طوبى لِلَّذينَ يَحفَظونَ شَهادَتَه و بِكُلِّ قُلوبِهِم يَلتَمِسونَه (مز 119 /2)
بستان الرهبان: تدبير الفكر: 4 /5: الرؤى
الرؤى
لا تصدقوا كل روح
+ من كلام
انسطاسيوس السينائي :
" ليس كل من يعمل آيات قديساً ،
بل نجد كثيرين يعملون آيات وتتلاعب بهم الشياطين ، لننا قد فهمنا من حال
أسقف هيراطيقي اسمه مقدونيوس محارب الروح القدس ، أنه قد نقل شجرة زيتون من
موضعها وغرسها في موضع آخر بشكل الصلاة .
وحدث كذلك أن رجل ظالم قد أزعج
أمرأة لأجل دين كان له علي زوجها ، وزاد قيمة الدين عن الحقيقة ، ولم يكن
الميت قد دفن بعد ، فما كان من ذلك الأسقف المذكور الا أن جعل الميت يتكلم
ويخبر بمقدار الدين ، كذلك لما مات ذلك الأسقف المذكور ألا أن يجعل الميت
يتكلم ويخبر بمقدار الدين ، كذلك لما مات ذلك الأسقف الهيراطيقي ، ظهرت علي
قبره خيالات كثيرة وعملت آيات ، من أجل ذلك لا يجب أن تقبل كل من يعمل آيات
قائلا أنه قديس ، بل يجب أن يمتحنوا ويختبروا علي رأي القائل : " لا تصدقوا
كل روح ، بل جربوا أن كان ذلك الروح من الله ، لأن انبياء كثيرين كذابين قد
خرجوا الي العالم " والرسول يقول : " أن هؤلاء رسل كذابون وفعلة غاشون ،
متشبهون برسل المسيح ، وأن الشيطان يظهر بشكل ملاك النور ، فلا عجب أن كان
خدامه يتشكلون بشكل خدام العدل " ، لأن الشياطين الأنجاس بواسطة الأنبياء
الكذبة يصنعون آيات واشفية جسدية ليخدعوا من كان سهل الانقياد لخداعهم ،
وقد يظهرون أحيانا ميتا قائما بواسطة صلاة بطالة من انسان مضل ، وذلك بأن
يدخل ابليس في جسد الميت ويحركه ويخاطب الأحياء من وجه الميت ،ويجيب
الانسان المخدوع عما يسأله ، ويخبر عن أشياء مخفية وعما قوم سرا ، جتي اذا
وثقوا به أنه صادق ، سهل عليه أدخال الضلالة التي تخصه
.
كذلك يتجاسر الشياطين علي أن
يحدثوا عن خصب الأرض وجدبها ، واختلافات الأهوية وكثرة الأمطار وقتلها وما
شاكل ذلك ، كما يمكنهم فهم آراء الناس من اشارات وأمارات يرونها في الانسان
أو يتصيدون ذلك من وجوه أخري ، وليس ذلك فقط ، بل ويسبقون فينذرون بموت قوم
من الناس ، لأن العناية الالهية قد وضعت علامات في جسم البشر كما يعرف ذلك
أولئك الذين حذفوا صناعة الطب حذقا بليغا ، اذ يستدلون علي موت الناس من
علامات تظهر منزيادة الكيموسات ونتقصان الدم ،وتغير المزاجات وغير ذلك ، لا
سيما وأن الشياطين لطيفة ولطول مدتهم وكثرة تجاربهم ، فالنساء العرافات
والمنجمون يحدثون بما يحكم به الشياطين ، ليس عن سابق علم . بل لزيادة
التجربة . وليس ذلك مقبولا ، فقد عرفنا قوما سحرة مشعوذين ، قد صنعوا آيات
متنوعة من فعل الشياطين ، مثل هاروت وماروت اللذان كانا علي عهد موسي ،
فأنهما جعلا عصيهما حيات ، وقلبا المياه دما ، واصعدا من المياه كثيرة من
الضفادع .
كذلك سيمون الساحر في عهد الرسل
، فكم من الآيات صنع ، فلقد حرك أصناما وجعلها تمشي ، وطرح في النار ولم
يحترق ، وطار في الهواء ، وحول حجارة الي خبز ، وصار حية ، وتشكل بهيئة
حيوانات ، وفتح أبوابا مرتجة ، وفك قيودا ، وحل حديدا ، وعلي المواليد اظهر
اشكالا ، وجعل الأوعية التي في البيت تتحرك خادمة منها وبها دون أن يري
الذي يحركها ، وجعل ظلا يتقدمه زاعما أنه من أرواح الذين ماتوا ، واذ رام
كثيرون من السحرة أن يفضحوه ، غير شكله ، ثم بحجة ما ، دعاهم الي وليمة حيث
ذبح ثورا وأطعمهم ، فنزلت بهم اسقام كثيرة ، وصرعتهم شياطين مردة ، وأخيرا
لما طلبه الملك ، فزع منهم ، وهرب وطرح شكله علي غيره .
+ ومن كلام الباب اثناسيوس :
سؤال :
كيف يصنع الهراطقة آيات لمرات
كثيرة ؟ " .
الجواب :
" سبيلنا الا نستغرب ذلك ،
لأننا قد سمعنا الرب قائلا : أن كثيرين يقولون لي في ذلك اليوم يارب يارب ،
أليس باسمك تنبأنا ، وأخرجنا شياطين وصنعنا قوات كثيرة ؟ فأقول لهم ، أني
لا أعرفكم قط ، انصرفوا عني يا فعلي الاثم " ، فعلي أكثر الحالات يتسبب
الشفاء بايمان المتقدم وليس بسيرة المجترح ، لأنه مكتوب : " أن ايمانك خلصك
" ، لأنه ليس في الاثوذكسية فقط اجتراح آيات ، بل وقوم أردياء ، مراراً
كثيرة تقشفوا وقدموا لله أتعاباً ، فأخذوا أجرتهم في هذا العالم فسحه من
الله ، كشفاء الأمراض لكيما يسمعوا ذلك في العالم العتيد : " أنك قد
استوفيت خيراتك في حياتك " .
( أ ) هل تعتقد في الأحلام
+ في بعض الأوقات جاء أخوة إلي
الأب انطونيوس
يخبرونه عن أحلام يرونها
ليعلموا هل هي حقيقة أم من الشياطين ، وكان معهم أتان قد مات في الطريق ،
فلما سلموا عليه ابتدرهم قائلا : " كيف كان طريقكم ؟ وكيف مات
الأتان الصغير ؟
فأجابوه :
" من أين علمت يا أبانا ؟ "
فقال لهم : " أن الشياطين أروني ذلك في الحلم " ، فقالوا له :" ونحن لهذا
الأمر بعينه جئنا نسألك ، لئلا نضل ، لأننا نري أحلاماً ونصدقها مراراً
كثيرة " ، فأكد لهم الشيخ من حال الزمن الذي أخبرهم به أن هذه التخيلات من
الشياطين .
+ من كتاب الدرج :
المصدق المنامات يشبه من ميريد
أن يلحق ليمسكه ، فأن شياطين العجرفة ينذرونا في الحلم بما يكون مكرا منهم
، فإذا تمت المنامات نتخشع نحن ماننا قد تقربنا من نعمة النبوة فيتعجرف
فكرنا جملة ، طائعين الشيطان ، أن الشيطان هو روح علام بما في سقطس الهواء
فاذا عرف أنه قد مات فلان يسرع ويخبو به ويخدع الخفيفي العقول وقد يتشكل
مرات بشكل ملاك نور أو شهيد من الشهداء ، ويرينا ذلك في الحلم واذا انتبهنا
يملأنا فرحا وابهة .
+ راهب اسمه نونمينوس
:
هذا اظهر من ضبط الهوي مقدارا
زائداً ومكث سنين كثيرة حابسا نفسه في قلاية ، فهذا تلاهت به الشياطين فيما
بعد وهزات به باعلانات ومنامات أظهروها له ، فتهود واختتن ، بعد أتعاب
وفضائل جزيلة فاق بها جميع الاخوة ، لأن الشيطان لما رام خديعته أراه مرارا
منامات صادقة ليحسن قبول نفاقه ، ويجعله حسن الانصياع لقبول الضلالة التي
كان عتيدا أن يميلها عليه أخيراً ، فأراه في بعض الليالي شعب المسيحيين مع
الرسل والشهداء مظلمين مكمدين معبسين مغمومين من كل خزي ، ثم أراه شعب
اليهود مع موسي والأنبياء ملألئا ، باشا مستبشرا ، وعرض عليه الخداع قائلا
:
" أن شئت نوال فرح وضياء هذا
الشعب تهود واختتن " .
+ وآخر أيضا
:
كان كثير الصلاة والصوم والجهاد
، وكان كل يوم في ازدياد وحرص ، وحدث أنه أن\تكل علي أعماله الصالحة ،
فجاءه المجرب في الليل في شبه أمرأة تائهة في البرية ، ووثبت ودخلت قلايته
، ووقعت بين رجليه وكانت تطلب اليه أن تستقر عنده تلك الليلة ، فظن في نفسه
حينئذ أن يصنع معها خيراً ، وبدأ يسألها كيف تاهت ؟ فأخبرته بكل ما اصابها
.. ثم بدأت تكلمه ، وتزرع في قلبه الأفكار الدنسة ، وترثي لحاله ، وتتظاهر
بالاشفاق عليه ، وهكذا أطالت في كلامها حتي أمالته الي الشهوة النجسة ،
مريدة جذبه الي نفسها ، وبالضحك السمج أضلته حتي أنه بسط يديه اليها ،
فاقترب منها مسبيا بها ، مقدما نفسه ليتم الشهوة ، فصاحت بغتة . وخرجت
هاربة مثل الدخان ، وصوت الضحك سمع في الهواء من الأرواح النجسة يصيحون
ويقولون : " يا من تعظم ونرفع الي العلا ، أنظر كيف هبطت الي الهاوية " .
ومن بعد هذا غدا حزينا ولبث هكذا في حزن أياماً كثيرة حتي قطع رجاؤه ورجع
الي العالم . وعلي هذا المنوال يفعل الشيطان ، فانه اذا غلب انسانا يجعله
بغير معرفة لئلا يقوم من سقطته . من اجل ذلك يجب علينا الهروب من العالم
،والحذر من ملاقاة أمرأة ، ولا نقطع رجاءنا أبداً من رحمة ربنا .
( ب ) خيالات التنبؤ
+ قل القديس
أنطونيوس :
وان تظاهر الشياطين بسابق
المعرفة ، فلا تمل اليهم ، لأنهم يخبرون بأشياء كثيرة قبل كونها بأيام ،
ليقنعوا الذين يصغون اليهم بصدقهم ، فاذا صدقوهم بعد ذلك ، أهلكوهم . أما
هم ( أعني الشياطين ) فليس لهم سابق معرفة لأن علم الغيب لله وحده ، وأنما
هم سعاة خفيفيون مسرعون في الهواء ، والذي يرونه يسبقون وينذرون به فأطلبوا
من الله ليؤازركم علفي دحضهم ، متي طرقوكم ليلا علي انهم ملائكة ، لا
تصدقوهم لأنهم كذبة .
+ وقال
أيضاً :
اذا ما بدأ الانسان في المجيء
من بلدة بعيدة ، فعندما يراه الشياطين هكذا يسبقون وينذرون بمجيئه قبل أن
يجيء وقد يتفق مرارا كمثيرة ان ذلك الانسان يعاق أو يرجع لعارض ما فيظهر
كذب الشياطين ، وهكذا ينبئون عن ماء النيل ، لأنهم متي عاينوا الأمطار
الكثيرة في بلاد الحبشة ، يعرفون أن ماء النهر يكون كثيرا ، فيسبقون
ويخبرون بذلك ، وكما كان ديدبان داود الملك يقف في أعلي موضع فينظر ما لم
ينظره من كان تحته فيخبر به ، هكذت هؤلاء الأرجاس أيضاً يفعلون ذلك ليضلوا
..
+ دخل راهب الي البرية وكان
يصوم الستة أيام ، وفي اليوم السابع كان يأتي الي الصلاة ويتناول الطعام ،
ولا يزيد عن الصلاة كلمة ، فهذا مضي اليه الشياطين وخدعوه في أشياء كثيرة
وانذروه بأمور جرت في بلدان مختلفة ، فصدق بما خيل له وظن بالمخيلين له
أنهم ( أرواح ) قوات قديسة ، واتفق وقتئذ أن مضي ليفتقد أخا مريضا وتظاهر
لقوم كانوا هناك كأنه يحكي عن غيره فقال : هل يمكن لانسان أن يعلم ما يجري
في العالم ؟ .. فلما سمعوه فهموا انه هو المخدوع ، فزجروه قائلين : أن
اشغلت فكرك بمثل هذا سمعوه
فهموا أنه هو المخدوع ، فزجروه قائلين : أن اشغلت فكرك بمثل هذا الخداع فلا
تعد الينا وللوقت الي حيوانات مفزعة وتهددوه وانصرفوا عنه .
(
ج ) خيالات الرؤي
+ سئل شيخ :
ما رأيك في أناس يقولون انهم
يبصرون ملائكة ؟
فأجاب الشيخ
:
طوبي لمن أبصر خطاياه كل حين .
+ وقال آخر
:
أن الشياطين يخفون شرهم وراءهم
، ونورهم آخره ظلام ، فلا تعمل شيئا بغير مشورة الآباء العارفين بقتالهم .
+ من رسالة
للقديس سمعان :
جميع المناظر التي يمكن للناس
ابانتها في الاجسام ، انما هي من تخايل أفكار النفس وليست من أفعال النعمة
، لأن من شأن هذا الأمر ان يتبع الرهبان الشديدي البحث ، محبي العجرفة ،
الجانحين الي الكبرياء والأبهة ، المتمسكين بالرفيعات ، المرأئين .
انسان سكن طور سيناء ، وكان يظن
أنه يسلك سلوكا حسنا ، هذا عجرفته الشياطين في المنامات ، وتخيل أنه قبل
شرطونية الأسقفية ، فجلس وأخذ يعمل عمل الأساقفة .
ولقد رأينا أيضاً متواحداً
ساكناً مغارة ، لعبت به المنامات فأعيا أهويته وطارد ضلالات فضاع عقله وفسد
قلبه وسقط من السيرة الفاضلة ومات مجنونا
+ وراهب آخر اسمه ولاس :
قورنثاني العقل متشامخ ، هذا
جاء الي البرية وسكن مع الآباء لعدة سنين ، واتقن التقشف وشظف السيرة الي
اقصي غاية فخدع من الأبهة وتناهي في العجرفة كثيرا ، واقنعه ابليس بأن
ملائكة تخدمه في كل ما يحتاج اليه ، وكما حكي عنه رفاقه ، انه في وقت من
الأوقات وهو يخيط الزنابيل في ليل عميق داج أن رمي بالمسلة علي الأرض فظهرت
له شمعة بفعل ابليس ، فتعجرف واستكبر من هذا الحادث المر ، فاتفق ان قوما
غرباء أحضروا الي الاخوة فاكهة ، فأرسل الأب مقاريوس الطوباوي
لكل واحد نصيبا بمقدار حفنة ، وأنفذ له ضمنا ، فلم يأخذ ما أرسل اليه ، بل
شتم وضرب موصله .
وقال له :
" امض وقل لمقاريوس ما أنا دونك
لتنفذ لي بركة " ، فعلم الأب أنه قد خدع .
وبعد يوم مضي اليه ليعزيه ،
وقال له :
يا أخي لقد ترهت بك الشياطين ، فكف
واطلب من الله أن يرحمك . فلم يصغ الي كلامه ، فمضي من عنده حزينا متحققا
انخداعه ، فلما رأي ابليس أنه قد أنخدع له وانقات اليه ، تشكل له بشكل
المخلص وأتاه بالليل مع شياطينه كملائكة الرب حاملين أنوارا ، وظهر له في
كرة نارية قد تخيل له في وسطها المخلص ، وأن واحدا من الشياطين قال له ان
المسيح قد احب سيرتك وقد جاء لينظرك ، فأخرج من قلايتك ولا تعمل شيئا آخر .
سوي أنك تقوم من بعيد ، واذا نظرته قائما وسط الكل ، خر له ساجدا ، ثم أرجع
أدخل قلايتك .
فلما خرج ولاس وراء المصاف
وحاملي الأنوار وقف علي بعد وسجد لضد المسيح ، وهكذا انخدع عقله المفسود
لدرجة أنه جاء الي البيعة في اليوم التالي وبمشهد من جماعة الأخوة قال :
أني لست في حاجة الي قربان لأني بالأمس قد شاهدت المسيح . وحينئذ ربطه
الآباء بالحديد مدة سنة كاملة حتي كسروا عجرفته وكبرياءه بسيرة لا عجبة
فيها ، وشفوا الضد بالضد علي ما يقال .
فأن كان مع غروس الفردوس نبت
معرفة الخير والشر ، فلا عجب أن نبتت مع المناقب الشريفة أثمار ردية تولد
الموت ، فيليق بالمفرز أن يكون كل حين حذرا ، لآنه مرارا كثيرة تصير
الفضائل الجلية أسبابا لسقطات عظيمة متي لم يحكمها بنية متضلعة ذات افراز .
وعلي ما كتب
:
" {ايت صديقا هالكا ببره : مع
أن ألبر لم يكن بسبب الهلاك بل العجرفة .
+ وأيضا
انسان اسمه ماليطون :
كان يري آراء غريبة ، ويتجاسر
علي العظائم ، هذا تنسك محتملا الأتعاب والمعاطب الكثيرة ، متشبثا بامساك
الهوي لأبعد غاية ، وعلي ما قيل تتلمذ لأوليانوس الطوباوي مدة من
الزمان ، وصحبة الي طور سيناء والي بلد القبط ، وشاهد انطونيوس الكبير
وصحبه ، وصاحب غيره من القديسين الكبار ، وسمع منهم أقولا كثيرة تتعلق
بالطهارة وخلاص النفوس ، وأشياء كثيرة من التذكارات التي تهون من احتمال
المصاعب ، وما يتعلق بمناظر الروح ، وسمع أيضاً أنه يمكن للنفس اذا ما نظفت
كما يجب وبلغت الي عدم الانفعال ، أي انها اذا ألقت عنها
?
يحفظ الوصايا ?
لبأس الآلام العتيق ، وثبتت ثيابا قويا بالله علي صحتها الطبيعية التي كانت
لها أولا ، فأنها حينئذ تبلغ الي المناظر الألهية .
فهذه الأمور وما شاكلها لما
سمعها ماليطون ، التهب بالعجرفة كالملتهب بالنار ، ثم أنه انفرد في موضع
وانفصل من الاجتماع بالباقين وانعكف علي نصب وتعب طويل ، وتبتل للصلوات
الكثيرة والطلبات ليحظي فقط بما كان يؤمله من المناظر الرفيعة التي سمع بها
، وكان شغوفا بنوالها ، مع أنه لم يكن قد احترف صناعتها ، أي تواضع اللب
وتمسكن القلب ، وجعل اعتماده علي مواصلة الأتعاب والتوفير علي الأصوام دون
أن يذلل ذاته أو يخضع عقله جملة ، ودون ان يفهم حيل وكمائن ابليس المحارب ،
ولم يصغ الي القول القائل : " اكملتم كل شيء فقولوا أنا عبيد بطالون " ، بل
تعجرف عقله بالكبرياء والأبهة ، فلما نظر الشيطان أنه لا هم له الا في عدم
تمسكن العقل ، ولا تعرض له سوي رغبة نوال المناظر العالية ، أظهر له ذاته
محاطا بمجد عظيم ونور كثير وقال له : " أنا هو البارقليط ، أرسلت
الآن من الآب اليك لأهبك شيئا
من المناظر الرفيعة جزاء لأتعابك الكثيرة ، هذه المدة الطويلة ، لأنك اكملت
زمان العمل ، وقد حان أوان الراحة " . وطلب منه السجود له ، ففرح جدا بما
سمع ولم يشعر بالعطب ، وللوقت خر ساجدا له ، فلما نال العدو السجود الذي
أراده ، استولي عليه بالكلية ، وأعطاه تخيلا شيطانية عوض المناظر الالهية ،
التي كان يشتاق لرؤياها ، وفرغ من الاتعاب والاغراق كأنه ثد بلغ الي عدم
الانفعال ، وقال له : " أن كنت قد بلغت الي هذا الحد من عدم الآلام ، فليس
هناك حاجة بعد الي تعب وعرق جسدي " . ومن ههنا جعله ابليس مقدما واماما
لمقالة ( لبدعة) الساجدين المصلين ، فيما أنكشف أمره للأسقف ، أبعده ورذله
ونفاه بعيدا .
+ قيل عن بعض الآباء :
" أن الشيطان تراءي له في شبه
ملاك نوراني وقال له " أنا غبريال ؟، قد أرسلت اليك .
أجاب الشيخ
:
" لعلك أرسلت الي غيري وأما أنا
فخاطيء " .
فلما سمع الشيطان هذا الكلام
منه باتضاع ، اختفي ولم يرده .
+ كان أحد الشيوخ جالسا في
قلايته مجاهدا
.
وكان ينظره الشياطين عيانا
ويحتقرهم ، فلما رأي ابليس نفسه مقهورا من الشيخ ، ظهر له قائلا : أنا هو
المسيح . فأغمض الشيخ عينيه ، فقال له الشيطان : أنا المسيح ، وتغمض
عينيك مني ؟ ز فأجابه الشيخ قائلا : لا أريد أن أبصر المسيح ههما .
فلما سمع ابليس منه ذلك ، غاب
عنه .
+ قال أحد الشيوخ :
حتي ولو ظهر لك ملاك حقيقي فلا
تقبله بل حقر ذاتك قائلا : أنا عائش بالخطايا فلا استحق أن أنظر ملاكا .
+ قال الشيخ
أوغريس :
لا تشتق أن تنظر ملائكة أو قوات
، أو المسيح حسيا ، لئلا يضيع عقلك بالكلية ، وتقبل ذئبا بدلا من خروف ،
وتسجد لأعدائك الشياطين ، لأن بدء ضلالة العقل التيه والكبرياء ، اذا ما
بدأ العقل يتحرك في العجرفة ، فانه يروم أن يحضر الاله في صور وأشكال ،
لذلك يجب الا تجهل هذا الغش ، وهو أنه في وقت ما ، يقسم الشياطين ذواتهم ،
فبعض منهم يبدأون بمحاربتك ويحققون عندك أنهم شياطين ، فاذا طلبت المعونة ،
تجد البقية يدخلون اليك في شكل ملائكة قديسين
?
وهم شياطين ?
ويطردون اولئك الأولين ليخدعوك ، فتظن أنهم ملائكة قديسون ، وهم شياطين ،
كذلك توسوس لك الشياطين في وقت ما بأفكار ، ثم يحركونك للصلاة عليهم
ومقاومتهم فينصرفون باختيارهم ، كيما اذا انخدعت طننت بنفسك شيئا ، فتتكبر
كأنك قد بدأت أن بدأت أن تقهر أفكارك وتفرع الشياطين .
+ جلس أحد
الرهبان ناسكا في قلايته .
فأراد الشياطين أن يخدعوه بصورة
ملائكة ، وانهم أنهضوه للذهاب الي اجتماع الكنيسة وأروه أنوارا ، فجاء الي
شيخ وقال له : يا أبانا ، أن الملائكة تأتيني بصورة وتقيمني لأذهب الي
اجتماع الكنيسة .
قال له
الشيخ :
لا تقبل منهم ذلك يا ولدي ، أنهم
شياطين ، فاذا أتوك قل لهم : أنا متي أردت قمت ، ومنكم لا أسمع .
وفي الليلة التالية جاء
الشياطين فنبهوه كعادتهم ، فأجابهم بما قال له الشيخ . فقالوا له : هذا
الشيخ السوء الكذاب انما يخدعك . فقد أتاه أخ يستعير منه شيئا مان عنده ،
لكنه كذب وقال : ليس عندي ، وصرفه دون ان تعطيه شيئا . فجاء الأخ بكرة الي
الشيخ وأخبره بما كان ، فقال له الشيخ : أما ما طلبه الأخ مني وكان عندي
ولم أعطيه فذلك لأني عرفت أنه شيء يسبب له خسارة نفسه ، فرأيت أن أتجاوز
وصية واحدة ولا أتجاوز عشرة وصايا كي لا ينتهي أمرنا الي الحزن ، فأما أنت
فلا تسمع من الشياطين الذين يريدون ان يخدعوك . وبعد أن دعمه بالتعليم صرفه
الي قلايته .
+ قال أنبا
أور :
أني أبصرت أنسانا في البرية
خليت له الشياطين طغمات ملائكة ومراكب حافلة ، ومكلكا في وسطهم ، فقال له :
يا أيها الانسان ، لقد اتقنت كل شيء ، اذن خر لي ساجدا وأنا أرفعك كما رفعت
ايليا . فقال الراهب في فكره : أنا في كي يوم أسجد لملكي المسيح ، فلو كان
هذا هو المسيح حقا ، لما التمس مني السجود الآن . ولما جال هذا في فكره قال
: أن ملكي هو المسيح وأنا دائما أسجد له ، وأما أنت فلست بملكي . ولما قال
هذا الكلام ، تلاشي ذلك الخيال للوقت . هذا ما شرحه ذلك الأب كأنه عن غيره
، وأما الآباء الذين كانوا معه فقالوا : أنه هو هو الذي رأي ذلك .
+ جلس أخ
" في برية ملآنة من الشياطين
مدة من الزمان وكان يظن أنهم ملائكة ، وكان والده يزوره من حين الي حين ،
وفي بعض الأيام أخذ منه فأسا ليحطب به ويعيده اليه ، وحدث في عودته اليه أن
سبق أحد الشياطين وقال له : أن شيطانا يشبه أباك آت ومعه فأس في زمبيله
يريد أن يضربك به ، فلما جاء أبوه حسب عادته ، أخذ الابن الفأس وضربه فقتله
، وللوقت صرعه الروح النجس وخنقه .
+ راهب آخر
:
كان ينظر دائماً في قلايته ضوء
سراج ، فانقاد لعدم التمييز وقبل في بعض الأوقات شيطاناً علي أنه ملاك ،
فأمره ذلك الشيطان ان تقدم لله ولدا له معه في الدير لينال بذلك كرامة أب
الآباء ابراهيم ، فانقاد لهذه المشورة لدرجة انه كاد أن يتممها بالفعل ،
لولا أن الغلام نظره يسن السكين بخلاف العادة ويجهز ما يربطه به ، فهرب منه
ونجا .
+ حكي راهب
تقي قائلا :
أني في حال سفري لأسجد في
أورشليم جئت إلي موضع حيث كان هناك جرف عال وفيه مغارة ، ومن تحته يوجد دير
، فدخلت اليه ، فقال لي سكانه أن أحد الرهبان أراد أن يسكن تلك المغارة ،
وسأل الرئيس في ذلك ، فقال له : يا ولدي ، أنك لا تقدر أن تسكن المغارة ،
لنك لم تخضع أسقام نفسك بعد ، ولا آلام جسمك للقوة الناطقة ، كما أنك لا
زلت تجهل حيل ابليس المتفننة . فالأجود لك أن تقيم بالدير ، وتخدم آباءك
وتربح صلواتهم ولا تبق وحدك مقاتلا شياطين خبثاء .
ولكنه لم يقتنع ، فأفسح له
الرئيس في ذلك ، وصعد الي المغارة ورقع السلم . وكان الاخوة يحضر له طعاما
ويرفعه في زنبيل . ثم أن ابليس .
الذي لم يزل محاربا للسالكين
طريق الفضيلة ?
دبر له وهقا ليرميه في هوة الكبرياء ويأخذه أسيرا ، فظهر له شكل ملاك
نوراني وقال له : أعلم أهيا الأخ أنه لطهر نيتك وشرف سيرتك ، أرسلني الرب
خادماً لقدسك .
فأجابه الراهب : وما الذي فعلته
حتي تخدمني ملائكة ؟
قال له ذاك : أن جميع اعمالك
جليلة وقد أنعزلت عن الرهبان وسكنت وحدك في هذا الموضع ، فكيف لا تخدمك
ملائكة ؟
بهذه الأقاويل وأمثالها نفخ
التنين في ذلك الراهب ، وصار يأتيه كل يوم ويخاطبه بمثل هذا الكلام .
ثم أنه حدث في بعض الأيام أن
رجلا وقع بين اللصوص وسلبوا ماله ، فسعي الي مغارة ، فتقدم ابليس وجاء اليه
في صورة ملاك وقال له : أن انساناً يقبل اليك ، سرق اللصوص بيته ووضعوا ما
أخذوه منه في مكان كيت وكيت . فأتي الرجل وسجد تحت المغارة فأجابه الراهب
من فوق : مرحبا بك يا أخي ، قد عرفت حزنك ، أن لصوصا أخذوا حاجاتك وهي كذا
وكذا ، وهي مخبأة في المكان ، امض خذها وصل علي .
فرجع الرجل الي ذلك المكان ولما
وجد اشياءه انذهل ، وأشاع الخبر بين الناس ان الراهب ساكن المغارة يعلم
الغيب . فأقبل اليه جمع غفير ، رجالا ونساء وأحداثا متسائلين . ودخل فيه
الشيطان وصار يخبر كل واحدج بما ناله في زمانه وما يناله ، فلما سمع رهبان
ديره عجزوا كيف بلغ هذه المنزلة في زمن يسير . وفي يوم الاثنين ثاني أسبوع
القيامة ، ظهر له ابليس وقال له : أعلم أيها الأب ، انه يوم الاثنين ثاني
أسبوع القيامة ، ظهر له ابليس وقال له : أعلم ايها الأب ، أنه لحسن سيرتك
فان ملائكة كثيرين مرسلون خلفك ليحملوك الي السماء حتي تعاين المجال الذي
هناك . وان الاله المتحنن لم يشأ هلاكه ، فألهمه أن يطلع الرئيس علي هذا
الأمر ، فرأسله بيد الأخ الذي يأتيه بالطعام ، فلما سمع الرئيس بذلك أسرع
بالمضي اليه وقال له : " يا ولدي لماذا استدعيتني ؟ فأجابه قائلا : " بماذا
أكافئك يا أبي عن جميع ما عملته مع حقارتي ؟ " فأجابه الرئيس : وماذا عملت
معك من الخير ؟ " ، فقال : " خيرك علي كثير لك استحققت لبس هذا الزي ، بك
سكنت هذه المغارة ، بك بلغت أن أنظر ملائكة ، بك الهمت بعلم الغيب " .
فلما سمع ذلك قال له : " أأنت
يا شقي تنظر ملائكة الغيب ؟ أما قلت لك : لا تصعد الي المغارة لئلا تضلك
الشياطين ؟ " .
فقال الراهب
:
" لا تقل هكذا يا أبي المكرم ،
أني بصلواتك أنظر ملائكة وفي يوم الصعود ها انا عتيد أن أرتفع معهم الي
السماء بجسدي هذا ، واذا وصلت الي هناك فأني اسأل ربي يسوع المسيح أن يأمر
بأن ترفعك الملائكة أنت أيضاً ، فتكون وتعاين المجد الذي هناك " .
فلما سمع الرئيس هذا لطم علي
وجهه وحدثه قائلا : " لقد جننت يا شقي وضاع رشدك ، ولكن علي كل حال ها أنا
مقيم معك حتي أعاين آخر أمرك ، فاذا رأيت ملائكتك الارجاس ، أعلمني " ، ثم
انه أمر برفع السلم ، وأقام معه مصليا الابصالتس وصائما ، فلما كان اليوم
المعين لارتفاعه نظر الشياطين قادمة اليه ، فقال : " لقد جاءوا أيها الأب "
حينئذ احتضنه الرئيس وصرخ بصوت جمهوري : " أيها الرب يسوع ابن الله . آزر
الخ المخدوع " ، فأرادوا أخذه من يد الرئيس ، فزجرهم باسم الرب ، فما كان
منهم الا أن أخذوا وزرة الأخ وغابوا مقدار ساعة ، واذا بالوزرة ساقطة نحو
الأرض ، فقال له الرئيس : " أنظرت يا شقي ماذا فعل الشياطين بوزرتك ؟ هكذا
أرادوا أن يعملوا بك " ، ثم أنه أحضر السلم وأنزل الأخ معه الي الدير ورسم
له أن يخدم في المخبز والمطبخ مدة سنة وبذلك ذلل فكره .
+ قال الأب
أوغريس :
" لا تصور بعقلك اللاهوتية
أشكالا وأنت تصلي ولا تسمح لعقلك بالجملة أن يتصور الاله بشكل ما ، لأن
الله تعالي غير هيولي . فأن علمت ذلك ، فانك سوف تجد فهما يليق بالغير
الهيولي أي الاله . احفظ ذاتك من مصائد من مصائد المحابين لأنهم اذا رأوك
تصلي بنقاوة يجعلون أشكالا غريبة تظهر قدامك بغية ليجذبوط الي كبرياء القلب
، وذلك بأن يصوروا لك الاله والله ليس له شبه ولا قياس ولا صفة .
+ من قول
مار اسحق :
كل الذين يزعمون أن المسيح بعد
ارتفاعه الي السماء يظهر انسان تراه عين الجسد ، هم رفاق أولئك القائلين :
أن نعم الملكوت أكل وشرب .
+ قال شيخ
روحاني :
شبه نار مركبة ، فأعلم أن هذا هو فخ الدغل الذي يريد أ، يعيدك له للهلاك ،
وأن كل كا يشبه قرصا يضيء قدامك ، او شبه كوكب أو قوس الذي يري بالسحاب ،
أو شبه كراس أو مركبة أ, خيل نار ، فهذه كلها من طغيان الشياطين وباختصار
اقول : أن كل شيء تراه حولك بهذه الأشباه ، فهو من طغيان الشياطين ، أن
منظر الثاؤريا بسيط وليس بشيء مركب " .