الجميع وجاء بها الي
الشيخ مفكررا .
فقال له الشيخ : " أطبخ اللحم
وطجنه " ففعل ذلك معبسا .
فقال له الشيخ :" لا تنسي ما عاهدتني به أنك سوف تفعل جميع ما أشر به عليك
، فخذ هذه الأشياء جميعها ، وأمضي الي قلايتك ، وصل وتناول خبزة واحدة
وشربة واحدة من النبيذ ورطل لحم في كل يوم عند المساء . ومن بعد عشرة ايام
عد الي : . فلم يتجاسر علي أن يرد له جوابا .
وهكذا أخذ كل ما اعطاه ومضي حزينا
باكيا قائلا في نفسه : " من أي درجة في الصوم هبطت ، وفي أي حالة حصلت ؟ "
ثم قال لنفسه : " أن لم أفعل ما أمرني به أكون قد خالفت الله ، لأني قد
عاهدته أنه مهما قال لي أفعله كما من فم الله والأن يارب ، أنظر الي شقاوتي
وارحمني وأغفر لي خطيئتي لأني مضطر أن أعمل خلاف هواي : . وجاء الي قلايته
باكيا ، وتمم ما قاله له الشيخ ، وانعكف علي الصلاة انعكافا بليغا ، وكان
اذا ما اكل ، يبل الخبز بدموعه قائلا :
" يا الله قد أهملت وخذلت من يدك " فلما رأي الله حزنه وبكاءه
ومسكنته ، عزي قلبه وكشف له السبب ، فشكر الله واعترف بالقول النبوي : " أن
كل بر الانسان مثل خرقة الطامث ، وأيضاً " لأن يبن الرب البيت فباطلا يتعب
البناؤن وان لم يحرس الرب المدينة فباطلا يسهر الحراس " .
وهكذا عاد الي الشيخ منهوك الجسم موعوكا أكثر مما كان وهو يطوي الأسابيع
صائما . فلما رآه الشيخ متذللا متمسكا قبله بفرح بوجه طلق ، وصليا وجلسا
صامتين مدة ساعة ، ثم قال الشيخ : يا ولدي ، أن الله المحب للبشر قد تعاهدك
، ولم يمكن العدو من الاستيلاء عليك ، لأنه من عاداته دائما خدعة من يسلك
مسلك الفضيلة بوجوه تتبين أنها واجبة ، ويسوقهم بها الي مرض الكبرياء
ويأمرهم أن يخوضوا في خوض عظيم من الفضائل حتي
?
من هذه الوجهة ?
يهبطهم هبوطا عظيما ، لآنه ليس عند الله شيء مرزول مثل مرض الكبرياء . ولا
ثمة فضيلة تساوي التواضع ، فتأمل الأمرين من مثل الفريسي والعشار ، لأن بعض
الشيوخ يقولون أن بعض الافراطات من أعمال الشياطين ، فاسلك طريقا ملوكية
كما قال الكتاب ، ولا تمل
يمنة ولا يسرة ، اتبع التوسط في الأمور . في كل عشية يكون اغتذاؤك وان دعت
الضرورة لمرض أو عارض يعرض ، فاسلك للوقت بحسب ما تقتضيه الحال ، كذلك أن
أقتضي الأمر حل الساعة المحدودة فلا تحزن ، وأن اقتضي أن تتناول في يوم غير
مطلق ، فتناوله ، لسنا تحت ناموس بل تحت نعمة . فماذا أكلت فلا تمتليء بل
اقتصر سيما من الأطعمة الحنجرانية ، وأحب دائما ما كان دونا ، وأحفظ قلبك
لأن النبي يقول : " ضحية الله روح منسحقة ، والله لا يرذل القلب المتواضع
المنكسر " .
وقد قال أيضاً : " تواضعت فخلصني الرب : والرب يقول بلسان أشعياء النبي : "
الي من أنظر ، الا الي الوديع الخائف من كلامي : . فألق يابني أتكالك علي
الرب واسلك طريقك بسلام وهو يفعل لك الخير / ويخرج عدلك كضوء وحكمك
كالظهيرة .
وبعد ان دعم الأخ بأقوال كثيرة ،
اخلي سبيله مسرورا بالرب ، واذ كأن يمضي ترنك قائلا : " خائفوك وعارفو
شهادتك ليروني ، وأدبا أدبني الرب وإلي الموت لم يسلمني ، ويؤدبني الصديق
برحمة ويوبخني : وقال لنفسه " أرجعي يا نفسي الي موضع راحتك لأن الرب قد
أحسن اليك " وبقية القول . وهكذا جاء الي قلايته ، وأمضي بقية عمره حسب
مشورة الشيخ .
( د ) عنصر الخفاء في الصوم
علمت في بعض القلالي أغابي وتفسيرها " المحبة " ، وتقال بلغة القبط( افراشي
) ، وتفسيرها " الفرح " ، وجلسوا يأكلون ، وكان بينهم أخه لا يأكل طبيخا ،
فقال أحد الأخوة للخادم :
" أن ههنا أخا لا يأكل طبيخا قط ، وهو يريد قليلا من الماء والملح ، فأعلي
الخادم صوته ونادي خادما آخر : " أن الأخ فلان لا يأكل طبيخاً ، فأحضر له
قليلا من الماء والملح ".
فقام أحد الشيوخ من المائدة وقال له : " لقد كان خير لك لو جلست في قلايتك
وأكلت لحما ، من ان تصدر عنك هذه الغضبة هكذا علي رؤوس الملأ " .