مَن أَتى إِلَيَّ و لَم يُفَضِّلْني على أَبيهِ و أُمِّهِ و امَرأَتِه و بَنيهِ و إِخوَتِه و أَخواتِه بل على نَفسِه أَيضاً، لا يَستَطيعُ أَن يكونَ لي تِلميذاً (لو 14 /26)
بستان الرهبان: تدبير الروح: 3 /7 الهدوء: ثانياً - سكون الفكر
سكون الفكر
شروطه :
( أ ) حفظ الحواس
+ قال شيخ :
" ينبغي للمتوحد في قلايته أن
يكون له افراز ومعرفة وحرص وتيقظ ، كما يكون ضابطا لحواسه حافظا لعقله ، لا
يفكر في انسان ، ولا يفتر في الصلاة والقراءة "
+ قال القديس يوحنا القصير :
" كن ظاهرا مترتبا في لبسك .
ليكن نظرك مطرقا الي اسفل وفكرك فوق عند ربك . لا تملأ عينيك من وجه انسان
ولكن بتهيب وخوف تبسيط نظرك كن شبه عذراء زكية واحفظ نفسك للمسيح ولا تشته
الأصوات مثل الأحداث " .
+ جاء عن الأب الاديوس
أنه أقام بالأسقيط 20 سنة بقلاية ، لم يرفع عينيه لينظره " .
+ وقيل عن الأم سارة :
" أنها كانت ساكنة فوق النهر 60
سنة لم تطلع البتة لتنظره" .
+ وقال شيخ :
" تحفظ من النظر والحديث ، لأنهما
أسباب الخطية " .
+ وقال آخر :
" الانسان المنتبه يستطيع أن يحفظ
الانسان الجواني فلنجاهد كي نحفظ انساننا .
+ قال أنبا افرآم :
" أن أحد الاخوة سأل أخا له
قائلا : أن الأب أمرني بالمضي الي المخبز لنخبر خبزا برسم الاخوة ، ولما
كان عمال المخبز علمانيين يتكلمون بما لا يليق ، فلست انتفع من سماع ما
يقولونه ، فماذا أصنع ؟ " .
فأجابه قائلا : " أما رأيت في
المكتب ( الكتاب او المدرسة ) صبيانا كثيرين ، وكيف أن كل واحد منهم يقرأ
مالا يقرأه رفيقه لعلمه أن معلمه يطالبه فقط باتقان ما يختص به ولا يطالبه
باتقان ما يختص بغيره " .
فأن كنت أنت تنهزم للآلام بمجرد
سماعك فظيع الكلام ، فاستمع لقول القائل : " أمتحنوا سائر الأشياء وتمسكوا
بأحسنها " .
+ وقال أيضاً :
" وما لنا وللعالم ، ما لنا
بمعاملاته ؟ نحن قد متنا عن العالم ، كل منا بأكلة يسد جوعه ، وأيدينا
تساعدنا علي خدمة جسدنا بمعونة الله لنا ، لأنه قال : لا يوجد متجند يقوم
بنفقة نفسه بانشغاله في امور الحياة ، اذ كيف يستطيع
?
وهو مشغول ?
ن يرضي قائد الجيش ومليكه " .
( ب ) جمع العقل
+ قال القديس يوحنا القصير :
- أن فكر الانسان آنية لله وله
الاستطاعة ان يقطعه كي يمكنه أن يجلس في القلاية ، أما أن جعله الانسان
وعاء لحديث العالم فلن يستطيع أن يجلس في القلاية .
- اذا مشيت لا تدع عقلك يدور
ولكن متجمعا قدامك .
- لتكن نفسك متيقظة لخدمة الله
وليكن عقلك متجمعا عند ربك .
+ سئلت القديسة ثيئودورا :
-كيف يمكن للانسان أن يقبل حديث
العلمانيين وأن يكون عقله مع الله فقط كما كتب ؟
فقالت : يشبه هذا انسانا جالسا
علي مائدة وعليها أطعمة كثيرة ، فأن أكل منها بشهوة ورغبة أثم ، وأن لم
ياكل منها بشهوة ورغبة فليس عليه ذنب فيما يأكله . وهكذا كلام العلمانيين
اذا سمعته ويكون قلبك معك ، ولا تسمعه بلذة فما يضرك شيء .
+ سئل شيخ :
" كيف ينبغي للمتوحد أن يسكن في
قلايته ؟ " .
فقال الشيخ :
" ليكن له عدم اهتمام بذكر
انسان أصلا ، ويحفظ عقله من الطياشة ، كما يذكر الله دائما " .
+ وقالت القديسة سفرنيكي :
" قد يمكن أن يكون الانسان مع
كثيرين وهو منفرد بالضمير والهمة والنية وقد يكون الانسان وحده وهو منصرف
بالذهن مع الكثيرين " .
+ قال الأب أوغاريتوس :
"
اذا كنت جالسا في قلايتك فاجمع عقلك ، واذكر يوم خروجك من الدنيا
وتفطن في موتك ، وتفهم التجرية التي تحل بك ، والزم التعب لترضي الله
واحتقر أمور هذا العالم الباطل ، ليمكنك أن تكون في الصمت دائماً ، ولا
تضعف . وأذكر أيضاً يوم القيامة ولقاء الله ، وذلك الحكم المفزع ، وما ينال
الخطاة من الخزي أمام الملائكة والقوات وجميع الخلائق ، واذكر الجحيم ،
وفكر في الأنفس التي تصير فيه ، وأي مرارة هناك ، وأي فزع وضيق يقاسيه
الخطاة ، بلا منفعة من ذلك البكاء النفساني الذي ليس له انقضاء ، والعذاب
الدائم في النار التي لا تطفأ ، والدود الذي لا ينام ، والظلمة القصوي
وصرير الانسان ، واذكر أيضاً الخيرات المعدة للقديسين ، والفرح الدائم في
ملكوت السموات ، والنعيم الأبدي ، وكن دائما متذكرا الفريقين ، اما علي
الخطاة فابك ونح ،وجاهد الا تصير الي ما صاروا اليه ، وافرح بما أعد
للصديقين ، وأحسد سيرتهم وأعد نفسك لتدرك ما ادركوه ، انظر
، لا تنس لك ، اذا كنت داخل قلايتك أو خارجها ، لكيما تقاتل الأمراض
الردية بهذه الذكريات العتيدة " .
( جـ ) الهذيذ
+ قال مار اسحق :
الهذيذ بأمور كثيرة ، غذاء
للنفس ، سواء كان صالحا أم طالحا أم خليطا منها . الهذيذ بالواحد هو
الانحلال من الكل ، والانحلال من الكل هو الارتباط بالواحد .
+ قال القديس يوحنا القصير :
- كن عاقلا في تدبيرك واهتم
بقراءة الكتب لكي تعلم كيف تكون مع الله .
-
لا تختر أن تكون متعب الجسد فقط وفكرك في الباطل . لأن هذا ليس وحده
المطلوب منك ولكن أفرح تدبيرك بقدر ساعة قراءة وساعة صلاة وساعة عمل . لكي
تضيء من القراءة .
-
وفي صلاتك ليس القيام الظاهري فقط هو الذي يريده الرب ولكنه يريد
الفكر الحكيم الذي يعرف كيف يدنو الي الكمال .
- داوم علي قراءة كتب الأنبياء
لأنك فيها تعلم عظمة الله وأفعاله وعدله وقوته وأدرس كتب المبشرين بالجديدة
( العهد الجديد ) لأنك منها تعلم رحمة المسيح وخيريته ( فضله ) ونعمته .
- الزم القراءة أفضل من كل عمل
لأنه ربما دار العقل في الصلاة ، أما القراءة فأنها تجمعه .
+ قال شيخ :
" الترتيل وطول الروح والرحمة
تسكن الغضب " .
( د ) التواضع
+ مرة قال القديس يوحنا القصير
للأخوة :
" من باع يوسف ؟ " فقالوا له :
" أخوته " فقال : ليس أخوته ولكن اتضاعه هو الذي باعه . لأنه كان قادرا أن
يقول للذي اشتراه أنه أخوهم لكنه سكت وباتضاع بيع ، وبذلك الاتضاع صار مدبر
ملك مصر .
+ وقال أيضا:
يجب قبل كل شيء أن نقوم
بالتواضع لن هذه الوصية هي الأولي ، التي قال ربنا عنها : ( طوبي للمساكين
بالروح فأن لهم ملكوت السموات ) لأن آباءنا اذ كانوا يفرحون بشتائم كثيرة ،
دخلوا الي ملكوت السموات .
الاتضاع وخوف الله هما أعظم
جميع الفضائل .
+ سأل أخ الأب سيصوي قائلا :
" اذا مشينا في طريق ، ضل
مهدينا فهل ينبغي أن ننبهه ؟ " فقال له الشيخ : " لا "
قال الأخ :
" هل نتركه أذن يضلنا ؟ " .
فأجابه الشيخ :
" وماذا
نعمل اذن ، أنأخذ عصا ونضربه ؟ أني أعرف أخوة كانوا قد ضلوا ، فجاهد كل
واحد منهم ألا يتكلم ، فلما أضاء النهار ، علم مرشدهم بانه قد ضل الطريق
، فقال : " أغفروا لي قد ضللت الطريق ، فقالوا له كلهم : " لقد
علمنا ، ولكننا سكتنا " ، فلما سمع ذلك تعجب ، وقال : " أن أخوتنا تمسكوا
حتي الموت علي الا يتكلموا " وسبح الله ، وقد كانت مسافة الطريق التي مشوها
12 ميلا .
+ وحدث لما كان القديس
أورانيوس مبتدئا ، أنه مضي الي أحد الشيوخ وطلب منه طلمة فأجابه الشيخ
: " أن آثرت الخلاص ، فاذا اتفق وجودك عند انسان فلا تبتديء أنت بالكلام من
قبل أن تسأل " . وإذ أدرك معني الكلام ، ندم وصنع مطانية للشيخ وقال :
" لقد درست
كتبا كثيرة ، ولكن مثل هذا الأدب لم أعرف بعد " وانطلق بسلام منتفعا .
+ ثلاثة شيوخ كانت لهم
عادة في كل سنة أن يمضوا الي الأنبا انطونيوس فكان أثنان منهم يسألونه عن
الأفكار وعن خلاص نفسيهما . أما الثالث فلم يسأله زمانه كله عن شيء البتة .
وبعد زمان طويل قال له الطوباوي : هذا الزمان كله تجيء عندي وما سألتني عن
شيء . أما هو فقال له : يكفيني نظري اليك يا أبي .
( هـ ) الصوم والسهر
+
قال القديس يوحنا القصير
:
اذا أراد ملك ان يأخذ مدينة
الأعداء فقبل كل شيء يقطع عنهم الشراب والطعام وبذلك يذلون فيخضعون له ،
هكذا أوجاع الجسد ، اذ ضيق الانسان علي نفسه بالجوع والعطش ازاءها فأنها
تضعف وتذلل له .
ومرة سألوه : ما هو عمل الراهب
؟ فقال :
تعب الجسد وضيق البطن وغلبة
الارادة .
+ وقال أيضاً :
- أن الأسد شجاع مهاب ولكنه من
أجل شهوته ورغبته يقع في الفخ ، فتبطل قوته ويصير هزءا للناس ، كذلك الراهب
اذا فقد قانونه وتبع شهوته اهلك وقاره وصار هزءا لكل أحد . فيجب علي الراهب
كل يوم ، اذا قام بالغداة أن يتخذ لنفسه وصية الهية وأن يقتني طول روح
وأحتفاظا من القلب وصلاة دائمة مع طهارة لسان ، وأن يجعل نفسه تحت كل
الخليقة بالابتعاد عن كل الهيوليات .
فقد معه بفكره فاختر السهر أفضل من الأعمال وذلك مع الصوم . لأن السهر يضيء
العقل ويقلل الحلام ، والصوم يذل الجسد وهو معين أكثر من كل الأعمال .