لا تدينوا فلا تدانوا. لا تحكموا على أحد فلا يحكم عليكم.أعفوا يعف عنكم (لو 6 /37)
سر الزواج - الأب منير سقّال
|
|||
مقدمـة
|
|||
" … أنا لحبيبي وأَشْواقُه إليَّ ، هلُمَّ يا حبيبي ، لِنَخرُجْ إلى الحقول ولنبِت في القرى ، فلنُبكِر إلى الكروم وننظُرَ هل أَفَرخَ الكرم وهل تفتحت زهوره وهل نَوَّرَ الرُمان ، وهناك اَبذُلُ لَكَ حبُيِّ … اجعلني كخاتمٍ على قلبك ، كخاتمٍ على ذراعِكَ ، فإن الحب قويٌ كالموت والهوى قاسٍ كمثوى الأموات ، سهامه سهام نار ولهيبُ الرب المياه الغزيرةُ لا تستطيعُ أن تُطفِئَ الحب والأنهارُ لا تغمُرُه ، وَلَو بذل الإنسانُ كلَ مالِ بيته في سبيل الحب لاحتُقِرَ احتقاراً … "
( نشيد الأناشيد 7/11 – 13، 8/6 – 7 )
هكذا يتخاطب كلّ حبيبين في كل الأجيال وكل الأقطار ، وهذا التخاطب صورة لتخاطب الله والبشرية . وكما قال القديس يوحنا أن الله " محبة " ( 1 يو 4/8 ) ، لهذا السبب هو جماعة : آب وابن وروح قدس . فالله عائلة : " في البدء كان الكلمة ( الابن ) والكلمة كان لدى الله ( الآب ) والكلمة هو الله " مع الآب ، في وحدة الروح القدس الذي هو حبهما المشترك ( يو 1/1 ) . هذا الإله المحبة ، هذا الإله العائلة صنع الإنسان على صورته كمثاله ، صنعه لا فرداً متوحداً ، بل جماعة متآلفة ، فكان حقاً على صورة الإله الحقيقي ، الإله المحبة . لهذا السبب صنعه ذكراً وأنثى متشابهين ومتغايرين ومتجاذبين – روحاً وجسداً – بدينامية حب يجعلهما واحداً ، فينبثق منهما ثالث ، الولد ، الذي هو عنوان وحدتهما وتجسيد حبهما : إنه أنت كلياً ، إنه أنا كلياً ، إنه كلانا معاً في وحدة الجسد .
بين الحياة بصيغة المفرد والحياة بصيغة المثنى ، وبين المثنى والجمع ، فرق شاسع حمل أحد المفكرين على القول : " أبعد من المثنى ، لا تجد سوى الجماهير " ، ذلك أن الانتقال من العزلة إلى الجماعة يتطلب جهداً كبيراً للعبور من خطر الأنانية إلى ضياء العطاء والغيرية . هذا المنطلق البشري أمسكت به الكنيسة منذ نشأتها وحاولت رفعه إلى مستوى الروح ، بعيداً عن مجرد الاعتبارات الجسدية والنفسية والاجتماعية ، فإذاً اللقاء بين الرجل والمرأة انعكاس لاتحاد المسيح بالكنيسة ، على ما قال بولس الرسول ، وسر عظيم من أسرار الكنيسة السبع ، لا يقل قداسة وأهمية عن غيره من الأسرار .
|
|||
الزواج الطبيعي
|
|||
يحرم مجمع ترانت ( 1545 – 1563 ) ، من يقول أن الزواج لم يؤسسه المسيح بل هو اختراع بشريّ . يجب فهم هذا القول أولاً بالنسبة إلى زواج الخليقة " في البدء حيث كل شيء كان بالكلمة وبدونه لم يكن شيء " ( يو 1/1 – 3 ) . ثم يجب فهمه بالنسبة إلى زواج الفداء . فمن جنب آدم الجديد ولدت عروسته ، الكنيسة ، مع دم وماء الأسرار ، بما فيها الزواج . لكن هذا الزواج الذي رواه ماء العماد ودم الآلام ليس سوى الزواج " الطبيعي " ، هذه الحقيقة الأولى كما أسسها الله لما خلق الإنسان ذكراً وأنثى . لا نرى مطلقاً السيد المسيح يؤسس الزواج "المسيحي". ولا يتكلم مطلقاً على الزواج المسيحي . لما سأله اليهود عن الزواج ، وجّه جوابه لليهود فعاد بهم إلى الزواج الطبيعي إلى تصميم الله الأول ، الله الذي خلق كلّ زواج . وإنه لما أكد بقوله : " ما جمعه الله لا يفرقه إنسان " ، كان يتحدث عن الزواج الطبيعي الأول ، أي عن تصميم الله الأول والشامل . لذا يعلن لاوون الثالث عشر : منذ البدء كان الزواج صورة لتجسد الكلمة … لذا أعلن سلفانا ، زخيا الثالث وهونوريوس الثالث ، من دون أي تهور وبكل حق، إن سر الزواج موجود بين المؤمنين وغير المؤمنين .
كان المسيحيون الأولون يتزوّجون كسائر الناس ، أي كاليهود وكالوثنيين المحيطين بهم : يتبعون الطقوس الزوجية ذاتها ، لا خط مسيحي مميّز ، لا حضور كاهن أو أسقف ، لا حفلة دينية خاصة . ومع ذلك كان الزواج المسيحي آنذاك يعتبر " سراً " لم يكونوا يعرفون بعد ما هو السر . فوجب انتظار علم اللاهوت المدرسي لتعداد وترتيب البستان اللاهوتي . لكنّ الحياة المسيحية لا تنتظر الترتيبات الرسمية لكي تنمي كل الثروة التي زرعها الرب في كنيسته . في الكنيسة المضطهدة ، كان الحس الجماعي في الجماعات المتسترة يقوى بسبب مشاركة الأخطار . فكان الأسقف يعرف كل شعبه وكانت المحبة الرعوية شديدة ومتبادلة . وكان الأسقف أو أحد كهنته يدعى إلى أعراس المؤمنين ، كما دعي يسوع إلى قانا ، وكان مجيئه لا يشكل خطراً إذ لم يكن يرتدي أي لباس خاص يدل على "شخصه " ، وكان يقاسمهم الفرح المشترك إلى حين ويدلي بإمضائه ، مع سائر الشهود ، على عقد الزواج . وإذا سمحت الحالة الأمنية ، غالباً ما كان يُطلب إليه أن يبارك الزوجين بعد بركة رب العائلة ، فكان يرتجل صلاة أو يضع يديه على العروسين من دون أن يتفوه بشيء . وكان لهذا العمل طابع خاص ، لكنه لم يكن بركة زواج . لكن عند نهاية عصور الاضطهاد ، حوالي القرن الرابع ، أصبح هذا العمل عادياً . وهكذا فزواج المعمدين " الكنسي " منذ عصور ، سيتحول إلى ليتورجيا ويصبح كنسياً ( يبارك في حفلة كنسيّة ) ، ظهرت تدريجياً عبارات التبريك وقداسات زواج ، وابتداء من القرن السابع ، يأخذ مكاناً في الكتب الطقسية الرسمية في المناطق المسيحية . رغم ذلك ، وحتى ذلك الوقت ، لم تكن الكنيسة تصنع الزواجات لكنها تستقبل الزواج الطبيعي العادي وتباركه ، والرضى المتبادل كان الرابط الوحيد والحق المدني وحده كان يشرّع له ، وبقي الحال على هذا المنوال طوال الألف المسيحي الأول . سنة 318 أولى الإمبراطور قسطنطين ، الأسقف قيمة عامة : بوسع المؤمنين رفع شكواهم وخلافاتهم إلى الأسقف أو إلى الإدارة الملكية . وهكذا راحت السلطة الأسقفية تطبق القوانين المدنية وتحكم في الأمور الزواجية باسم السلطة الزمنية وبموجب الشريعة ، شريعة الإمبراطور ، فكانت النتيجة مع الوقت ، محو سلطة الإمبراطور وربط التشريع والحكم في قضايا الزواج بالكنيسة . ومنذ القرنين الحادي عشر والثاني عشر ، لم يعد للمعمدين زواج " مقبول " إلا " أمام الكنيسة " . وفرض مجمع ترانت صيغته القانونية تحت طائلة البطلان ، منذ القرن السادس عشر فقط … قرنان كانا ضروريين ( 11 و 12 ) لكي تنضج الفكرة بأن الزواج سر : وبأنه يرمز إلى الحب الذي يربط المسيح بالكنيسة ويمنحه . مذاك أصبح السر أكثر من تبادل رضى " ليس الزواج الرضى ذاته ، بل وحدة الحياة والتطلع إلى المستقبل الذي دشّنه الرضى " ( القديس توما ) . " السر هو وحدة الحياة والحب العميقة " ، كما يقول المجمع الفاتيكاني الثاني في " فرح ورجاء " : حب مدهش دائم ، منظور ومعروض على الناس كعلامة يومية للمسيح …
|
|||
سر الله
|
|||
هناك ألم واحد وهو أن يكون المرء وحيداً . والإله الذي يعيش وحيداً منذ الأزل هو منذ الأزل أيضاً التعاسة بعينها. أنانية " قادرة ووحيدة " كأنانية الغني في الإنجيل الذي ينوء تحت ثقل " حاصلاته " . شخص كهذا لا يمكن أن يكون الله لأن الله هو السعادة بالذات . لا سعادة إلا إذا أَحببنا واُحببنا ؛ إذن " الله محبة " .
هو محبة بالضرورة ومنذ الأزل . فمنذ الأزل هو عائلة حب . وبما أن كل شيء به كوّن ، فكيف نريد أن يخلق الأشياء إن لم يكن على صورته ومثاله ؟ نستنتج أن كلّ شيء خلق عن حب ، كلّ شيء خلق عائلة . في نص الخلق يكوّن الرجل والمرأة معاً بذار البشرية مثالها كما أرداها الله . في مساء كلّ يوم من الخلق ، كان الله يقول " هذا حسن " ، أما في اليوم السادس لما أخذ الإنسان من التراب ، فقال : " ليس حسناً … ليس حسناً أن يبقى الرجل وحده ، سأصنع له عوناً يناسبه . " إذ لو بقي وحده ، وحيداً ، لما استطاع أن يحقق دعوته ، دعوة صورة الله : لكي يكون حبّا ، يجب أن يكون هو أيضاً " أشخاصاً عديدين " . إنه بحاجة إلى رفيق ، كما يقول النص الأصلي . لكي يشبه الله الذي هو محبة ، الله الثالوث ، يجب أن يتكوّن الإنسان ، الإنسان الأصلي ، من شخصين متشابهين ومتباينين ، متساويين ومتجهين الواحد نحو الآخر جسداً ونفساً ، بدافع حب قوي ، بحيث لا يصبحان سوى واحد وبحيث يولد وينمو من اتحادهما " الشخص الثالث " ، الولد ، عنصر وحدتهما المنظورة . هكذا يكون الزوجان سرّ الله الذي لا يكشفه تماماً سوى الإيمان وحده ، والذي تحتفل به كنيسة يسوع المسيح كما هو .
ولأن الله الثالوث حبّ ، فقد قطع عهداً مع البشرية … " عهد " كلمة تعني لكم شيئاً ، أنتم من تحملون في إصبعكم خاتم الزواج ؟ " أتزوجك إلى الأبد ، يقول الرب ، أتزوجك في الحب والحنان ، أتزوجك في الأمانة ، فتعرفين الله " ( هو 2/ 21 – 22 ) . فلنفهم ما يلي : تزوّج الابن البشرية لمّا تجسد . ترك أباه وأخذ الطبيعة البشرية . وها هو الله الابن والإنسان يسوع الناصري " في جسد واحد " ، هذا الجسد المولود من مريم العذراء . فالله كله في يسوع الذي يكوّن مع الآب والروح إلهاً واحداً . وفيه ، هو الإنسان ، الإنسان كلّه ، إذ بإمكانه أن يجمعنا كلّنا فيه ، في جسد واحد . هكذا تجري فينا حياة الله كلها بيسوع المسيح . حياتنا كلها ، وقد تطهّرت وتغيّرت تمر بيسوع المسيح إلى الله . بين الزوجين ، كل شيء مشترك . والحال أن الله تزوج البشرية . وهذا هو العرس الحقيقي : عرس الله والبشرية في تجسد الابن . الزواج المثالي هو هذا . زواج نهائي ، زواج أغنى حب ، لأجل عروسه ، قدّم الابن ذاته إلى الموت ، ولأجلها وهب ذاته في المناولة … فالرب يطلب بواسطة كنيسته ، أن يعطي الرجل والمرأة ذاتيهما الواحد للآخر في الحب ، مدى الحياة إذ يقبلان هذا الشرف وهذه النعمة فيعيشان عهد المسيح ويشهدان له ، يحملانه " سراً " أي علامة حسية يراها الجميع . ما ينتظره الرجل من المرأة ، وما تنتظره المرأة من الرجل هو السعادة التي لا تحد ، الحياة الأبدية ، الله . لا أكثر ولا أقل . هذا الحلم المجنون يجعل العطاء الكامل ممكناً يوم الزواج . لكن هذا العطاء مستحيل ، إلا إذا وجد الزوجان في حياة شريكهما كل غنى الله ، في قلبيهما ، كل هذا الحب الحنون والرؤوف ، حب المسيح . سر الزواج هو هذا اللقاء الإلهي .
|
|||
في تدبير الخالق
|
|||
" خلق الله الإنسان ذكراً وأنثى خلقهم " ( تك 1/27 ) . ليس في الله جنس ، لكن الله محبة ، علاقة محبة بين الأقانيم الثلاثة . فلما خلق الإنسان على صورته ، وصنعه ذكراً وأنثى ، فلكي يكون جديراً مثله بالمحبة . فالحب هو الأول ، لا التوالد . بكلام آخر : لم يخلق الله الإنسان ذكراً وأنثى ليكون هناك ، أولاً ، بنون وبنات ، بل ليكون حبّ بينهما ، ومن ذلك الحب يكون بنون وبنات . هذا هو الفرق بين الجنس الإنساني والجنس الحيواني ، فالجنس الحيواني للتناسل لا غير . أما الجنس الإنساني فللحب أولاً ، للعلاقة ، للتخاطب ثم للتناسل ، لهذا السبب لا يتم التزاوج الحيواني إلا في فترات الخصب ، للتناسل ، أما التزواج الإنساني فلقد يتمّ خارج فترات الخصب ، لا للتناسل ، بل للعلاقة الودية .
|
|||
تصميم الله
|
|||
التزام مدى الحياة . يعود بنا يسوع إلى الزواج الأصلي الذي نجده في أوّل سفر التكوين ، هذا كلّ شيء : زواج بين رجل واحد وامرأة مدى الحياة . " ولذلك يترك الرجل أباه وأمه ، ويلزم امرأته ، فيصيران جسداً واحداً " ( تك 2/24 ، 1 كو 6/16 ) . يكونان جسداً واحداً ، وكما يقول ملاخيا : " ليسا بعد اثنين ، بل كائن واحد حيّ في جسد تنعشه نسمة حياة " ( 2/ 14 – 15 ) . رجل واحد لامرأة واحدة ، إذاً ، الأمانة والاستقرار فإن " من حاز امرأة واحدة فهي له رأس الغنى ، وعون بازائه ، وعمود يستريح إليه " ( سيراخ 36/26 ) .
بالطبع ليست هذه المقاييس طبيعيّة ، هذا الزواج الواحد والدائم ، الذي يساوي بين الأثنين ويوحّد بينهما ، لم يتّبعه الإنسان في البدء ، ليست قصة الخلق تاريخاً بل مشروعاً ، إنها غاية نُهيَويّة وضعها الله لكي يتجّه نحوها الزوجان تدريجياً . إذا كان لدينا أي وهم حول الموضوع ، فجرح الزواج الأول يعيدنا بسرعة إلى الواقع … ومع ذلك فالكتاب المقدس يمدح الحب الزوجي الذي هو " صورة ومثال " حبّ الثالوث . أنعجب بعد إذا كان هذا الحب صعباً ؟ صعب ولكنه ممكن . فاللازمة في كلام الله هي هذه : " ما جمعه الله لا يفرقه إنسان " . وأمام الصعوبة اللازبة ، المخرج الوحيد المضيء هو مخرج إلهي ، " مسيحيّ " ، مخرج المسامحة والمصالحة ، " كما أحب المسيح كنيسته " ( افسس 5/25 ) . فحب المسيح هذا قاده إلى الصليب الذي نحن نصبناه له ، فتقبّله راضياً . كُفرُنا له ، قابله بالمحبة ، خيانتنا له ، قابلها بالأمانة ، فبرهن بذلك أن الحب الصحيح يصمد في وجه الصعوبات و الأعاصير . معظم المشاكل الزوجية تنجم عن الاعتقاد بأن الزواج نقطة وصول ونهاية ، لا نقطة انطلاق وبداية " تزوّجنا ، خلص " ، لا ، بل " تزوجنا فلنشمّر عن سواعدنا لبناء العمارة " . الزواج حجر رخام ، والقرينان نحّاتان عليهما أن يحّولاه يوماً بعد يوم ، بالصبر والتعاون ، إلى تمثال جميل . قال أحدهم : " الزواج كتاب ضخم ، موضوعه جدّي ، إنما مقدمته قصيدة غزل " . فإذا ما اصطدمت بصعوبة الكتاب وطول فصوله ، عد واقرأ المقدمة ، والأفضل من ذلك هو أن تنقل المقدمة على ورقة طائرة ، ثم تضعها علامة في الكتاب ، حتى ترافقك من صفحة إلى صفحة ومن فصل إلى فصل .
|
|||
ما جمعه الله
|
|||
لا يفرقه بشر . سأل الفريسيون المسيح ، مجربّين : " هل يحل للرجل أن يطلق امرأته لكل علّة ؟ " أجاب يسوع " … من طلّق امرأته – إلا في حالة الزنى – وتزوج أخرى ، فقد زنى " ( متى 19/3 – 9 ) . " وإن طلقت امرأة رجلها ، وتزوجت آخر ، فقد زنت " ( مر 10/12 ) . أجل " من طلّق امرأته وتزوج أخرى ، فقد زنى . ومن تزوج امرأة طلّقها زوجها ، فقد زنى " ( لو 16/18 ) … أتى المسيح إلى العالم ليجدّده . فكان أول مظاهر التجديد إعادة الزواج إلى أصالته ، أي الاحادية وعدم الانفصام . فما يهم يسوع هو المشروع الإلهي بخصوص الإنسان ، فالطلاق تفشيل للمشروع الإلهي ، وإفساد للعهد القائم بين شخصين قد أصبحا جسداً واحداً . ولكن ما معنى الاستثناء " إلا في حالة الزنى ؟ هل يعني ذلك فعل الزنى ؟ أم شيئاً آخر ؟ نلاحظ أولاً أن هذا الاستثناء لم يرد إلا في إنجيل متى . وذلك لأن القضية – في البيئة اليهودية – كانت قضية الساعة عند العلماء ، وكانت تثير الكثير من النقاش والجدل ، في معرفة ما إذا كان مثل هذا الزواج صحيحاً أم لا . فجزم المسيح ، مشيراً إلى أنه زواج باطل ينبغي إما فسخه وإما تصحيحه . ما هي إذاً " حالة الزنى " هذه التي تجيز الطلاق ؟ هل هي خطيئة الزنى ؟ الخيانة الزوجية ؟ إن الكلمة التي استعملها القديس متى في إنجيله تعني في ما تعنيه " الزواج غير الشرعي لمانع ما " ، عن حسن نية أو سوء نية . فمثل هذا الزواج يكون باطلاً بالأساس ، وهو يضع الزوجين في " حالة زنى " ، أأدركوا ذلك أم لم يدركوه ، وعندئذ ينبغي الطلاق أو تصحيح الزواج إن كان الزوجان مدركين للأمر وعندهما رغبة في ذلك .
وهناك استثناء آخر ، يجيزه القديس بولس ، ولقد سميّ بـ " الانعام البولسي " ، " أما الباقون فأقول لهم أنا لا الرب ، إن كان أخ ( مسيحي ) له امرأة غير مؤمنة … وامرأة لها رجل غير مؤمن … وغير المؤمن لا يرتضي المساكنة ، بل يفارق فليفارق . فليس الأخ أو الأخت مستعبداً ( مرتبطاً ) في مثل هذه الأحوال " ( 1 كو 7/12 – 15 ) . كما وتجيز الكنيسة فسخ الزواج إن هو " غير مكتمل " .
هذه هي الحالات القابلة لفسخ الزواج ، ففي ما عدا ذلك ، وما عدا التبيّن أن الزواج باطل من أساسه ، فلا فسخ للزواج ، بل هجر إذا اقتضى الأمر … لذلك فالزواج السر لا ينفصم : فهو بالنسبة إلى الأزواج المسيحيين ، اتحاد المسيح بكنيسته . لا يسمح للرجل بأن ينفصل عن زوجته تماماً كما لا يسمح للمسيح بأن يتحرر من تجسده فينفصل عن البشرية ويخون العهد ، عهد الحب الذي يربطه بكنيسته ، والحال أن المسيح لن يترك كنيسته أبداً . كل زواج مسيحي معمّد ومطعّم إلهياً على هذا الحب المتين ، حب المسيح وكنيسته ، لا خليقة أخرى يمكنها أن تحل رباط الحب هذا الذي يربط بين المسيح وكنيسته .
|
|||
أنموا وأكثروا
|
|||
( تك 1/28 ) ، يقول المجمع : " في طبيعة الزواج والحب الزوجي إنجاب البنين وتربيتهم ، وهذان يتوجان الزواج والحب ، كما تتوّج القمة الجبل " ( ك ع ، 48/1 ) ، ويقول البابا بولس السادس : " في طبيعة العمل الزوجي ، الذي يوّحد بين الزوجين ، أن يجعلهما جديرين بايلاد حياة جديدة ، وذلك بمقتضى نواميس مطبوعة في كيان الرجل بالذات وكيان المرأة " ( الحياة البشرية ، 8 ) . الحب خصب ، بطبيعته ، في الزواج كان ( البنون ) أو خارج الزواج ( أعمال المحبة والإحسان ) . لذا فإن الولد ليس غريباً عن القيم الزواجية ، لا بل هو مكمّل لها ، إذ هو يجعل العلاقات الشخصية ، في الزواج ، على صورة العلاقات في الثالوث الأقدس . وعليه ، فإن الكنيسة لا تعترف بصحة زواج من كان في نيتهما صراحة رفض قاطع للولد . إذ لا يحق للزوجين أن يقصيا بصراحة الولد عن مجمل " مشروعهما " الحياتي .
|
|||
خاتمة
|
|||
كل هذا يهدف إلى استجلاء روحانية بيتيّة ، حيث تبان طريق خاصة يكبر في مسيرتها حب الزوجين لله وإيمانهما به ورجاؤهما بمواعيده ، فيشهدان من خلال هذه الخبرة أمام أولادهما والآخرين والعالم . هذه الشهادة تتغذى من ممارسة سائر الأسرار الشقيقة السابقة واللاحقة لسر الزواج التي هي أيضاً من أجل حياة مسيحية أفضل والتزام للمسيح والكنيسة والعائلة حتى الممات . " … وعلى المتزوجين والوالدين المسيحيين ، في سبيلهم الخاص ، أن يتعاونوا معاً بحب دائم على حفظ النعمة طوال العمر ، وأن يعّلموا الأولاد الذين أعطاهم الله إياهم في حبهم ، التعليم المسيحي والفضائل الإنجيلية . وبذلك يعطون الجميع مثلاً في الحب الثابت السخي ويبنون على المحبة مجتمعاً أخوياً ، ويصبحون شهوداً وشركاء في خصب أمنا الكنيسة ، دلالة واشتراكاً في الحب الذي أحب المسيح به عروسه باذلاً نفسه عنها . " ( ك 5/41 )
|